لم يشهد عصر التلاوة الذهبى صوتًا كصوت الشيخ عبد العظيم زاهر الذي ينتمي إلى فئة الصادح، وتحققت بداية الشهرة له في أواخر العشرينيات وخلال النصف الأول من ثلاثينيات القرن العشرين.
قال عنه الكاتب محمود السعدني في كتابه "ألحان السماء" إنه كان صاحب صوت مقتدر على الأداء الممتاز في جميع المقامات، وهي ميزة كبرى لم يظفر بها إلا عدد قليل من القراء على رأسهم قيثارة السماء محمد رفعت، فإن صوته صاحب نبرة حزن وشجن فكان أقرب للناي الحزين.
مولده ونشأته:
ولد الشيخ عبد العظيم زاهر يوم الاثنين 22 فبراير 1904م بقرية مجول، التابعة لمركز بنها بمحافظة القليوبية، حفظ القرآن في كُتَّاب القرية، وهو ابن ثماني سنوات، ما دفع والده إلى أن يلحقه بمعهد القراءات بالقاهرة الذي كان يوجد في شارع الشيخ ريحان، وكان المعهد الأول في تدريس علم القراءات وقتئذ، فتتلمذ على يد الشيخ خليل الجنايني الذي تنبأ له بمستقبل كبير في عالم قراءة القرآن، وكذلك الشيخ حنفي السقا.
صوت الشيخ عبد العظيم زاهر لم يكن في حاجة إلى شيء بعد حفظ القرآن الكريم سوى الصقل الذي تحقق في معهد القراءات، ليظهر للناس كقارئ مميز في الاحتفالات الدينية، وذاع صوته في السماع وسرادقات العزاء، حتى إن مدير الإذاعة وقتها محمد سعيد لطفي باشا أطلق عليه اسم "الصوت الذهبي"، ولعل أبلغ وصف أُطلق عليه من الشيخ أبو العينين شعيشع أنه مزمار من مزامير آل داود، وكان الإذاعي محمد فتحي باسم "كروان الإذاعة".
الصداقة بين الشيخين:
ربطت الشيخ عبد العظيم زاهر علاقة وثيقة بالشيخ محمد رفعت، فكان كل منهما يحرص على سماع الآخر وفي الوقت الذي كانت تبث فيه الإذاعة برامجها على الهواء مباشرة، وكان المتبع أن قارئ القرآن يظل بالاستوديو ولا يغادره إلا بعد أن يرفع أذان المغرب، فما كان من الشيخين إلا أن يتبادلا طعام الإفطار في رمضان، فإذا كانت التلاوة للشيخ عبد العظيم زاهر فكان بعد المغرب يخرج قاصدا منزل الشيخ رفعت بدرب الجماميز، ليتناول معه الإفطار، وإذا كانت التلاوة على الشيخ رفعت، فكان يخرج إلى حيث يسكن الشيخ عبد العظيم زاهر بحلمية الزيتون.
خلافه مع الإذاعة:
اختلف الشيخ زاهر في مرة من المرات مع الإذاعة، وقت أن كانت إنجليزية فقال لمديرها الإنجليزي، وكان اسمه ماركوني إن الإذاعة تتشرف بنا نحن المشايخ، ولا تجد هذا الشرف في وجودك على رأسها، وسانده الشيخ محمد رفعت وقاطعا الإذاعة فترة طويلة، ما دفع المستمعين للمطالبة بعودة الشيخين إلى الميكروفون، فخضعت الإذاعة لمطالب الناس وعاد الشيخان.
نذر الشيخ عبد العظيم زاهر حياته لخدمة القرآن، فبالإضافة إلى تسجيلاته الإذاعية التي يمكن أن تغطي ختمة كاملة، فإنه عمل قارئًا للسورة بمسجد محمد علي بالقلعة منذ بداياته حتى قيام ثورة يوليو، ثم انتقل بعد ذلك ليعمل قارئًا للسورة بمسجد صلاح الدين بحي المنيل حتى وفاته، وشارك في بعثات وزارة الأوقاف التي كانت تذهب لإحياء ليالي شهر رمضان في الدول العربية، ومنها السعودية والأردن واليمن، وكانت رحلاته لأيام قلائل، لأنه كان لا يطيق البعد عن مصر وكان لا يميل للسفر خارج مصر خوفًا من ركوب الطائرات، ولذلك فضل ركوب البحر في السفر إلى الأراضى المقدسة لأداء فريضة الحج عام 1961.
ولم تخل مناسبة دينية داخل مصر من مشاركته، وكان الشيخ يفضل في قراءاته قراءة حفص، ومع ذلك فقد سجل لمختلف الإذاعات الأجنبية التي تبث برامجها العربية بترتيلات مختلفة من مختلف القراءات التي أتقنها.
وللأسف لم يترك الشيخ زاهر تسجيلًا كاملًا للمصحف المرتل، وبلغ عدد تسجيلات الشيخ بالإذاعة أكثر من مائة تسجيل، منها ثمانية وسبعون تسجيلًا لمدة نصف ساعة، وثمانية عشر تسجيلًا لمدة ربع ساعة، وستة تسجيلات مدة الواحدة 45 دقيقة، وعدد من التسجيلات لمدة عشر دقائق.
بدأت رحلة نهاية حياته في أعقاب إصابته بانفصال في الشبكية بعينه اليمنى عام 1967م، وأجرى عملية جراحية، ثم أصيب بمرض الصفراء في العام التالي، قبل أن تصعد روحه يوم الثلاثاء الثامن من ذي القعدة سنة 1390هـ الموافق الخامس من يناير 1971م، وتمت الصلاة عليه في مسجد عمر مكرم ليواري جثمانه الثرى بمسقط رأسه بقرية مجول بالقليوبية، مات وترك اثنى عشر ولدًا وبنتًا يقرأون القرآن، وبعد رحيله بعشرين عاما كرمته مصر في احتفال ليلة القدر بمنح اسمه وسام الجمهورية من الطبقة الأولى.
صابر رمضان