في مسألة كتابة اسم الجلالة الله على صورة الترقيق( اللاه) الذي يشيع في بعض المناطق لا سيما منها في جنوب اليمن،فيقال : عبد اللاه ، وأنا واحد ممن ابتُلي اسمُ أبيه بهذه الصورة الكتابية الموافقة للترقيق النطقي.
أقول في هذه المسألة: ترقيق اسم الجلالة يُستعمل في بعض مناطق جنوب اليمن في جميع الأحوال في الأعلام من الأسماء، ويبدو لي أنهم عمدوا للتفريق بين المرقق وغير المرقق في اسم الجلالة،من خلال الكتابة ،فكتبوا المرقق بما يشبه الكتابة الصوتية فأظهروا الألف المحذوفة في اسم الجلالة فكتبوه (اللاه) ، وتركوا غير المرقق على رسمه المعروف (الله) ، وقد تتبعتُ جواز ذلك من عدمه في طريقة كتابة اسم الله بصورة الترقيق، فخلصتُ إلى الآتي:
مسألة حذف الألف وإثباتها في اسم الجلالة (الله):
من يتتبع أقوال العلماء يجدهم يعللون حذف الألف التي قبل الهاء المتطرفة من اسم الجلالة (الله) بعلل أهمها : كثرة استعماله أو تجنُّب اللبس مع غيره أو استخفافٌ. قال الأنباري في البيان في غريب إعراب القرآن[1 /3] :((وحُذفت الألف من (الله)في الخط لكثرة الاستعمال، ولذلك أيضًا حُذفت ألف الرحمان)) فعلَّل حذف الألف لكثرة الاستعمال وحمل على ذلك حذف الألف من كلمة الرحمن . ونص أبو حيان على أن حذف الألف من اسم الجلالة جاء منعًا من الإشكال مع اسم الفاعل اللاهي من لها يلهو أو للتخفيف،فقال :((وحذفت الألف الأخيرة من الله لئلا يشكل بخط اللاه اسم الفاعل من لَهَا يلهو، وقيل طُرحت تخفيفًا وقيل هي لغة فاستعملت في الخط))البحر المحيط[1 /125]. ولست أدري أين الإشكال في إظهار الألف في اسم الجلالة(اللاه) وفي اسم الفاعل من لها يلهو،لاسيما أن اسم الفاعل منه إذا عُرِّف بالألف واللام ثَبَتتْ ياؤه فيقال اللاهي ولا تحذف إلاّ في النكرة المرفوعة أو المجرورة ، وقد أُبهِم قول أبي حيان: " وقيل هي لغة فاستعملت في الخط " ، أَيقصدُ بذلك أن إظهار الألف في اسم الجلالة ورد في لغة من لغات العرب؟.
ونبه ابن أبي طالب القيسي في مشكل إعراب القرآن[1 /66-67]على أن حذف الألف جاء استخفافًا أو منعًا من الشبه هجاءً باللات في حال الوقف أو لكثرة الاستعمال ، فقال : ((وحذفت الألف في الخط من اسم الله استخفافا وقيل حذفت لئلا يشبه هجاء اللات في قول من وقف عليها بالتاء وقيل لكثرة الاستعمال، وكذلك العلة في حذف ألف الرحمن، والأصل في اسم الله عز وجل إلاهٌ ثم دخلت الألف واللام فصار الإلاه فخففت الهمزة بأن أُلقيت حركتها على اللام الأولى ثم أدغمت الأولى في الثانية ولزم الإدغام والحذف للتعظيم والتفخيم، وقيل بل حُذفت الهمزة حذفًا وعُوِّض منها الألف واللام ولزمتا للتعظيم، وقيل أصله لاه ثم دخلت الألف واللام عليه فلزمتا للتعظيم، ووجب الإدغام لسكون الأول من المثلين ودل على ذلك قولهم: لهي أبوك يريدون لله أبوك فأخّروا العين في موضع اللام لكثرة استعمالهم له ويدل عليه أيضا قوله: لاه ابن عمك يريدون لله، وقد ذكر الزجاج في بعض أماليه عن الخليل أن أصله وِلاهٌ ثم أبدل من الواو همزة كإِشاح ووشاح والألف في لاه منقلبة عن ياء دل على ذلك قولهم لهي أبوك فظهرت الياء عوضًا من الألف فدل على أن أصل الألف الياء)). ولا علاقة تبدو لي بين إظهار الألف في اسم الجلالة فيقال: اللاه ، وبين الصنم المسمى اللات ، سواء أَبتاءٍ مبسوطةٍ كُتِبَ أم بتاء مربوطة؛ لأنها في كلا الحالتين تُنطق تاءً ، أما تبريره في حال الوقف غير مستساغ لأن العبرة في الوصل لا في الوقف.
والذي يظهر لي أن إظهار الألف في اسم الجلالة فيقال (اللَّاه)جائزٌ على استكراه - ما لم يحرمه الشارع - وإن خالف ما خُطَّ عليه في اللغة ؛ لأنه لم يخرق أصلاً من أصول العربية ، ولم ينحرف عن أصل الكلمة ، إنما أُظهِرَ ما شاعَ محذوفًا، وقد نص القيسي فيما سبق ذكرُه آنفًا أنهم قالوا: " لهي أبوك يريدون لله أبوك فأخروا العين في موضع اللام لكثرة استعمالهم له ويدل عليه أيضا قوله: لاه ابن عمك يريدون لله " ، وأما علة الإشكال واللبس فتزول بنقط الحروف وبالحركات والسكنات ومثل ذلك تجويز مئةٍ وعَمْرٍ لزوال اللبس مع بقاء مائة وعَمْرو، وأما علة كثرة الاستعمال فلا تمنع إظهار المحذوف وإنما تستحسن عدم الإظهار اختصارًا.