شاع في استعمال بعض الكُتَّاب لاسيما المعاصرون منهم إقحامُ الواو العاطفة على الاسمِ الموصول الذي والتي وفروعهما ، الواقعِ صفةً لذات موصوفة، فترتَّب من إقحام هذه الواو العطفُ بين الصفةِ الواقعةِ اسمًا موصولًا وموصوفِها(1). وعطف الصفة على موصوفها في عمومه خلاف الأصل(2)، فلا يقال : شَهِدَ بهذا زيدٌ والفقيهُ ، على أن الفقيه صفةٌ لزيد ؛ إنما : شَهِدَ بهذا زيدٌ الفقيهُ ، (( ولم تُعْطَف الصفةُ على الموصوف من حيث كان الشيء لا يعطف على نفسه لفساده)) (3) ؛ لأن (( الصفة والموصوف كالشيء الواحد))(4)، وما ورد من شواهد محتملة العطف بين الصفة وموصوفها مختلَفٌ في توجيهها .
ولقد أوهم إقحامَ الواوِ على الاسم الموصول عدمُ التفريق بين الواو العاطفةِ صفاتٍ متغايرةً لموصوف واحد في الاستعمال الفصيح ، والواوِ العاطفةِ صفةً على موصوفها فيما هو خلاف الأصل . والمستعمل المشيع في فصيح كلام العرب هو أن تأتي الواو عاطفةً بين صفات متغايرة في مدلولها متحدة في موصوفها ، كأن يقال : (أعجبني محمدٌ الذي يهتم بدروسه ، والذي يحب أساتذته ، والذي يتواضع لزملائه). فالواو هاهنا عطفت بين صفات متغايرة أُولاها صفة الاهتمام بالدروس ، وثانيها صفة حبِّ الأساتذة ، وثالثها صفة التواضع للزملاء ، وهذه الصفات المتغايرة موصوفها واحدٌ هو محمد(5) ؛ وهذه الواو فصيحة ثبت استعمالها في فصيح الكلام – على ما سيأتي لاحقًا من شواهد - ، ولا يُفهَم بدخول الواو العاطفةِ المغايرةُ في الذوات ؛ لأن الذات واحدةٌ تعدَّدت صفاتها فجاز العطف بين صفاتها ، وهذا على خلاف أن تدخل الواو السابقة للاسم الموصول للعطف بين ذاتٍ وصفتها ، نحو قول بعضهم : محمد مهتم بدروسه والذي يحب أساتذته والذي يتواضع لزملائه . فالواو هاهنا عاطفة بين الموصول الواقع صفةً وبين الذات الموصوفة (محمد) ، واستعمالها هاهنا لا يستقيم - في نظري - ؛ لكون المعنى من استعمال الواوِ المغايرةَ ؛ فدلَّ ذلك على أن الذي يحب أساتذته غيرُ الذاتِ (محمد) المهتم بدروسه؛ لأن الواو عطفت بين صفة وموصوفها فاحتملت المغايرة بين المتعاطفين على أن يكون ما أصلُه صفةٌ (الذي يحب أساتذته) غيرَ ما أصلُه موصوفُ هذه الصفةِ الذي هو (محمد). وعلى وفق عدم التفريق بين الأمرين في مجيء الواو العاطفة بين صفات متغايرة لموصوف واحد في الاستعمال الفصيح ، وفي مجيء الواو السابقة للموصول بين صفة وموصفها فيما هو خلاف الأصل، وَقَعَ الوهمُ في كتابات بعضهم فعَطَفَ بين الموصولِ الواقع صفةً وموصوفِه ظنًّا منهم أن استعماله فصيح ، فتغيَّر المعنى؛ إذ صار ما أصله صفة لموصوفه مغايرًا لموصوفه ، فاحتمل الموصولُ المعطوف بالواو غيرَ المعطوف عليه . قال أبو حيان عند قوله سبحانه : {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ }(6) في سياق ذكر الأقوال المتعددة في تفسير {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}: (( وقيل هو الله تعالى، قاله الحسن وابن جبير والزجاج، وعن الحسن : لا والله ما يعني إلا الله؛ والمعنى كفى بالذي يستحق العبادة وبالذي لا يعلم ما في اللوح إلا هو شهيدًا بيني وبينكم. قال ابن عطية: ويعترض هذا القول بأن فيه عطف الصفة على الموصوف وذلك لا يجوز وإنما تعطف الصفات بعضها على بعض. انتهى؛ وليس ذلك كما زعم من عطف الصفة على الموصوف؛ لأنّ (مَنْ) لا يُوصَف بها، ولا لشيء من الموصولات إلَّا بالذي والتي وفروعهما وذو وذوات الطائيتين. وقوله: وإنما تعطف الصفات بعضها على بعض، ليس على إطلاقه بل له شرط وهو أن تختلف مدلولاتها، ويعني ابن عطية لا تقول مررت بزيد والعالمِ فتعطف والعالم على الاسم وهو عَلَمٌ لم يلحظ منه معنى صفةٍ... ولما شعر بهذا الاعتراض مِن جعْلِه معطوفًا على الله قدَّر قوله: بالذي يستحق العبادة؛ حتى يكون من عطف الصفات بعضها على بعض لا من عطف الصفة على الاسم))(7). وعلى وفق ذلك درج النحويون والمفسرون في توجيه الشواهد القرآنية المتضمنة عطفَ صفات متعددة – لاسيما الموصولات بالذي والتي وفروعهما - على موصوف واحد هو ذاتٌ متصفة بتلكم الصفات المتغايرة، وجعلوا ذلك من باب العطف بين الصفات، ولا يستقيم ذلك في الذوات؛ لأن (( أداة العطف إن توسطت بين الذوات اقتضت تغايرها بالذات(8)، وإن توسطت بين الصفات اقتضت تغايرها بحسب المفضولات)) (9). ومن الشواهد القرآنية على عطف الصفات في الصلات الاسمية:
-{ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}. [البقرة : 2-4]
-{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}. [آل عمران : 68]
-{وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}. [الأنعام : 150]
-{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}. [الأعراف : 156]
-{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}. [الأنفال : 36]
-{إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ}. [يونس : 7]
-{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ، وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ، وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ }.[الشعراء:77-82].
- { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }.[المجادلة : 11] (10).
ومما سبق يتبيَّن أن الواو العاطفة الداخلة على الاسم الموصول الذي والتي وفروعهما الواقعِ صفةً استُعْمِلت استعمالين:
الأول : عَطَفَتْ بين صفات متغايرة لموصوف متَّحد الذات، وعطْفُها لمقاصد دلالية بلاغية يستدعيها سياق الكلام، واستعمالها هاهنا ثابتٌ في فصيح الكلام.
والآخر: عطفت بين صفةٍ وموصوفهِا، فغيَّرت معنى الكلام وجعلت ما هو في أصله صفةٌ مغايرًا لموصوفه؛ لأن العطف مشعرٌ بالتغاير، واستعمالها هاهنا بعيدٌ عن مقصد الكلام ومدلوله.
الهوامش:
([1]) من ذلك على سبيل المثال ما جاء في كتابٍ من إصدارات مجمع اللغة بالقاهرة بعنوان (كلماتي مع الخالدين) لمحمود حافظ ، قال فيه : ((وكيف لا أتهيَّب هذا الموقف وأمامي هذه القمم الشامخة من جهابذة اللغة وهذه الصفوة الرائدة من أساطين العلم والأدب ، والذين بلغ بهم المجمع هذه المكانة الرفيعة التي يتسنمها اليوم)) فأقحم الواو على الاسم الموصول(الذين) الواقع صفة ، فدل المعنى على التغاير بين الذين بُلِغوا المكانة الرفيعة وجهابذة اللغة وأساطين العلم والأدب ، والكاتب لم يقصد هذا التغاير ؛ إنما أراد وصفهم بهذا الوصف ، فوضع الواو في غير موضعها. ونحوه ما جاء في مجلة مجمع اللغة بالقاهرة : ((هؤلاء هم سدنةُ اللغةِ وحماتُها، والذين أخرجوا أحدث معاجمه)) فإقحام الواو قبل الموصول جعلهم جماعتين متغايرتين دلالة على عطف المتغايرينِ ، فخالفَ مقصود َالمتكلمِ الذي أراد وصفهم بإخراج أحدث المعاجم .