خاتمة البحث العلمي بمثابةِ إعلانٍ للباحث العلمي عن انتهاء جميع المراحل المُتَعَلِّقة بالبحث، أو الرِّسالة العلمية، وهو جُزءٌ أصيلٌ ومحوريٌّ، ولا ينبغي أن يُصاغ في عُجالة، ولا بد له من دقَّة ونظام؛ شأنه شأن باقي أجزاء الدراسة، وما دعانا لقول ذلك هو ما نُشاهده في هذه الفترة في مُناقشات الأبحاث؛ سواء التي ترتبط بالدراسات العُليا، أو بحوث التَّخرُّج الجامعي؛ حيث يهتم المُقيِّمون بجميع التفاصيل، ولقد بلغ الحدُّ الاهتمام بالتَّرقيم، وكذا التَّعليق على الأخطاء الإملائية، صغيرها قبل كبيرها، بالإضافة إلى طُرُق التَّوثيق، وعلامات التَّرقيم، والهوامش، والهدف من ذلك ليس تكدير الباحثين بقدر ما هو تدقيق بغرض استهداف عمل أبحاث ذات قيمة، ولها تأثير، ويُمكن استخدام الأفكار التي تتضمَّنها، والعمل بها، وليست مُجرَّد أوراق تُطبع وتُركن داخل الدَّواليب، وفيما يلي سنستعرض أُطروحات عديدةً في صُلب موضوعنا، وفي النهاية سنصوغ نماذج خاتمة بحث علمي مُتَعَدِّدة.
مُحتويات المقال:
- ما خاتمة البحث العلمي؟
- ما الموضع الخاص بجُزء خاتمة بحث علمي؟
- ما الحجم المُتَعَلِّق بخاتمة بحث علمي؟
- ما أهمُّ الاعتبارات التي يجب أن يتَّبعها الباحث عند كتابة خاتمة بحث علمي؟
- كيف يُمكن كتابة خاتمة بحث علمي؟
- نماذج خاتمة بحث علمي.
_____________________________________________
ما خاتمة البحث العلمي؟
هي عبارة عن عرض لفكرة البحث المحورية، ويُكتب ذلك بشكل عام دون وضع تفصيلات سبق توضيحها في متن البحث، كما يُشير الباحث للجُهد المبذول، بدايةً من اختيار موضوع الرسالة، وحتى النهاية، ويُمكن توضيح مُلخَّص عام للاستنتاجات التي تم تدوينها، وكذلك التوصيات المهمة، وينبغي أن تكون الجُمل المكتوبة في خاتمة البحث عاكسةً لتواضُع الباحث، ونُكرانه لذاته، وبعيدًا عن الثَّناء الشخصي.
ما الموضع الخاص بجُزء خاتمة بحث علمي؟
موضع جُزء خاتمة بحث علمي بعد مُحتوى البحث (الأبواب والفصول والمباحث والدراسات السابقة)، وقبل الجُزء المُتَعَلِّق بالمصادر والمراجع، ولكن ينبغي التنويه إلى أن هناك مجموعة من الباحثين تقوم بوضع صفحات خاتمة البحث العلمي ضمن قسم أكبر يُعرف باسم قسم الخاتمة، الذي يشتمل على: النتائج، والتوصيات، والمُقترحات، والخاتمة.
ما الحجم المُتَعَلِّق بخاتمة بحث علمي؟
لا يُوجد حجم ثابت اصطلح عليه خُبراء الأبحاث العلمية، ولكن يُمكن أن نضع متوسطًا في ذلك، ويتفاوت الحجم على حسب حجم الرسالة الكُلِّي؛ فنجد على سبيل المثال الأبحاث ذات الصِّلَة بالدراسات العُليا (ماجستير ودكتوراه) خاتمتها بين صفحتين وخمس صفحات، والحجم الكُلِّي للبحث المُتَعَلِّق بالماجستير لا يقلُّ عن مائتين وخمسين صفحة، وبالنسبة لرسائل الدكتوراه لا يقلُّ حجمها عن ثلاثمائة وخمسون صفحة، أما بالنسبة لبحوث التَّخرُّج الجامعي فمتوسِّطها بين صفحة وصفحتين، والحجم الكُلِّي للبحث يتراوح بين 25-40 صفحة.
ما أهمُّ الاعتبارات التي يجب أن يتَّبعها الباحث عند كتابة خاتمة بحث علمي؟
هناك مجموعة من الاعتبارات المهمة عند تدوين خاتمة البحث العلمي، وسنذكرها فيما يلي:
- استخدام جُمل لغوية ذات صدى: من الاعتبارات المهمة عند كتابة خاتمة بحث علمي مُراعاة استخدام الجُمل الجذَّابة من الناحية اللغوية، واللغة العربية مليئة بالمُفردات الجميلة المُعبِّرة، وعلى الباحث أن يختار أبرزها صدًى وتأثيرًا على أذهان المُطالعين.
- مـــــُــــــراعاة الانضباط اللغوي: جُزء خاتمة البحث العلمي مثل جميع الأجزاء يتطلَّب انضباطًا من الجانب اللغوي، بمعنى مُراعاة خُلوِّها من أي سلبيات إملائية أو نحوية، وليكُن ختامُها مسكًا.
- مُـــــــراعاة الاختصار والإيجاز: جُزء الخاتمة ينبغي له أن يُكتب بشكل مُختصر مثل المُقدِّمة، وذلك مُقارنةً بباقي الأقسام، وفي ذلك يجب الابتعاد عن الحشو والتكرار، بما يُحَقِّق القيمة الوظيفية التي وُضعت من أجلها الخاتمة، ومن خلال النظرة الشاملة.
كيف يُمكن كتابة خاتمة بحث علمي؟
يُمكن أن نُقسِّم بنود خاتمة بحث علمي إلى ثلاثة عناصر:
- جُــــــــمل البدء: وتلك الجُملة يستهلُّ بها الباحث خاتمته، ويُمكن أن تكون في نهاية البحث العلمي حول.....، أو وبنهاية بحثي فيما يخُصُّ....، أو وفي الخاتمة المُتَعَلِّقة بموضوع.......، أو وأخيرًا وبعد تفصيل الدراسة.........
- مُحتوى الخاتمة: ويتضمَّن ذلك العُنصر الصُّعوبات التي أحاطت بالدراسة، ومدى مُثابرة الباحث في تجاوزها، مع توضيح مُختصر للاستنتاجات والتوصيات بشكل عام، ويُمكن أن يُحفِّز الباحث غيره على تناوُل موضوعات في المجال نفسه.
- جُـــــــمل الختام: ويُفضَّل أن يكون ذلك العُنصر ذا طابع ديني، بمعنى استخدام الحمد والثَّناء على الله ورسوله، أو آية من القرآن الكريم، أو حديث يُساير نفس مضمون البحث.
مثال (1) خاتمة بحث علمي:
وصلنا إلى نهاية البحث العلمي المُتَعَلِّق بواقع تطبيق معايير الجودة الشاملة في شركات الهواتف الجوَّالة بالمملكة المغربية، وهو ما فضَّلنا اختياره من موضوعات؛ لما لذلك من أهمية كبيرة في الفترة الرَّاهنة، التي أصبح فيها الهاتف الجوَّال عُنصرًا محوريًّا لدى الجميع.
حاولنا قدر المُستطاع تحليل وتفصيل مدى تطبيق تلك المعايير في الشركات المسؤولة عن إطلاق خدمات الجوَّال، ولنكُن مُنصفين فإن هناك بعض المعايير المُطبَّقة على أرض الواقع، وهناك أخرى لا يمنحها المسؤولون الاهتمام، ونحن ننشُد الكمال في ذلك؛ من أجل مُسايرة الشركات العالمية، وتحقيق المُنافسة المطلوبة، والتفوُّق في مراحل تالية، وفي ضوء ذلك وضعتُ توصيات؛ ومن أبرزها الاستعانة بخُبراء أجانب بإدارات الجودة الشاملة، بما يُساهم في تطبيق النُّظُم المنهجية للجودة الشاملة وبالمعايير المطلوبة.
هناك كثير من الجوانب التي يُمكن أن يُفصِّلها الباحثون والباحثات فيما يتعلَّق بتطبيق معايير الجودة الشاملة في أبحاثهم العلمية، ولم نتناول إلا القدر اليسير، وربما يكون هناك قصور في بحثي، ونحن بشرٌ في النهاية، وأدعو الله أن يُوفِّق باحثينا في جميع ما يُقدِّمونه من معارفَ تُساهم في تخطِّي السلبيات التي نُعاني منها، وصلِّ اللهُمَّ على سيِّدنا مُحمَّدٍ، وعلى آله وصحبه وسلِّم.
مثال (2) خاتمة بحث علمي:
وفي الختام، وبعد نهاية عرضنا لمشكلة البطالة في جمهورية مصر العربية، وهي إشكالية جديرة بالدراسة، وذلك على الرغم من تصدِّي كثيرين لها بشكل مُسبق، إلا أنه، ومع احترامنا للجميع لم تُعالج بالشكل المنهجي المُناسب من وجهة نظري المُتواضعة.
حاولنا تفصيل الأسباب في نشوء تلك الإشكالية كبداية للوصول لاستنتاجات أشارت إلى تفاقُم البطالة عن ذي قبل، وبلوغها منحنًى صعبًا، ومِنْ ثَمَّ تمَّ وضع توصيات تُعبِّر عن وجهة النظر الخاصَّة، وفي مُقدِّمتها الاهتمام بالأنشطة التجارية المتوسطة والصغيرة، وتوفير الدُّعوم المادية المُناسبة لذلك، بالإضافة إلى أهمية تضافُر جُهود جميع مفاصل المُجتمع في إيصال رسالة مهمة، وهي أن العمل على اختلاف أنماطه هو سبيل الإنسان نحو التَّقدُّم والرُّقيِّ، بما سيكون له أثر بالغ في حلِّ المشكلة.
إن ركب البحث العلمي يسير دون توقُّف في بلدنا الغالي، وعلينا أن نقوم بواجبنا جميعًا وبكل الجِدِّ والإخلاص، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكَّلت وإليه أُنيب.
مثال (3) خاتمة بحث علمي:
وبنهاية رسالة الماجستير المُتَعَلِّقة بمدى فاعلية برنامج استرشادي لتنمية مهارات المُعلِّمات في مرحلة الرَّوضة فقد كان ذلك محورًا للاهتمام منذ بداية الدراسات التحضيرية للرسالة، ولا نُخفي عن قُرَّائنا الكرام مدى المشقَّة والجُهد، والذي تمَّ بذلُهُ في سبيل تفصيل الرسالة، التي نرجو أن تنال استحسانكم جميًعا.
راعينا أن تكون فكرة البرنامج بسيطة، مع التدقيق في نتائج التطبيق، التي جاءت مُبشِّرةً في سبيل تأهيل المُعلِّمات للتَّعامُل مع الأطفال بتلك المرحلة العُمرية المُبكِّرة، التي تحتاج لفكر خاصٍّ، بالتَّواكُب مع المُتَغَيِّرات المنهجية في مُختلف دول العالم، وفيما يتعلَّق بذلك.
وأرجو من الله أن يُثيبني على رسالتي، وأتمنَّى أن يتم تعميمُها على مدارس الرَّوضة في دولتنا، مع الاهتمام بتلك النوعية من الدراسات التطبيقية في مجال علم النفس من جانب الباحثين الجُدُد، وتناول رسائل ذات صلة بذلك، وبتلك الآية الكريمة أُنهي الرسالة، بسم الله الرحمن الرحيم: "وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ۚ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا". صدق الله العظيم [النساء:113].
مثال (4) خاتمة بحث علمي:
وختامًا لدراستنا حول التربية الأخلاقية في ظلِّ الشريعة الإسلامية، التي رأيتُ أنها كانت مطلبًا مهمًّا في تلك الفترة؛ نظرًا لما نراه من سلبيات أخلاقية شتَّى، وشريعتنا الغرَّاء يُمكن أن تكون الملاذ المُناسب في سبيل استعادة كثيرٍ من القيم الأخلاقية التي افتقدناها.
لم يكُن الأمر باليسير في استشفاف وتصنيف سلبيات مُتَعَدِّدة تشوب النَّشءَ، ولكل سلبية ما يُعالجها في ضوء الكتاب والسُّنَّة النبوية، وراعيتُ الاستشهاد بصِحاحِ الأحاديث، والابتعاد عن الضَّعيف منها، وفي ظلِّ ذلك تمَّ تدوين عديدٍ من التَّوصيَّات المُجدية بمشيئة الله؛ أملًا في استخدامها من جانب المسؤولين ووُلاة الأمر، مع أهمية تبنِّي مثل هذه القضايا التربوية المهمَّة في الرسائل العلمية؛ فمن دون الأخلاق لن تستقيم الأمور.
هذا، وإن أخطأتُ في بعض الجُزئيات فما زلتُ أتعلَّم، والقصور من طبيعة البشر، بسم الله الرحمن الرحيم: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ". صدق الله العظيم [النحل:90].
مثال (5) خاتمة بحث علمي:
وبعد انتهاء الفصول البحثية المُتَعَلِّقة بتاريخ دولة الأندلس، الذي امتدَّ 781 عامًا خلال الفترة من 711م، حتى 1492م، وبما حمله ذلك من ازدهار وتوسُّعات، وكذا إخفاقات، وهو ما أردتُ من خلاله إجلاءَ كثيرٍ من الغموض في بعض القضايا، وهو ما لم تتطرَّق إليه كُتُب التاريخ بشرح مُوَسَّع، ولقد كان ذلك مطلبًا هامًّا في سبيل التميُّز عن الدراسات السابقة.
كان هدفي الأساسي من هذه الرسالة تعريف القُرَّاء بتاريخهم الإسلامي المُشَرِّف، مع أخذ العِبَر والعظات للمُحافظة على القِمَم، وعدم الخوض في صراعات داخلية لما في ذلك من تأثير سلبي سينال من الجميع.
وأرجو أن أكون قد وُفِّقتُ في العرض، مع اعتذاري في حالة وُجود أخطاء؛ وأتمنَّى أن يسير الباحثون التاريخيون على النَّهج نفسه؛ فالتاريخ الإسلامي ثريٌّ بالنماذج التي تستحقُّ منَّا الدراسة، ولا يسعُني إلا أن أختم تدويني بآيةٍ من الذِّكر الحكيم: بسم الله الرحمن الرحيم: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ". صدق الله العظيم. [آل عمران:103].
وفي النهاية، نكون قد قدَّمنا لمُطالعي موقعنا نماذج خاتمة بحث علمي في تخَصُّصات مُختلفة؛ كي يسيروا على نهجها، بما يُحَقِّق الغاية، مع إمكانية التَّوسُّع وزيادة الفقرات في الخاتمة، وبما يتواءَم مع طبيعة الأبحاث أو الرسائل العلمية.