لو سُئلت: ما هو أشهر كتاب عربي؟ لقلت: إنه القاموس للفيروز آبادي، فقد بلغ من شهرته أن سُمّي كل معجم قاموسًا، مع أن القاموس اسم لهذا الكتاب وحده، وإلى جانب القاموس في كل خزانة كتاب شرح القاموس، الكتاب الجليل الذي يزيد في إحاطته وشموله، على المعجم العظيم لسان العرب.
وحديثنا اليوم عن الزَّبيدي شارح القاموس، عن الرجل الذي كان طرازًا نادرًا في العلماء، والذي كان نموذجًا للشيخ الذي بلغ من قدره أنه كان أشهر علماء في زمانه، ونال من الحظوة عند العامة والخاصة، وعند الملوك والأمراء ما لم ينله إلا الأقل من العلماء، والذي كان مشاركًا في كل علم، ملمًا بكل فن، إمامًا في اللغة وفي الحديث، وفي التاريخ، وكان أديبًا شاعرًا، وكان مع ذلك وقورًا مهيبًا، بشوشًا بسامًا، وكان مع هيبته ووقاره خفيف الروح، عذب النكتة، مستحضرًا للنوادر العجيبة، متحدثًا قليل النظر.
نسب الزَّبيدي ومولده ونشأته
هو محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني الزبيدي، أبو الفيض، الملقب بمرتضى: علامة باللغة والحديث والرجال والأنساب، ومن كبار المصنفين، ولد في بلجرام بالهند سنة 1145هـ= 1732م، ونشأ بها، وقيل: منشأه في زبيد باليمن.
رحلة الزَّبيدي في طلب العلم
رحل الزَّبيدي في طلب العلم كما كان يرحل العلماء في ذلك الزمان، وبدأ رحلته إلى الحجاز، وحج مرارًا، كما رحل إلى مصر، وفيها لمع نجمه واشتهر فضله ونال منزلة كبيرة، وأقبل الناس عليه وتسابقوا إلى سماع درسه وحضور مجلسه، وأهدوا اليه الهدايا الفاخرة، وجعل ينقل درسه من مسجد إلى مسجد، ومن حي إلى حي، وكان حيثما حل احتشد له الناس وازدحم عليه طلبة العلم والعلماء، وتسابق إلى إكرامه ودعوته الأمراء والكبراء، ولـما زادت شهرته كاتبه ملوك الحجاز والهند واليمن والشام والعراق والمغرب الأقصى والترك والسودان والجزائر، وكثر عليه الوفود والهدايا.
مصنفات الزَّبيدي
لم يمنع الزَّبيدي ما نال من دنيا عريضة من الاشتغال بالعلم، والعكوف على التصنيف، والولع بإقراء الطلبة، وإحياء العلوم التي اندثرت كعلم الأنساب والأسانيد وتخريج الحديث، وقد ألّف كتبًا جليلة تُعد أكثر من خمسين مصنفًا منها: تاج العروس في شرح القاموس، و إتحاف السادة المتقين في شرح إحياء العلوم، وأسانيد الكتب الستة، وعقود الجواهر المنيفة في أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة، و كشف اللثام عن آداب الإيمان والإسلام، و رفع الشكوى وترويح القلوب في ذكر ملوك بني أيوب، وألفية السند في الحديث وشرحها، وإيضاح المدارك بالإفصاح عن العواتك، وعقد الجمان في بيان شعب الإيمان، وتحقيق الوسائل لمعرفة المكاتبات والرسائل، وجذوة الاقتباس في نسب بني العباس، و حكمة الإشراق إلى كتاب الآفاق، وغير ذلك من الكتب والمصنفات، وكان مع هذا الجاه وهذا العلم يحسن التركية والفارسية وبعضًا من لسن الكرج.
وفاة الزَّبيدي
وقع للزَّبيدي حادث قلب حياته قلبًا، وحوله إلى عزلة وانطواء على نفسه، ذلك هو وفاة زوجته، حيث قد روعه موتها فأغلق عليه بابه، واحتجب على الناس، وأبى أن يدخل عليه أحدًا أو أن يقرأ درسًا، ثم مات بالطاعون في سنة 1205هـ=1790م[1].
[1] الزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر، 2002م، 7/ 70، والشيخ علي الطنطاوي: رجال من التاريخ، دار البشير، مصر، الطبعة الأولى، 1418هـ= 1998م، 1/ 151- 158.
قصة الإسلام