من أهمّ شُروطِ تعليمِ اللغةِ، بعدَ قراءة النصوص وسَماعها وحفظها في سياق تَداولي خارجي، شرطٌ استهان به النّاسُ وانتقَدوه ونَفَوْا أن تَكونَ له يَدٌ في تعلُّم اللغة، بل عَدّوه شرطاً قَسرياً وهو :
مَعرفَةُ اللغةِ بوساطَةِ قواعدِها الكلّيّةِ التي تُنتِجُ ما لا حصرَ لَه من جُملِ اللّغة، لأنّ معرفةَ القَواعدِ وإن لم تُعطِ تعلُّماً أمثَلَ للغةِ فإنّها تُساعدُ على تجنُّب الأغلاط اللغويّة وعلى تطويرِ مستوى التّعبيرِ. ومن المعلومِ أنّ تلكَ الأغلاطَ ناتجةٌ، عن القياسِ الخاطئ، قياسِ بنياتِ اللغةِ الثّانيةِ المَجهولةِ على بنياتِ اللغةِ الأصليّةِ أو اللهجَة العامية المَعْلومةِ. فمن المَعلوم أنّ كثيرا من أطفال العالَم العربي - خاصة في الدول المَغاربيّةِ - يتعلَّمون العربيةَ وكأنّها لغتهم الثانية، وليسَ ذلكَ لأنَّ لهم لغةً أماً وُجدَت عبر التاريخ القَديم، يَركنون إليْها ويَلوذون بها، كَما تَوَهَّمَ كثيرٌ من الناس، ولكنَّ هؤلاء الأطفالَ لا يَملكونَ لغةً محدَّدةً قَطعاً؛ فهم يتنقَّلون بين لهجاتٍ وألفاظٍ عربيةٍ ولغة أجنبيّة، والناشئُ في هذه البلدان يَعيشُ حالةَ خَلطٍ لغويّ أو فَوضى لا نظامَ لها، بسبب نقصِ التدبير وغيابِ السياسة اللغويةِ التي ستُنقذُ المتكلمَ من مَغَبَّةِ الغَرَق في متاهَة الخلط اللغويّ...
التدرُّبُ على اللغةِ وممارستُها مُحادثةً واستعمالاً، شرطٌ في تعلمها، ولكنّ الرجوعَ إلى قَواعدها مَدعاةٌ للحمايَة من الزلل والخطأ، ولكن الناسَ لما أشاعوا أنّ القواعدَ قُيود على النفس ترتَّبَ عن هذا الوهم كثرَةُ الخطأ على ألسنة المتعلمين والباحثين بل المدرِّسين أنفسِهم، وكثُر اللحنُ وفَشا حتّى في كثير من مَجالس العلم وحلقات الدرس ومناقشات الرسائل والأطروحاتِ.