قد يَجتمعُ أكثرُ من أداة من أدواتِ التّصدُّرِ في التَّركيبِ الواحد: وأشدُّ الأدواتِ إيغالاً في التّصدُّرِ همزةُ الاستفهامِ لأنّها أمُّ البابِ في الاستفهامِ ولأنّها تُشربُ الكلامَ الذي وَقَعَت عليْه مَعْناها وتُحوِّلُه إلى فَضاءِ استفهامٍ [حقيقيّ أو إنكاريّ أو تَقريريّ أو مَجازيّ]؛ فالفاء في الآياتِ التاليةِ :
أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ
أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى
أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى
أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ
أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ
مُؤَخَّرَةٌ عَن هَمزةِ الاستفهامِ لأحقّيّة حرفِ الاستفهام بالتَّصدير، للسبب الذي ذكرْنا آنفاً وهو إشرابُ التّركيبِ مَعْنى الاستفهام. والاستفهامُ تقريريٌّ. ثُمَّ يأتي بعدَ الصَّدرِ الاستفهاميّ حرفُ استئنافٍ هو الفاءُ أُخِّرَ عَن الهمزة لأحقّيتها عليْه في التّصدُّرِ
فهمزةُ الاستفهام في الآياتِ أعلاهُ دلَّت عَلى إنكار تَماثُلِ حالَتَيْن: حالة مَن أسلَموا بعد أن كانوا مشركين، وهي مُشبَّهَة بحال مَن كان ميّتاً في ظلمات القبرِ، فصار حيّاً في نورٍ أبلَجَ، وسار في الطّريق الموصّلة، وحالة المشرك وهي مشبّهة بحالة مَن هو في الظلام الدامس لا يَقوى على الخُروج منه
ثُمَّ يأتي تَركيبُ الهمزّة وواو الاستئنافِ:
أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ
أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ
فهو أقلُّ وُروداً من سابقِه
ثمَّ يأتي الاستئنافُ بثُمّ وهو أقلُّ: « أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آَمَنْتُمْ بِهِ »
ولا يَنبغي أن يَلتبسَ التّركيبُ السابقُ المؤلَّفُ من همزة استفهام وحرف استئنافٍ ومَن الموصوليّة ، بتركيب مختلفٍ، مؤلَّف مِن هَمزةِ استفهامٍ وحَرف استئنافٍ ومِن الجارَّة، نحو قوله تَعالى: « أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ »
لأنّ ترتيب الكلام في أصله: اَتعجَبون من هذا الكَلامِ؛ ولكنّ المقامَ اقتضَى تقديمَ الجار والمجرور للعنايَة والاهتمام