صدفة رآها ، شم رائحة عطرها قبل أن تصل إليه وتمر من أمامه ، تعلق نظره بوجهها الجميل وهو يقول سبحان الخالق ، عيناها كعيون المهى حاجبيها كالسيف انفها صغير دقيق شامخ بشرتها بيضاء عكس شعرها الأسود كسواد الليل ، نظرت إليه لحظة قبل أن تكمل سيرها سحرته فتبعها دون تفكير ، لم يستطع أن يبعد نظره عنها للحظة واحدة خوفا من أن تضيع منه بالزحمة في ذاك المركز التجاري المكتظ بالناس وقرر ألا يدعها تذهب دون أن يعرف من هي أو على الأقل يعطيها رقمه ، كان يدخل كل محل تدخله كان يود أن يحمل عنها الأكياس الكثيرة كي لا تتعب كان يريد أن يقترب منها كي يراها عن قرب مرة ثانية فشجعه صديقه قائلا ما بالك تتصرف كالمراهقين الذين يرون فتاة للمرة الأولى هيا تقدم منها والقي السلام عليها ، أسرعت دقات قلبه ورد عليه قائلا لا ، أخاف أن أزعجها أو أربكها أمام صديقاتها قال يا رجل لقد مرت ساعات وأنت خلفها وانا خلفك لقد مللت قال اذهب وانتظرني في المقهى لو أردت وسأتبعك لاحقا وهكذا فعل .

وكان القدر حليفه إذ أراد أن يجمعه بها عندما خرجت من محل للعطور ولم تلاحظ الكيس الصغير الذي انزلق منها على الأرض بعد أن أمسكت مشترياتها ومشت تعدل شيلتها ، أسرع محمد وأمسك به قبل البائعة وخرج وراءها فاقترب منها وهو يقول لقد وقع منك هذا تفضلي نظرت إليه مبتسمة وقالت من الجيد انك تتبعني فقد وفرت علي شراء عطر آخر ارتبك قائلا انا لا اتبعك فانا أيضا ابتاع بعض الأغراض ، نظرت إلى يديه الفارغتين من أي شيء وقالت آه نعم أرى ذلك لكنك أكثرت الشراء ، ضحك وقال آسف إن كنت قد أزعجتك أجابت لا لم تفعل ولا يبدو عليك انك معاكس أجابها أقسم بأنها المرة الأولى التي أفعلها صدقيني لذا كنت أسير خلفك دون أن اعرف ماذا أقول أو كيف أتصرف سامحيني لكنني خفت ألا أعود واراك أردت أن أعطيك رقم هاتفي ، نظرت إليه وقالت الم تفكر بأنني قد أكون امرأة متزوجة ، هزته الفكرة فقال بحزن واضح هل أنت فعلا هكذا ؟

صمتت ونظرت إليه بطرف عينيها الساحرتين وأجابته بعد دقائق شعر إنها ساعات لا ، لست متزوجة تنفس محمد الصعداء وقال كنت متأكد من ذلك ، قالت وكيف تأكدت أجاب لأنني لو كان لي الشرف أن أكون زوجك لما تركتك تخرجين بمفردك أبدا ، ابتسمت بخجل ، احمرت وجنتاها ووضعت عينيها أرضا فطار عقله عندما رآها هكذا ، عندئذ تشجع وقال أاستطيع الحصول على رقم هاتفك ، صمتت فعقب لا تخافي هدفي شريف قالت أعطني رقمك وانا اتصل بك ، قال أرجو ألا تكون طريقة للتخلص مني ، إذا كنت لا تريدين الاتصال فقط قولي لي ولا تدعيني انتظر دون فائدة أجابته إن شاء الله اتصل بك في المساء ، أخذت رقمه ودعته ومشت

شيعها محمد بنظراته وشعر بقلبه يغوص بين أضلعه أهذا هو الحب من النظرة الأولى الذين يتكلمون عنه ، جلس مع صديقه وهو يعد الساعات التي تفصله عن اتصالها كيف أستطيع أن انتظر حتى المساء قال بسره ، سيطرت تلك الفتاة على تفكيره وقلبه ، فكان لا يسمع أية كلمة يقولها صديقه فآثر الذهاب إلى منزله وانتظار اتصالها ،جلس على الكنبة مقابل النافذة يراقب مغيب الشمس بانتظار أن يهل القمر وتتصل به من أسرت فؤاده ،كان ينظر إلى ساعته ويشعر بأن العقارب لا تتحرك فيفتح هاتفه الجوال ليتأكد من الساعة أخذ يذرع الغرفة ذهابا وإيابا وهو يقول يا رب تتصل

ثم تحول الانتظار إلى قلق ثم إلى خوف بعدما تخطت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل عرف بأنها لن تتصل حزن جدا وانتابته حالة من الإحباط وشعر بمس يطال رجولته وثقته بنفسه عندما فكر بأنه لم يعجبها بالرغم من وسامته الشديدة وترتيبه الفائق ثقافته العالية وشخصيته الفذة التي جعلته محط أنظار الكثيرات من الفتيات اللواتي كن يتبعنه ويتحرشن به في الشارع ومقر عمله أما قريباته فحدث ولا حرج كن يزرن والدته باستمرار لينلن رضاها وإعجابها ولعلهن يحظين بنظرة منه أما والدته فكانت تعلم بأنه يرفض أن يتزوج بتلك الطريقة التقليدية والمدبرة من الأهل فقد كان يقول لها لن ارتبط إلا بالفتاة التي يدق لها قلبي ، أتعرف بها وأتكلم معها أناقشها أعرف كيف ستربي أولادي لقد أصبحنا في القرن الواحد والعشرون يا أمي ، هكذا كان محمد يفكر لكنه شعر بأن المرة الأولى التي تبع بها قلبه فشلت لماذا لم تتصل كان يكفي أن تقول له لن أفعل لكنها أعطته أمل عندما أخذت الرقم لا بل قالت له اتصل في المساء ، أنهكه التفكير والقلق فنام والهاتف بيده ليستيقظ عند السادسة صباحا فاستحم وارتدى ملابسه وذهب إلى عمله عله يلهيه عن التفكير بها ، مر أسبوع على انتظاره تلك المكالمة وعندما بدأ يفقد الأمل وعاد يخرج ليرى أصدقائه رن هاتفه أجاب نعم فسمع صوتا لم يسمع مثله بحياته شعر بالقشعريرة تسري بجسده

قالت آسفة لأنني تأخرت بالاتصال لكنني كنت أفكر ومترددة لكنني قررت المحاولة فهذه المرة الأولى التي آخذ رقم من أحدهم فأنا لا أحب هذا الأسلوب لكنني شعرت بأنك مختلف عن الباقين ، لم يرد عليها هل أنت مشغول سألته ، أجاب لا لكنني لا أزال تحت تأثير الصدمة فلقد كنت قد قطعت الأمل باتصالك ثم سمعت صوتك يرن بأذني كالموسيقى ويتغلغل في أعماقي صمتت فقال آلو أنت معي ؟ قالت أرجوك لا تبالغ فانا لا أحب المبالغة قال صدقيني انا أتكلم من قلبي لا تتصوري كيف كان حالي عندما لم تتصلي ، فأنا أشعر بأنني أعرفك منذ الأزل وبانتظارك منذ طفولتي ، ضحكت فشعر بأن الدنيا كلها تضحك له تكلما طويلا وكثيرا كل يوم وكل ساعة ولحظة ، كان ينتظر اتصالها بفارغ الصبر عرف عنه تقريبا ا كل شيء وهي أيضا ، شعر بأنها نصفه الضائع وأعجب بها بقوة وبالنهاية طلب رؤيتها فامتنعت قال لا قصدي أن أراك عندما اذهب إلى منزلكم لأكلم أهلك ، صمتت وشعر بارتباكها قال ما بك هل قلت شيء أزعجك قالت لا لكن هناك شيء مهم يجب أن تعرفه ولم أخبرك به من قبل قال ما هو ؟ صمتت مجددا وسمعها تبكي جفل وقال لماذا تبكين هل هو شيء خطير ، نعم قالت بصوت خافت ، خاف محمد وقال أرجوك أخبريني لا تقولي انك مخطوبة أو .. لا ، لا أستطيع أن أفكر حتى بالموضوع ، يا الهي هل أنت متزوجة ،؟؟ أجابت لا ! أين ذهبت بتفكيرك أين ثقتك بي وبكلامي قال سامحيني لكنني لم أعد أعرف بماذا أفكر فهذا الشيء هو ما يخيفني والأشياء الأخرى لا تهمني مهما كانت ، قالت سأخبرك فأنت تعرف بأنني فقدت والدي وشقيقتاي وجدي بحادث سيارة منذ عامين لم ينجو أحد منهم قال نعم ، أكملت تقول لكنني لم أخبرك بأنني كنت معهم وكنت الناجية الوحيدة بينهم لكن بتشوهات فظيعة.

صمت وقال لكنني لا أرى أي تشوهات ما شاء الله عليك فأنت جميلة جدا كالوردة سكتت قليلا قبل أن تقول تشوهاتي مخفية يا محمد فهي بجسمي الذي أحترق لكنه مخفي تحت ملابسي قال كل شيء وله علاج أجابت إلا الحروق فقد أجريت لي أكثر من سبعة جراحات تجميلية وما حصلت عليه من تحسن لم يتعدى العشرون في المائة ، صمت وقال حسنا لا بأس فانا أحببتك لشخصك والشكل لا يهم ، أجابت نتكلم بهذا بعدما اريك يدي وعنقي فهم مثل الأماكن الباقية ، قال إذا كان هذا ما تريدين فلا بأس لكنني لن أبدل رأيي ، اتفقا على اللقاء.

في الغد على الغداء وجلس محمد يفكر فتذكر بأنها فعلا كانت ترتدي القفازات في يديها وقميص مغلق ذو ياقة عالية ، لكنه لم يشأ أن يصدق وفكر قائلا هل تمتحن حبي لها أم هي فعلا هكذا ، على كل حال يا خبر بفلوس .. التقيا كما اتفقا في أحد المطاعم حيث جلسا في إحدى الغرف المخصصة للعائلات ، لم يشبع محمد من النظر إلى وجهها الجميل وقال أخيرا رأيتك انا لا أصدق انك أمامي قالت أرجوك قبل أن تبدأ بالكلام دعني أفعل ما جئت من أجله ، نظرت إليه وهي تسحب قفازيها من يديها ومدتهما أمامه ، صدم بما رأى حاول إخفاء صدمته فأمسكت بالشال ونزعته عن عنقها فبدت كعجوز بجلدها وقالت الباقي أقبح ، وضع يديه على وجهه وكأنه يخفي عينيه فتدحرجت دمعة على خدها ثم أعادت كل شيء كما كان

ووقفت تنظر إليه ثم خرجت بهدوء لكن بغصة لم تدعه يراها ، ظل محمد جالسا بمكانه لنصف ساعة تقريبا قبل أن يعود إلى الواقع المرير الذي صدمه ليجدها قد اختفت ، لام نفسه وحزن على نهاية قصة حبه القصيرة لكنه عاد إلى منزله ونام ، وكأن شيئا لم يكن ، دون أن يتساءل عما حل بها بعد ذهابها ، تلك المسكينة التي لامت نفسها لأنها تجرأت وفكرت بأن هناك من سيتقبل شكلها بأن هناك من سيحبها على أخلاقها وسيتغاضى عن تشوهاتها أقفلت هاتفها النقال وارتمت على سريرها تبكي بحرقة أهلها الذين ماتوا تنادي والدتها التي اشتاقت إليها تتمنى لو كانت بقربها لتبكي على صدرها وتطبطب عليها ، تبكي وحدتها وانفرادها في المنزل الفارغ مستقبلها المجهول حبها الفاشل كرهت شكلها والناس كرهت كل شيء في الدنيا تمنت الموت وطلبته مرارا فهي ميتة حية طفلة كبيرة أنهكها البكاء فاستسلمت للرقاد الذي لم يرحمها أيضا فكانت الكوابيس تلاحقها ، استيقظت عند آذان الفجر قامت من سريرها توضأت وركعت تصلي ...