لم تدرك في ذلك اليوم أن ما يحدث لها جريمة، كانت تلك طبيعة الأمور في مجتمعها الصغير المغلق، هي أنثى ولدت كذلك، عار مستقبلي متوقع بمجرد ولادتها، وسلعة يرجى منها الربح، ولكنها لم تدرك ذلك، فالسائد هو الطبيعي ولو كان خطأ، والصحيح شاذ مستهجن إن لم يكن هو السائد، وأن تزف إلى رجل يفوق جد والدتها سناً لم يكن مستهجناً وإن كان هناك شيء في داخلها يشعر باشمئزاز.

62 عاماً هو عدد السنوات التي تفصل بين مولديهما، ومع ذلك كان زوجها، عريساً جمع الخريف بأوراقه الصفراء المتهالكة موتاً مع زهرة مازالت تتثاءب وقد شقت للتو جدار برعمها، كانت تلمح في عيني والدتها غصة وترى المدعوات يتهامسن ولكن لا أحد تحدث إليها عما ينتظرها بعد أن تهدأ الدفوف وتسكن القامات الراقصة، لم يقل لها أحد إن تلك اليدين المتعرقتين.

حيث رسم الزمان ما شاء من سنواته عليهما أخاديد سيكرهان جلدها الغض لأنه يذكرهما بأنهما كتاب آن له أن يغلق، ولم يقل لها أحد إن نضرة شبابها ستشتعل ناراً في جوف ذلك العجوز ليظن أن كل شاب يراه ماراً من حارته هو لص جاء ليسرق منه الزهرة التي اشتراها بماله. كل ابتسامة يراها على شفتيها وكل نظرة من عينيها تغيب خلف فكرة أو خيال كانت تشعل نار غيرته، فقد كان أكثر الناس إدراكاً بأنه امتلك ما لا يستحق.

عذاب

شهور من العذاب عاشتها في منزله، فقد كان الحل الوحيد لإطفاء نار النقص التي تشتعل في جوفه أمام نضرتها هو إذلالها قدر ما استطاع، فكان يضربها بكل ما تصل إليه يده، وهي مستكينة لا تعلم أنها بشبابها تستطيع أن تدفعه على الأرض فلا يستطيع الوقوف بعدها.

ولكنها لم تحاول لأنها اعتادت أن ترى نساء عائلتها يضربن فيتقوقعن على أجسادهن لتلقي الضربات دون صوت، ولم يتوقف الأمر عند الضرب فقد ابتدع أصنافاً من الإهانة لا تخطر على قلب بشر، إلى أن فاض بها الأمر فحزمت أمتعتها وخرجت من منزله.

عندما عاد إلى البيت ولم يجدها لم يخطر بباله إلا احتمال واحد وهو أن تكون هربت مع شاب من عمرها، فلم يكلف نفسه عناء البحث عنها أو سؤال أي شخص إن كان رآها، بل توجه مباشرة إلى الشرطة ليبلغ عن غيابها متهماً إياها بما في عقله من ظنون، ولكن المفاجأة أنها لم تذهب مع أحد بل عادت إلى بيت عائلتها التي ما إن علمت بما ظنه بابنتهم حتى وافقوها على طلب الطلاق، وساندوها بذلك فكان لهم ما أرادوا.

طلاق وزواج

نطق القاضي بحكم الطلاق فكانت وكأنها سمعت صوت تكسر القيود التي كبلت شبابها، وما هي إلا أيام حتى أخبرها والدها أنها سترافقه ووالدتها إلى إحدى الدول المجاورة، وهناك اكتشفت أنه أعد لها قفصاً جديداً وإن كان العريس هذه المرة أصغر بخمس سنوات من الأول.

فقد كان يبلغ الخامسة والسبعين فقط بينما كان الأول قد تجاوز الثمانين، وبالفعل تم عقد قرانه عليها قبل أن يمر 45 يوماً على طلاقها من الأول، أي خلال فترة العدة، فلم يكن والدها الذي لم يعرف أي قدر من التعليم على علم بوجوب مرور فترة بين زواج وآخر للتأكد من خلو رحم المرأة من الحمل.

لم تكن أيامها مع زوجها الثاني أفضل من أيامها مع الأول، فقد تكرر نفس سيناريو الغيرة والشك، وما اتبعه من إهانة وإذلال فكان أن عادت إلى بيت والدها مرة أخرى، ولكن هذه المرة لم تعد لوحدها، بل مع جنين يسكن في أحشائها ويوشك أن يخرج للحياة.

ولما رفض زوجها تطليقها لجأت إلى المحكمة لتفاجأ أن هناك مشكلة في نسب طفلها، فقد يكون أي من طليقيها والد جنينها لعدم وجود فترة بين الزواجين، وبالتالي وجدت نفسها متهمة بالزواج قبل نهاية فترة العدة بالاضافة إلى مشكلة نسب طفلها ومن ثم حضانته.

حكم

المحكمة وبعد أن استمعت إلى تفاصيل القصة، وكيف بيعت هذه السيدة الصغيرة مرتين لمن يتجاوز جدها سناً، وقبل ذلك كيف حرمت من التعليم حتى لا تعرف حقوقها، قررت أن تنتصر لها فكان أن حكمت لها بالطلاق من زوجها الثاني مع إعطائها كامل حقوقها والحكم بنسب ابنها إلى الزوج الثاني، وأن تكون هي حاضنة ولدها، مع الحكم على والدها بالحبس ثلاثة أشهر لقيامه بتزويج ابنته قبل أن تنهي فترة العدة.


فوستا.....قصه حقيقيه