لم يبق قيصر فى أسبانيا سوى عام واحد وعندما عاد إلى روما وجد الحكومة فى حالة أنهيار. فأنضم إلى كراسوس و بومبييس لتشكيل الحكومة الثلاثية. وفى عام 59 قبل الميلاد أنتخب قيصر لأعلى مناصب وهو منصب القنصل، وكان يعين كل سنة قنصلان لمدة عام واحد، وزميل قيصر كان رجلاً أبله يمضى أكثر ؤقته باحثاً عن الطوالع فى السماء. وفى ختام عام قيصر كقنصل عين حاكماً على شمالى إيطاليا و جنوبى فرنسا
" بلاد الغال ".
عندما وصل قصر إلى بلاد الغال، ما كان يدور فى أذهان الكثيرين أن هذا السياسى المتوسط العمر سوف يبرهن عن إنه واحد من أعظم الجنود المحاربين فى العصور كلها. ومع ذلك فقد حقق فى غضون الأعوام الثمانية التالية نجاحاً ضخماً، فقد هزم قبائل " السلت " المستقرة فى بلاد الغال. و أدمج البلاد فى الدولة الرومانية. ثم ألتفت إلى القبائل المغيرة الوافدة من ألمانيا فردها إلى أعقابها. وعندما تمادت فى غزواتها، عبر نهر الراين ولقنها درساً قاسياً. و أضطلع بعد ذلك بمغامرة مثيرة، وهى غزو بريطانيا.
و من الخصائص المهمة فى جيش قيصر قدرته على أداء كل عمل. فقد أنشأ جسراً عبر نهر الراين فى عشرة أيام، و عندما حتمت الضرورة وجود أسطول بحرى أبتنى أسطولاً و أحرز النصر فى معركة بحرية، ولم يكن قيصر فى فتحه بلاد الغال على القوة العسكرية وحدها، بل أستعان كذلك ببراعته السياسية، إذ حرض بعض القبائل على بعضها الأخر فلم يضطر بذلك إلى محاربة أهل الغال كلهم فى وقت واحد.
بعد أنتصاراته العظيمة قرر قيصر العودة إلى روما. و على الرغم من أن إنجازاته قد أثارت فرحاً شديداً، فإن مجلس الشيوخ أخافته قوة قيصر المتزايدة وغدا يرتاب به. وما لبث المجلس أن ضم قواه إلى جانب حليف قيصر القديم وهو بومبيدس، لأنتزاع السلطة من قيصر. ثم فرضوا قيوداً صارمة عليه و أمروه بالعودة إلى روما وحده بغير سلاح، ومجرداً من وظائفه كافة، وعبثاً حاول قيصر مفاوضتهم.
حينئذ أتضح لقيصر أنهم يريدون تنحيه و إزاحته، فحزم أمره و سار على رأس الفيلق الثالث و العشرين، وعبر نهر " روبيكن " و إيطاليا. بذلك شق عصا الطاعة على مجلس الشيوخ و بدأت الحرب الاهلية، وفى إيطاليا نفسها تقاطر جنوده القدماء يحتشدون وراءه.
ولما رأى بومبيوس أن لا قبل له على قهر قيصر فى إيطاليا، سارع بالفرار إلى بلاد الإغريق و على الأثر طارده قيصر إلى بلاد الإغريق و أضطره فى النهاية إلى الدخول فى معركة وهزمه فى فرسالوس.
هرب بومبيوس بعد المعركة إلى مصر، ولكن ملكها بطليموس عمل على أغتياله، وشد ما كان أرتياع قيصر و تقززه عندما وصل إلى مصر بعد أسابيع قليلة، فأهدوه رأس بومبيوس محنطاً. وما لبث قيصر أن شغل بشؤون مصر.
بالرغم من أن الدواعى الملحة كانت تقضى وجوده فى غيرها. وخلال ذلك أنزل بطليموس عن العرش و نصب أخته كيلوبترا ملكة. وقد نشأت علاقة عاطفية بين الجندى و الملكة الحسناء جعلته يطيل مدة بقائه فى مصر.
بعد مغادرته مصر قام قيصر بحملة خاطفة فى آسيا الصغرى، وفى وصف هذه الحملة بعث برسالته المشهورة التى صارت مثلاً: جئت ورأيت و أنتصرت.
عاد قيصر إلى روما، بعدما غدا سيد العالم المتحضر بغير منازع. ثم عين حاكماً مطلقاً أو دكتاتوراً مدى الحياة. وكانت تنتظره مشكلات هائلة. وكان عندئذ ما يزال بصحة جيدة، و ان كانت نوبات الصراع الذى أصيب به قد عاودت بصورة أكثر إلحاحاً. و فى تلك الأعوام الاخيرة وضع قيصر خططاً لإعادة تنظيم حكومة روما و الولايات التابعة لها، كما عمل على إصلاح التقويم.
على الرغم من ان كثيرين من أعداء قيصر قتلوا فى الحرب الأهلية، فقد بقى فى روما كثيرون يكرهونه و يرون أنه يعمل على إلغاء الجمهورية و المناداة بنفسه ملكاً. و استبد الأنزعاج باعدائه إلى حد إنهم تأمروا فى ما بينهم على قتله. وفى الخامس عشر من شهر آذار عام 44 قبل الميلاد أنتقل قيصر إلى مجلس الشيوخ، وبعد إشارة متفق عليها أحاط به المتأمرون و أغمدوا خناجرهم فى جسده.