تعالج كتب الإملاء معظم مشكلات الكتابة ورسمها؛ ولكنها لا تفرد مدخلًا للحركات، وكذلك المجامع اللغوية اهتمت بقضية الهمزة في الغالب، وأما الحركات ورسمها على آخر اللفظ فلم يجد في حدّ علمي عناية مؤلفي كتب الإملاء ولا مناقشات المجامع، وأرى الاهتمام بهذه المسألة اليوم من أهم ما يجب أن يعتنى به، واللغة العربية صارت قبلة العالم، ويقدم على تعلمها أفئدة من الناس من الناطقين بغيرها؛ ولذلك وجب السعي نحو توحيد رسم الحركات والكفّ عن استعمال الطرائق المختلفة.
1-رسم تنوين المنصوب:
لتنوين رسم المنصوب طريقتان مشهورتان إحداهما رسمه على الحرف متلوًّا بألف: أكرمتُ زيدًا، والأخرى رسمه على الألف نفسها: أكرمتُ زيداً، والراجح عندي كتبها حسب الطريقة الأولى لأسباب من أهمها أنّ فيها اطرادًا لرسم الحركات مقترنة بالحروف، ولأنها طريقة إمام العربية الخليل بن أحمد التي هي موافقة لنقط أبي الأسود الدؤلي، ولدفع توهم تحرك الألف، ولتجنب وضع الحركة على غير الحرف المتحرك. وكذلك نجد الرسم على الألف اليائية (الألف المقصورة حسب عرف الإملائيين) رسم بطريقتين إحداهما رسم الفتحتين على الحرف قبل الألف: هدًى، والأخرى رسمهما على الألف: هدىً؛ والصواب عندي الطريقة الأولى؛ لأن هذه الألف ليست في الصحيح ما يخلف التنوين عند الوقف؛ إذ الألف تلازم رسم الاسم عند تعريفه: الهدى، بخلاف الألف في (سلامًا) فهي تزول مع التعريف: السلام.
ومن الخلط في رسم الفتحتين أن من الكتاب من يظن الفتحتين معًا رمزًا للتنوين؛ ولذلك يرسم على الحرف قبلهما الفتحة: أكرمتُ زيدَاً.
2-رسم السكون على السواكن المتطرفة:
تنتهي بعض الألفاظ بساكن، ولكن هذا الساكن له من حيث النطق في السياق ثلاث أحوال، الحال الأولى السكون على الأصل كما في: قدْ ذَهب زيد. ولكنْ ما العمل في الحال الثانية؟ أي حين يلي الدال من (قد) حرف ساكن يوجب إقحام كسرة بينها وبين الحرف الساكن، نحو: قد انْطلق زيد، أنرسمها بالسكون غير ملتفتين إلى تحركها في اللفظ: قدْ انْطلق زيد، أم نرسم الكسرة رعاية للفظ: قدِ انْطلق زيد. الراجع عندي رسمها بالكسرة إرشادًا للقارئ إلى القراءة الصحيحة حتى لا يتوقف في غير موضع وقف. وما العمل في الحال الثالثة؟ أي حين يلي الدال حرف تدغم فيه، مثل: قد درس زيد، قد طابت حالك، قد تاب الله عليه، أنرسم السكون حسب الأصل: قدْ درس زيد، قدْ طابت حالك، قدْ تاب الله عليه، أم نغفله ونرسم الشدّة على الحرف المدغم فيه: قد دَّرس زيد، قد طّابت حالك، قد تّاب الله عليه.
3-رسم السكون على المدود:
العلل الطويلة في العربية ثلاث: الألف والواو والياء، وأما الألف فلا تكون إلا مدًّا أي فتحة طويلة، ولذلك لا ترد إلا في وسط الكلمة أو آخرها، وأما الواو والياء فلهما ثلاثة أحوال فقد تكونان متحركتين: وَلد، يَمن، جداوِل، معايِش، وهنا يجب تحريكهما كالصحيح، وقد تكونان مسبوقتين بفتحة: صَوْم، قَيْد، وهنا يجب رسم السكون فوقها. وقد تكونان مَدَّيْن كالألف، وهنا يقع الاضطراب؛ إذ نجد من يهملهما فلا يرسم عليهما سكونًا كما لا يرسم على الألف السكون، ونجد من يرسم عليهما السكون لأنهما في الثقافة التراثية حرفين ساكنين كالألف، وهذا وهم من القدماء، فالمدود كلها حركات طويلة؛ ولذلك يجب أن تكون عاطلة من أي شكل.
4-رسم حركة قبل المدّ:
تخيّل القدماء أن كلّ مدّ مسبوق بحركة مناظرة له؛ فقبل الألف فتحة (قَال)، وقبل الواو ضمة (يقُول)، وقبل الياء كسرة (قِيل)؛ ولذلك قال الكوفيون إن الأسماء الستة معربة من جهتين، ذهب أبُو زيد، فأبو مرفوع بالضمة وبالواو التي بعدها. والصواب أن المدود حركات طويلة، فمن الخطأ أن نرسم قبلها الحركات.
5-رسم حركة همزة الوصل:
تبدأ بعض الألفاظ بحرف ساكن واقتضى هذا أن تدخل للتوصل إلى نطقه همزة متحركة بكسرة في الغالب، وعلى الرغم من أنّ اللفظ في وسط الكلام لا يفتقر إليها التزم الإملاء برسم اللفظ كما يظهر عند البدء به غير مسبوق بشيء: اِنْطلق زيدٌ/ زيدٌ انْطلق. فالهمزة مسموعة مكتوبة في الجملة الأولى، ولكنها غير مسموعة وهي مكتوبة عرفًا. والسؤال الآن هل يجوز أن نبقي على كسرة الهمزة مع أن الهمزة لا لفظ لها؟ أي أنكتب الجملة: زيدٌ اِنْطلق أم علينا إهمال الكسرة: زيدٌ انْطلق. الصواب عندي إهمال الكسرة حتى لا يتوهم القارئ أنْ ثمة همزة عليه التلفظ بها.
هذه جملة من مشكلات رسم الحركة طرحتها لعل الباحثين والعلماء يناقشونها ويصلون إلى قول فصل فيها لتكون طريقة متبعة نأخذ أنفسنا بها من غير تحيّز لطريقة تحيزًا مبعثه الإلف والعادة والتعصب من غير إدراك للصالح العام.