ما ان يجتمع الجهل والاستهتار بكل القيم والمبادئ والقانون والأعراف والتعاليم حتى يتحول المجتمع الى غابة يأكل القوي فيها الضعيف، ويضيع فيها الخير مقابل الشر، وتعلو قيم " كلمن اله" و " الك يالقوي"، وبالتالي يستحيل العيش في هكذا مجتمع حتى لمن هم سبب بهذا الجهل والاستهتار لانه سيولد من هم اكثر جهلا واستهتارا منهم، وهنا لا يمكن تغيير واقع الحال الا من خلال المجتمع نفسه، وبتنشئة اجتماعية لافراده يؤمنون فيها بوجود قانون وسلطة تحكم وجودهم وحياتهم وعيشهم المشترك في سبيل تنظيم هذه الحياة بما يؤمن العيش الامن والمستقر.
اما اذا كانت المجتمعات في ازمة معينة فإنها حتما - عقلا ومنطقا - ستحترم وتكرم وتبجل وتعظم من يدفع عنهم مخاطر هذه الازمة، اي ازمة كانت، وهذا تفكير انساني برغماتي محض فمن خلال هذا التكريم والتبجيل والتعظيم تضمن استمرار دفاع المدافعين عنك من مخاطر هذه الازمة، فالامر لا يحتاج الى فهم وعلم كبيرين، بل طبيعة انسانية واضحة.
اليوم لا يوجد من هو اعظم واهم من "الجيش الابيض" الكوادر الصحية في الدفاع عنا بهذه الازمة الخطيرة - جائحة كورونا - فهم خط الصد الاول، وما يعرفونه من مهارات تخصصية في هذا المجال لا يعرفه غيرهم، وازمتنا اليوم صحية قبل غيرها، فالعقل والمنطق البرغماتي يتطلبان منا تعظيم شأنهم وابداء اكبر قدر ممكن من الاحترام والتبجيل لهم، لسبب بسيط هو انهم يضحون بحياتهم من اجل دفع المخاطر عنا، يصابون بهذا الوباء من اجل انقاذنا، يعملون ليل نهار في سبيل حفظ ارواحنا، فهل لنا الا ان نبجلهم ونقدسهم ونعظم من تضحياتهم تلك .
في الدول المتقدمة شيدوا صروحا واقاموا نصبا للكوادر الصحية التي تقاتل في سبيل انقاذ البشرية في هذا الظرف العصيب، فضلا عن تقديم التسهيلات كافة لهم لانجاز مهامهم.
وبالمقابل هناك جهلة ومستهترون يعتدون ويتجاوزون على الكوادر الطبية بالضرب او بالقول واللسان دون رادع اجتماعي لهم، وما حدث في ذي قار من تجاوز بالضرب على الكوادر الطبية في هذا الوقت العصيب تحديدا، هو اعلى درجات الجهل والاستهتار ولا يمكن معالجته فقط من خلال انفاذ القانون، بل نحتاج الى رفض واستنكار واستهجان مجتمعي وعشائري وديني وثقافي لهذه التصرفات، ويجب محاسبة هؤلاء اشد المحاسبة، لتدرك الكوادر الصحية ان المجتمع مقيم ومدرك لتضحياتهم وجهودهم ومواجهتهم لهذه الجائحة الكبيرة، فضلا عن فسح المجال لهم لتأدية اعمالهم بلا ضغوط وخوف، اما الاعتراف لهم بالتقدير والعرفان فهي الرسالة الاهم والاقرب الى نفوسهم في الزمن العصيب.
المصدر