اسم التفضيل المضاف إمّا أن يكون مضافًا لنكرة أو مضافًا لمعرفة، فأما المضاف لنكرة فالواجب فيه التذكير والتوحيد (الزيدون أحسن رجالٍ، والهندات أحسن نساءٍ)، وأما المضاف لمعرفة فقد لا يراد به التفضيل فتلزم مطابقته لما هو له، وقد يراد به التفضيل، وفيه اختلف النحويون، فمنهم من أجاز أمرين أحدهما التذكير والتوحيد (الزيدون أحسن الرجالِ، والهندات أحسن النساءِ) والآخر مطابقة الاسم للمفضل (الزيدون أحاسن الرجال، والهندات حسنيات النساءِ)، ومنهم من أوجب التذكير والتوحيد كابن السراج.
والمشهور في كتب النحو المتأخرة نسبة القول لابن السراج من غير إشارة إلى تفرده بذلك، قال أبو حيان "وَذَهَبَ ابْنُ السَّرَّاجِ إِلَى تَعَيُّنِ الْإِفْرَادِ" (البحر1: 501). وتابعه السمين فقال "خلافًا لابن السراج حيث ادَّعى تعيُّنَ الإفرادِ" (الدر 2: 10)، ونجد مثل ذلك في كتب ابن هشام (شرح شذور الذهب 537، شرح قطر الندى 281) وفي شروح الألفية وحواشيها كشرح ابن عقيل (شرح ابن عقيل 3: 181)، ولست أرى ابن السراج متفردًا في ذلك؛ لأنه عدّد لنا علل النحويين لتوحيد اسم التفضيل وتذكيره عند إضافته للجمع، نحو: (قومُك أفضلُ أصحابنا)، والعلة الأولى أن الاسم (أفعل) تضمن المصدرَ (الفضل) والفعلَ (يزيد)؛ لأن المعنى: فضلُ قومِك يزيدُ على فضلِ سائِر أصحابنا، أي: أفضل= يزيد فضله. وأما العلة الثانية فهي أن (أفعل) إنما لم يثن ولم يجمع ولم يؤنث؛ لأنه مشابه للفظ (بعض) الذي يقع للتذكير والتأنيث والتثنية والجمع بلفظ واحد، وأما العلة الثالثة فعلة نسبت للفراء "إنما وُحِّد أفعلُ، هذا لأنه أُضيفَ إلى نفسه، فجرى مجرى الفعلِ، وجرى المخفوضُ مجرى ما يُضَمَّنُ في الفعل، فكما لا يثنّى ولا يُجمع الفعلُ فكذا لا يثنّى هذا ولا يجمع". وابن السراج يرجح العلة الأولى، "قال أبو بكر: وأشبه هذه الاحتجاجات عندي بالصواب الاحتجاجُ الأول، والذي أقوله في ذا أن (أفعل) في المعنى لم يثنَّ ولم يجمع لأن التثنيةَ والجمعَ إنما تلحق الأسماءَ التي تنفرد بالمعاني (وأفعلُ) اسم مركب يدل على فعلٍ وغيرِه فلم يجز تثنيته وجمعه، كما لم يجز تثنية الفعل ولا جمعه لما كان مركبًا يدل على معنى وزمان" (الأصول، 2: 6).
وأما الذهول فأمر استبعده عن علَم مثل ابن السراج، وهو يمثل بمُثُل موافق تركيبها الآية الكريمة التي رُدَّ بها قولُه، وابن السراج يرى أن (أفعل) يثنّى ويجمع ويؤنث حين يضاف إلى غير الواحد؛ ولكن باختلاف في الاعتبار والمعنى، فأفعل حينئذ ليس باسم تفضيل بل هو بمعنى اسم الفاعل، قال "فإن أردت (بأفعلَ) معنى فاعل ثنّيتَ وجمعتَ، وأنَّثت فقلت: زيدٌ أفضلُكم، والزيدانِ أفضلاكم، والزيدونَ أفضلوكم وأفاضلكُم، وهند فُضلاكم، والهندانِ فُضلياكم والهنداتُ فُضلياتِكم وفضلُكم"(الأصول، 2: 8)، واتضح من هذا النص أنه لا يوجب توحيد (أفعل) وتذكيره إذا أضيف إلى جمع مطلقًا؛ ولكنه يعدّه إن ثنّي أو جمع أو أنّث بمثابة اسم فاعل.
وأما الآية التي احُتج بها فمختلف في إعرابها، وليست إضافة (أكابر) إلى (مجرميها) سوى احتمال يبطل به الاستدلال؛ إذ ذهب غير واحد إلى أنّ (مجرميها) مفعول أول للفعل (جعلنا) و(أكابر) مفعول ثانٍ، قال الرازي "وَالْآيَةُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ تَقْدِيرُهُ: جَعَلْنَا مُجْرِمِيهَا أَكَابِرَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَكَابِرُ مُضَافَةً؛ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ الْمَعْنَى، وَيَحْتَاجُ إِلَى إِضْمَارِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِلْجَعْلِ؛ لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: جَعَلْتُ زَيْدًا وَسَكَتَّ لَمْ يُفِدِ الْكَلَامُ حَتَّى تَقُولَ رَئِيسًا أَوْ ذَلِيلًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِاقْتِضَاءِ الْجَعْلِ مَفْعُولَيْنِ؛ وَلِأَنَّكَ إِذَا أَضَفْتَ الْأَكَابِرَ فَقَدْ أَضَفْتَ الصِّفَةَ إِلَى الْمَوْصُوفِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ". (الرازي 13: 135)، وقال ابن عاشور "فَلَيْسَتْ صِيغَةُ أَفْعَلَ فِيهِ مُفِيدَةً الزِّيَادَةَ فِي الْكِبَرِ لَا فِي السِّنِّ وَلَا فِي الْجِسْمِ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْمِ غَيْرِ الْمُشْتَقِّ، وَلِذَلِكَ جُمِعَ إِذَا أُخْبِرَ بِهِ عَنْ جَمْعٍ أَوْ وُصِفَ بِهِ الْجَمْعُ وَلَوْ كَانَ مُعْتَبَرًا بِمَنْزِلَةِ الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ لَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَلْزَمَ الْإِفْرَادَ وَالتَّذْكِيرَ". (التحرير والتنوير8أ-50)
وتلخص مسألة اسم التفضيل عند ابن السراج في أنه يقترن (بمن) فيلزم التذكير والتوحيد (أفعلُ مِن) أو يضاف إلى نكرة أو معرفة فيلزم كذلك التذكير والتوحيد (أفعل)، فإن عُرّف (أفعل) بأل أو ثنّي أو جمع أو أنّث صار صفة بمعنى اسم الفاعل.