بعد ولادة النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، دفع عبد المطلب المولود الزّكي إلى أمّه، وأخذ يلتمس لرسول الله المراضع، فاسترضع له امرأة من بني سعد بن بكر، يقال لها حليمة بنت أبي ذؤيب، واسم أبيه من الرضاعة الحارث بن عبد العزى، وإخوته في الرضاعة عبد الله بن الحارث وأنيسة وحذافة، وهي الشّيماء، وكلّهم لحليمة بنت أبي ذؤيب، رضي الله عنها.
ولم تعرف العرب مَن تسمَّى باسم (محمّد) قبل الرّسول، صلّى الله عليه وسلّم، إلاّ ثلاثة، تمنّى آباؤهم حين سمعوا بقُرب بعث نبي في الحجاز اسمه محمّد أن يكون لهم، خاصة أنّ كلّ واحد منهم قد خلف امرأته حاملاً، فنذر كلّ منهم إن ولد له ذكر أن يسمّيه محمّدًا، وهم: محمد بن سفيان بن مجاشع، جد الفرزدق الشاعر، ومحمد بن أحيحة بن الحلاج بن الحريش، ومحمد بن حمران بن ربيعة.
وفي اليوم السابع لمولد الرّسول الكريم، أمَر عبد المطلب بجزور فنُحِرت، ودعَا رجالاً من قريش، فحضروا وطعموا. فلمّا علموا منه أنّه سمّى الطفل محمّدًا، سألوه لِمَ رغب عن أسماء آبائه؟ فقال: ''أردتُ أن يكون محمودًا في السّماء لله والأرض لخلقه''.
وذكر ابن السكن من حديث عثمان بن أبي العاص عن أمّه فاطمة بنت عبد الله، رضي الله عنها، أنّها شهدت ولادة الرّسول، صلّى الله عليه وسلّم، ليلاً، قالت: ''فما شيء أنظر إليه إلاّ نور، وإنّي لأنظُر إلى النُّجوم تدنو حتّى أنّي لأقول لتقعنّ عليّ''. وذكر ابن خيثمة عن أبي صالح السمان قال: قال كعب: ''إنّا لنجد في كتاب الله عزّ وجلّ: ''محمّد مولده بمكة''. وعن عبد الملك بن عمير قال: قال كعب إنّي أجد في التوراة عبدي أحمد المختار مولده بمكة.
وحكى أبو الربيع بن سالم أنّ بقي بن مخلد ذكر في تفسيره أنّ إبليس، لعنه الله، رَنَّ أربع رنّات، رنّة حين لُعِن، ورنّة حين أُهْبِط، ورنّة حين وُلِد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورنّة حين نزلت فاتحة الكتاب.

نسبه لإسماعيل الذّبيح عليه السّلام، هو سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، خير أهل الأرض نسبًا على الإطلاق. فلنسبه من الشّرف أعلى ذروة، وأعداؤه كانوا يشهدون له بذلك، ولهذا شهد له به عدوّه إذ ذاك أبو سفيان بين يدي ملك الروم. فأشرف القوم قومُه وأشرف القبائل قبيلته، وأشرف الأفخاذ فخذه.
فقد اختاره سبحانه وتعالى من أزكى القبائل وأفضل البطون وأطهر الأصلاب. فما تسلّل شيء من أدران الجاهلية إلى شيء من نسبه، وقد أشار صلوات الله وسلامه عليه إلى ذلك بقوله: ''إنّ الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من إسماعيل كِنَانة، واصطفى من كنانة قريش، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم. فأنا خيار من خيار من خيار''. وقال في رواية لمسلم بسنده: ''إنّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى هاشمًا من قريش، واصطفاني من بني هاشم''.
وفي رواية للترمذي أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قام يومًا على المنبر فقال: ''مَن أنا؟''، فقالوا: ''أنت رسول الله عليك السّلام''، فقال: ''أنا محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب، إنّ الله خلق الخلق ثمّ جعلهم فرقتين فجعلني في خيرِهم فرقة ثمّ جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثمّ جعلهم بيوتًا فجعلني في خيرهم بيتًا، وخيرهم نفسًا''.