بيوم من الأيام أراد أحد الأغنياء تعليم ابنه ووحيده الصغير درسا في مفاهيم الحياة السامية، وأن يعلمه كيف يحسن مستقبلا ويقدر قيمة نعمة المال التي من الله سبحانه وتعالى بها عليهما ويحسن تدبيرها، فأخذه معه إلى البادية ليقيما بضعة أيام في ضيافة إحدى الأسر الفقيرة والتي تتعايش من خير مزرعتهم البسيطة.
وبعد انتهائهما من رحلتهما الممتعة أراد الأب أن يرسخ كل ما رآه الابن وتعلمه في ذهن حتى يستمر معه ويعيش به ما قسم الله له من عمر…
الأب: “كيف كانت رحلتك يا بني، أخبرني؟”
الابن: “لقد كانت في غاية الروعة يا أبتي”.
الأب: “هل استمتعت بها حقا؟!”
الابن: “وكيف لا يا أبتي، وأنا رأيت به ما سأؤرخه بداخلي طوال حياتي”.
الأب: “إذا أخبرني يا بني ماذا رأيت وتعلمت منها، وما الدروس والعبر التي استخلصتها من رحلتك الشيقة؟”
الابن: “يا أبتي لقد رأيت أننا نحن الأغنياء لا نملك سوى كلبا واحدا للحراسة بينما هؤلاء الفقراء يملكون أربعة، ورأيت أننا نملك بركة مياه بمنتصف باحة منزلنا وهم يملكون جدولا من الماء طوله أطول من مد البصر، نحن يا بتي نحضر المصابيح لننير بها منزلنا وحديقتنا وهم ينعمون بالنجوم المتلألئة التي تضيئ سمائهم الصافية، نهاية منزلنا تكمن عند نهاية الباحة للحديقة الأمامية وهم لديهم مساحات شاسعة تمتد بطول الأفق، لدينا مساحة صغيرة من الأرض التي نعيش عليها ولديهم مساحات واسعة تمتد إلى حقولهم البعيدة، نملك خدما ليقوموا بكل شئوننا وهم يقومون بخدمة أنفسهم وبعضهم البعض، نحن نشترى ما نأكل من طعامنا وهم يقومون بزراعة ما يأكلون، نحن نبني جدرانا عالية لحمايتنا وهم يملكون أصدقاء وقلوبا مليئة بالمحبة تحميهم، هذا كل ما تعلمته من رحلتي يا أبتي”.
وأكثر شيء صدم الأب عندما شكره ابنه الوحيد الذي مازال صغيرا قائلا: “لا أجد الكلمات التي أعبر بها عن شكري لك يا أبتي لأنك تمكنت من كشف الغطاء عن بصيرتي وأريتني كم نحن فقراء”.