،،،،
《 صبغة النيلة الزرقاء 》
يحيط بنا اللون الأزرق من جميع الجهات فهو سماؤنا وماؤنا، وحسب علم النفس المختص بالألوان، يمتلك اللون الأزرق العديد من الميزات والصفات؛ حيث يمثل لون الصدق، والإخلاص، والمسؤولية، والراحة والهدوء الداخلي، كما أنه يساعد في الوصول إلى مرحلةٍ من الاسترخاء النفسي والعقلي.
تاريخيًّا، يبدو أنّ منطقة وادي النيل المتمثلة بالسودان ومصر القديمة، كانت أول من أعطى هذا اللون الكثير من التقدير ومنذ العصر الحجري، فظهر من تلك المنطقة ابتكارٌ عُرف باسم الصباغ الازرق المصري أو النيلة الزرقاء وانتشر بشكلٍ مثيرٍ، فنجدها قد زيّنت آنذاك الأبنية، والمعابد، والمقابر، والقصور، والملابس والحلي.
●صبغة النيلة الزرقاء
تسمى بالإنجليزيّة Indigo؛ أي Indian، بمعنى الهندي. ومع هذا، لا تعتبر الهند المصدر الوحيد للنيلة وذلك حسب ما ذُكر سابقًا، حيث استخدم البشر القدماء في الهند بالإضافة لمصر هذه الصبغة الزرقاء منذ ما يقرب من 5000 سنةٍ، والتي استخلصوها من نباتٍ يدعى Indigofera Tinctoria، لنجدها قد تربعت وبسرعةٍ على عروش الصباغ.
●مراحل عملية الحصول على الصباغ الازرق المصري
- تبدأ العملية بقطف أوراق نبتة النيلة الزرقاء (Indigofera) ونقعها في الماء، وذلك لمساعدة الحمض الأميني الموجود بداخل الأوراق ـ وهو الإنديكان (Indican) ـ على تحرير الغلوكوز منها.
- يُترك المحلول لعدة أيام، حيث يصبح لون الماء أصفر كنتيجة لتخمير الحمض الأميني بالإضافة للأنزيمات الأخرى الموجودة في النبتة.
- نحصل بعد عملية التخمير هذه على ما يسمى بالاندوكسيل (Indoxyl).
- يُترك الاندوكسيل في الهواء حتى يجف ويتأكسد ويتخثر متحولًا إلى النيلة الزرقاء (مادّة الصباغ الازرق المصري الأولى) في النهاية.
- تُمزج النيلة مع محلول قلوي (عادةً ما يكون بيكربونات الصوديوم NaHCO3) لتُضغط بعدها على شكل صلب وتُترك لتجف.
- يطحن الشكل الصلب لنحصل على البودرة المرغوبة ذات الصبغة الزرقاء الداكنة.
على الرغم من العملية الشاقة للحصول على الصباغ الازرق المصري باللون المطلوب وغلاء ثمنه، إلا أن الطلب والتصدير لهذه الصبغة كان في ازديادٍ باتجاه أوروبا، التي أرادت هذه الصبغة بشدةٍ وبغض النظر عن ثمنها أو صعوبة الحصول عليها، وذلك لكون هذه النبتة لا تنمو في مناخ أوروبا البارد نسبيًّا.
●مزايا الصباغ الازرق المصري
- سريع الفعالية؛ حيث تستغرق معظم الأصبغة وقتًا لتعطي لونها، أمّا في حالة النيلة الزرقاء (الإنديغو)، فيكون التأثير فوريًّا. كلّ ما عليك فعله هو غمر الملابس في الصبغة لثوانٍ قليلةٍ، ثم تركها في الهواء قليلًا، وهو ما يعطي اللون الأزرق الرائع كنتيجةٍ لتفاعل الصباغ مع الأوكسجين. الجدير بالذكر أن اللون يصبح أغمق كلما زادت مدة غمر الملابس في الصبغة.
- في أوروبا استخدمته النساء في مجال المكياج وخاصةً مكياج العيون، وفي إفريقيا دخل مجال الوشم والرسم على الجلد.
- بالإضافة لصبغه للملابس يمكن أيضًا استعمال الصباغ الازرق المصري بأمانٍ كمستحضر صبغةٍ للشعر، وذلك لعدم احتوائه على أية مواد كيميائية أو معادن ثقيلة فهو طبيعيٌّ 100%. كما يقاوم ابيضاض الشعر ويقوّيه ويزيد من لمعانه، وكذلك يعالج القشرة وينعّم فروة الرأس.
- يبقى مفعوله بين 4 إلى 12 أسبوعًا، وذلك حسب كثافة الشعر، كما بالإمكان إعادة صبغ الشعر أسبوعيًّا دون قلق.
- يتمتّع باستدامةٍ مميّزةٍ، حيث يمكن إعادة توظيف المياه المستخدمة في العملية بعد استخراج الصباغ في الريّ، كما توفر النيلة بعض السماد بمجرد تحويلها إلى شكلها الصلب، وهو ما يميز النيلة الزرقاء الطبيعية عن النيلة الاصطناعية المشتقة من البتروكيماويات (النفط)، والتي ينتج تصنيعها بعض النفايات السامة.
●معلومات إضافية عن صباغ النيلة الزرقاء
- عندما بدأت النيلة الزرقاء بالانتشار حول العالم وجدت طريقها نحو اليونان وروما واعتبرت حينها سلعةً باهظةَ الثمن، وكانت أقرب لنوعٍ من المجوهرات، وكان ذلك عام 300 قبل الميلاد.
- يمكن الحصول على الصباغ الازرق المصري من عدة نباتاتٍ، ولكن أفضل الأنواع هي التي تنمو في بيئةٍ حارّةٍ رطبةٍ.
- كما هو الحال مع حبوب القهوة والكاكاو، فإن ما يجعل من النيلة الزرقاء متفردة في نوعها هو المنطقة التي أتت منها ودرجة الحرارة والتربة التي زُرعت فيها، وهو ما يعطي اختلافات في الصباغ، ويميز الحرفيين وأولئك الذين يقدّرون التفاصيل الدقيقة.
- تحوي النيلة على نسبةٍ عاليةٍ من الشوائب، مما يمنح الحرفي أو الفنان المساحة الكافية للّعب بالألوان وتنويعها درجاتها.
- عادةً ما تُزرع النيلة الطبيعية في المجتمعات الريفية من الدول النامية ذات المناخ المثالي لها. وبهذا فهي توفر فرص عملٍ للمزارعين والمجتمعات التي تحتاج إلى تعزيزٍ اقتصاديٍّ.
،،،،