التجربة الذاتية للوقت
التقطت عالمة الاجتماع Hartmut Rosa فكرة ظاهرة ذائعة الصيت في كتابها Social Acceleration “التسريع الاجتماعي” في وقتنا الراهن، وهي فكرة السرعة والتسريع، وانفلات كل شيء من بين أيدينا، نظرًا لقلة ما نمتلكه من وقت، وعلى الرغم من ذلك فإن إدراكنا لهذا الوقت ليس متشابهًا، فكل منا يحكم على الوقت بناءً على إدراكه له وانفعاله به، تلك هي الفكرة التي يمكننا تسميتها “التجربة الذاتية للوقت”.
وإنما نعني بهذه التجربة الذاتية للوقت أن كل شخص يدرك عِظم أو حقارة ما عليه من مهام أو مسؤوليات اعتمادًا على الوقت الذي يمتلكه، أو إدراكه لهذا الوقت.
ولذلك قد نجد أشخاصًا في عصر السرعة الذي نحن في كنفه حاليًا هادئين مطمئنين، بل قادرين على إدارة وقتهم واستملاكه بشكل كلي، فكيف ذلك؟
من وجهة نظر Marc Wittmann؛ السيكولوجي الألماني، فإن الوعي الذاتي (سواءً بالذات أو بما تملكه من لحظات) والتأمل، واليقظة الذاتية هي الآليات أو الطرق المثلى التي يمكن من خلالها جعل الوقت يمر بشكل أبطأ، ومن ثم تكون حياتنا أكثر ثراءً.
الوقت ليس واحدًا
قد يمر الوقت مع بعض الأشخاص أو في ظل بعض المواقف بشكل أسرع، وقد يحدث العكس مع البعض الآخر، تلك هي واحدة من أهم وأبرز استبصارات مارك وايتمان؛ وهي أيضًا من أهم تجليات التجربة الذاتية للوقت.
يمر الوقت، على سبيل المثال، سريعًا جدًا أثناء مشاهدة أحد الأفلام الممتعة أو سماع مقطوعة موسيقية أو قراءة كتاب ما، في حين ستنقلب الأمور إلى العكس تمامًا إذا كنت تجلس في محاضرة مملة.
لكن الوقت نفسه لا دخل له بالأمر؛ إذ هو عبارة عن بنية تركيبية من مجموعة من اللحظات المتتابعة والتي تسير إلى ما لا نهاية، لكن المختلف هو إدراكنا للوقت ذاته.
ومن ثم، كانت نصيحة Marc Wittmann هي أن يتم تعبئة الحياة بالكثير من التجارب والذكريات الجيدة؛ حتى لا نشعر، أثناء مرحلة الشيخوخة، بأن الوقت ينفلت من بين أيدينا، ونحن غير قادرين على فعل أي شيء حيال ذلك.
قصر النظر الزمني
على غرار تلك النظرية التي طرحها “Philip Zimbardo”؛ أستاذ علم النفس في جامعة سنانفورد، في كتابه “سيكولوجية الوقت”، يذهب مارك وايتمان إلى أن طرق الناس في التعاطي مع الوقت الحاضر أو الماضي والذكريات مختلفة بناءً على الكثير من العوامل، والتي ليس أقلها التنشئة الاجتماعية.
ومن ثم ينظر إلى أولئك الذين يركزون جهودهم على الحاضر وما يحمله من مكاسب ومزايا باعتبارهم مصابين بقصر نظر زمني؛ فصحيح أنهم سيحصلون على بعض المكاسب والمزايا خلال هذا الحاضر، إلا أن انتظارهم لبعض الوقت سيجلب لهم مزايا ومكاسب أكثر.
وتبيّن من تجربة “اختبار المارشميلو”، التي أجراها عالم النفس الأمريكي Walter Mischel؛ أن أولئك التلاميذ الذين انتظروا بعض الوقت للحصول على المارشميلو كانت معدلات نجاحهم في الدراسة ودرجاتهم أعلى من أولئك الذين فضلوا الحصول على الشيكولاتة حالًا، ناهيك عن أن هؤلاء الأطفال الذين أُجريت عليهم التجربة أصبحوا فيما بعد، عندما تم تكرار التجربة بعد مرور عدة سنوات، أكثر خبرة وكفاءة اجتماعية.
ترويض الوقت
لماذا يجري الوقت؟ ولماذا ينفلت من بين أيدينا؟ ثم أليست هناك طريقة تساعدنا في وقف نزيفه وإبطاء معدل جريانه؟ تقع هذه الأسئلة ضمن مركز اهتمامات Marc Wittmann؛ وللإجابة عنها يقدم عدة نصائح استرشادية منها على سبيل المثال:
1- الإدراك الموضوعي للوقت:
يدعوك الرجل إلى تركيز انتباهك على الأمور الواقعية الحالية، دون أن تُغرق نفسك في الأوهام، أو المخاوف المحيطة بهذه المهمة أو تلك؛ فقد تكون مخاوفك من العمل أكبر من العمل ذاته.
2- اليقظة الذهنية:
كن واعيًا طوال الوقت بما أنت منخرط في إنجازه، ولا تنسَ أن بعض الأمور البسيطة يمكنها أن تجعلك سيدًا على وقتك وليس العكس.
3- خذ قسطًا من الراحة:
ابتعد عن العمل لفترة وجيزة، وامنح نفسك فرصة التواصل مع نفسك؛ فذلك أدعى لترتيب الأمور بداخلك من جديد.
4- باعد بين عملك وحياتك الشخصة:
إذا جلبت العمل معك إلى المنزل، أي إلى حياتك الشخصية؛ فستفشل في الاثنين (الحياة المهنية والحياة الشخصية)؛ لذلك كن حريصًا على إعطاء كل ذي حق حقه.