العِلْم
العلم بحرعظيم يحتوي على ما لا يُعدّ ولا يحصى من اللآلئ والدّرر، ولم يخطئ من شبهه بذلك ؛ فهو مجال واسع جداً لا يدرك نهايته أحد، وهو غني بما يحويه من فوائد ومعارف تفوق في أثمانها الجواهر والدرر؛ فالعلم نور العقل الذي لا يُشترى بثمن، وهو ما يرفع قدر الإنسان ويزيد من قيمته، وهو ما يجب على الإنسان أن يكدّ ويسهر ويتعب من أجل تحصيله دون كلل أو ملل.
وفي الحث على طلب العلم وبيان فضل التعلم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا، سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا بِمَا يَصْنَعُ، وَإِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لِلْعَالِمِ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى الْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْبَحْرِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ" ؛ فالعلم هو ما يُعرّف الإنسان بخالقه ويقرّبه منه، حيث ينظر به إلى هذا الكون الواسع وما يحويه من مظاهر كونية بديعة فيفسرها بدقة، والعلم هو ما يحمي الإنسان من الوقوع فيما يضره من خرافات وأكاذيب تؤذيه؛ فالإنسان المتعلم إنسان فَطِن لا يقع في شرك هذه الأمور.
والعلم أساس تطور الحياة وتيسير أمور العيش فيها؛ فلولاه وما أوجده من مخترعات واكتشافات (كالكهرباء، وأدوات الاتصالات، وطرق المواصلات، وغيرها) لصعُب علينا العيش والتواصل مع من هم مثلنا من بني البشر، كما أنّ العلم هو ما ساعدنا على اكتشاف ما يحيط بنا من كواكب ونجوم ومجرات لم نكن على دراية بها، وهو ما فسّر لنا مظاهر كونية عديدة كانت بالنسبة لمن سبقونا مبهمة وخطيرة، وهو ما ساعدنا على التخلص من الآفات والأمراض التي أودت بحياة الآخرين على مرّ الزمان.
إن طلب العلم غاية على كل فرد أن يسعى لها بشتى السبل، ومن أول هذه السبل القراءة فهي مفتاح أبواب العلوم جميعاً، وهي الطريق الذي نصل به إلى ما نريد، وثانيها هو مرافقة أهل العلم والعلماء للاستفادة منهم وأخذ ما ينفع، كما أنّ الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة كالانترنت وغيره في تحصيل العلم والمعرفة واحدة من هذه السبل التي يجب أن ننتهجها لتحقيق الثقافة والمعرفة لنا كأفراد، ونفع مجتمعاتنا أيضاً؛ فبنور العلم الذي ينعكس على الأفراد تتطور المجتمعات وتزدهر بين بقيّة الأمم.
ولله در القائل:
كم يرفعُ العلم أشخاصاً إلى رتبِ ويخفضُ الجهل أشرافاً بلا أدبِ
ولا يمكن للعلم أن يبني بيوتًا أو أن يطوّر الحضارات، دون أن نُطبّق ما تعلّمناه بالفعل، فالعلم ليس كتابًا يُقرأ مع فنجان قهوة للمُتعة ثمّ يُنسى! بل هو صمت يليه استماع ثم فهم وحفظ ثم تطبيق، على أن ينشر الإنسان ما تعلّم لينفع به غيره، فكما قال الأديب المنفلوطي: "أوّل العلم الصمت، والثاني حُسن الاستماع، والثالث حفظه، والرابع العمل به، والخامس نشره"
منقول