هو محمد بن محمد الإمام العلامة، المحقق المدقق الفهامة، العلم الراسخ، والطود الشامخ، المولى أبو السعود العمادي الحنفي مفتي التخت السلطاني وهو أعظم موالي الروم، وأفضلهم لم يكن له نظير في زمانه في العلم، والرئاسة، والديانة، ولد سنة 896هـ بقرية قرب القسطنطينية، وقرأ على والده وتنقل في المدارس واكتسب علمًا كثيرًا. تولى قضاء (بورسه) ثم نقل إلى قضاء القسطنطينية، ثم قضاء العسكر في ولاية الروميلي، ثم تولى منصب الإفتاء في السلطنة.
ملامح شخصيته وأخلاقه:
كان حاضر الذهن، سريع البديهة، وكان متمكنًا من العربية والفارسية والتركية. من مؤلفاته تفسيره المشهور ( إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم) جمع فيه ما في تفسير البيضاوي، زاد فيه زيادات حسنة من تفسير القرطبي، والثعلبي والواحدي، والبغوي، وغيرها، وله كتاب جمع فيه بعض ملازميه جملة صالحة من فتاويه، وله رسائل في الوقف.
وكان المولى أبو السعود عالمًا عاملاً، وإمامًا كاملاً شديد التحري في فتاويه حسن الكتابة عليها، وقدرًا مهيبًا حسن المجاورة، وافر الأنصاف دينًا خيرًا سالمًا مما ابتلي به كثير من موالي الروم من أكل المكيفات، سالم الفطنة جيد القريحة، لطيف العبارة، حلو النادرة؛ سئل عن شخص لا هو مريض ولا صحيح، ولا حي ولا ميت، ولا عاقل ولا مجنون، ولا نائم ولا يقظان، فأجاب بقوله: إن كان لهذا وجود فهو الترياقي. وسئل عن شرب القهوة قبل أن يكمل اشتهارها بعدما قرر له اجتماع الفسقة على شربها، فأجاب بقوله: ما أكب أهل الفجور على تعاطيه، فينبغي أن يجتنبه من يخشى الله ويتقيه. وهذا ليس فيه تصريح بتحريمها، بل يقتضي أن الأولى تركها حذرًا من التشبه بالفجار، والكلام في القهوة الآن قد انتهى الاتفاق على حلها في نفسها، وأما اجتماع الفسقة على إدارتها على الملاهي والملاعب، وعلى الغيبة والنميمة، فإنه حرام بلا شك.
وله القصيدة الميميَّة المشهورة التي أوَّلها:
أبعد سليمى مطلب ومرام *** ودون هواها لوعة وغرام
وفوق حماها ملجأ ومثابة *** ودون ذراها موقف ومقام
شيوخه:
أخذ عن علماء عصره منهم العلامة المولى قادري جلبي، وترقى في التداريس، والمناصب حتى ولي الإفتاء الأعظم.
مؤلفاته:
من مصنفاته: إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم في تفسير القرآن مجلدين مطبوع بمصر، بضاعة القاضي في الصكوك، ثواقب الأنظار في أوائل منار الأنوار في الأصول، حسم الخلاف في المسخ على الخفاف، غلطات العوام غمرات المليح في أول مباحث قصد العام من التلويح، الفتاوى، قانون المعاملات، معاقد الطراز، موقف العقول في وقف المنقول، قصيدة ميمية مشهورة، نهاية الأمجاد على كتاب الجهاد على الهداية للمرغياني.
وفاته:
توفي المفتي أبو السعود -رحمه الله تعالى- بالقسطنطينية في الثلث الأخير من ليلة الأحد خامس جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة (982هـ)، وكانت جنازته حافلة وصلى عليه في حرم جامع السلطان محمد الكبير في ملأ عظيم، وجمع كثير، وتقدم للصلاة عليه فخر الموالي سنان، ودفن في القسطنطينية بمقبرته التي أنشأها بالقرب من تربة الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه.
قصة الإسلام