مقال : القاضي سالم روضان الموسوي
يصدر بين الحين والآخر كتاب من جهة رسمية يتولى تفسير نص قانوني أو توضيح غايات ومرامي المشرع من وراء تشريع النص ، ومنها كتاب نشرته وسائل التواصل الاجتماعي موجه من مجلس النواب إلى هيئة التقاعد الوطنية مؤرخ في 18/6/2020 يفسر فيه نص قانوني ورد في قانون التقاعد الموحد، وهذا الأمر استوقفني لبيان هل أن الجميع يملك صلاحية تفسير النصوص القانونية وهل تكون أرائهم ملزمة للجهات المنفذة او المطبقة للقانون ؟، لذلك لابد من توضيح هذا الأمر في ضوء القانون ، إن تفسير النصوص القانونية يقصد بها عملية بيان معنى النص أيا كان النص القانوني وتظهر الحاجة إلى التفسير عندما تصادف الجهة المنفذة للقانون التباس في بيان غاية النص القانوني ومراميه، فتلجأ إلى تفسيره ، ويكون هذا التفسير بعدة وسائل منها أن تجتهد الجهة المختصة بتنفيذ القانون وتفسر النص على وفق ما ترى، وعادةً ما تستعين تلك الجهات بالدوائر القانونية التابعة لها والتي تضم مستشارين وموظفين من ذوي الاختصاص في القانون وهذا هو السائد، ومن لا يتفق مع هذا التفسير له حق اللجوء إلى القضاء للطعن بالتصرف الذي تقوم به الإدارة بناء على ذلك التفسير، أو إن الجهة الرسمية المطبقة للقانون ترى بان تذهب إلى جهة أخرى منحها القانون سلطة وصلاحية تفسير النصوص القانونية وتكون أرائها وفتاواها ملزمة لتلك الجهة التي طلبت التفسير، وعادة تكون هذه الجهة تضم مجموعة من المختصين في علم القانون ولهم الدراية في تفسير تلك النصوص القانونية، وفي العراق فان مجلس الدولة (مجلس الشورى سابقاً) هو المختص حصرياً بتفسير النصوص القانونية على وفق أحكام المادة (6) من قانون مجلس الشورى رقم 65 لسنة 1976 المعدل وكذلك نص المادة (1) من قانون مجلس الدولة رقم 71 لسنة 2017، وتكون فتواه بهذا الأمر ملزم للجهة التي طلبت التفسير على وفق أحكام المادة (6/ثالثا) من قانون مجلس شورى الدولة المشار إليها في أعلاه، وبموجب هذا النص القانوني فان أي جهة أخرى لا تملك صلاحية التفسير الملزم لأي دائرة رسمية يتعلق بتفسير النصوص القانونية، لكن توجد طرق وجهات أخرى تتولى تفسير النص القانوني ولا تقتصر على مجلس الدولة، هذا القول صحيح لكن الأمر يتعلق بمدى إلزامية التفسير الذي يرد من خلال تلك الجهات وسأعرض لها باقتضاب على وفق الآتي :
1. (التفسير القضائي) ويقصد به التفسير الذي تتولاها المحاكم بجميع أنواعها ومسمياتها عند تصديها للنظر في نزاع بين طرفين ويعرض على القضاء بدعوى أصولية ، والتفسير الذي تقوم به المحكمة ليس غاية القضاء وإنما هو وسيلة المحكمة للوصول الى حكم قضائي حاسم في الدعوى والملزم هو الفقرة الحكمية الواردة فيه، ويكون ملزم للطرفين المتخاصمين ، ولا يتعدى أثره إلى الغير باستثناء بعض أحكام القضاء الدستوري والقضاء الإداري حيث تسري أثاره على من لم يكن ممثلاً فيه عند التصدي للقواعد القانونية العامة والمجردة والأوامر الإدارية ذات الصبغة العامة، ولا يجوز للقضاء أن يتولى تفسير النصوص القانونية بشكل منفرد أو بناء على طلب من جهة ما لان هذا العمل يخرج عن اختصاصه وكان للمحكمة الاتحادية العليا أكثر من قرار رفضت فيه أعطاء التفسير للنصوص القانونية لأنها مختصة فقط في تفسير النصوص الدستورية.
2. (التفسير الفقهي) كما يمكن إن يتولى فقهاء القانون والمختصين في علم القانون تفسير النصوص القانونية إلا إنها تبقى آراء غير ملزمة لمن ينفذ القانون،
3. (التفسير التشريعي) كما يوجد نوع آخر من التفسير وهو التفسير التشريعي الذي يمارسه مجلس النواب وذلك عن طريق إصدار قانون يفسر نص قانوني سابق ويتبع فيه آليات إصدار وتشريع القوانين، وليس عن طرق بيان رأي شخص او دائرة من دوائر مجلس النواب.
لذلك فان اجتهاد مجلس النواب بإرسال كتب إلى دائرة التقاعد أو غيرها في تفسير نصوص القوانين أمر غير ملزم لتلك الدائرة، لان مجلس النواب سواء كانت الجهة التي أصدرت الكتاب رئاسة البرلمان أو إحدى لجانه أو من أعضائه أو الدوائر المرتبطة فيه، فان ما يبديه غير ملزم ويبقى مجرد رأي يعبر عن وجهة نظر من كتبه وأفتى به، وإذا ما وجدت هيئة التقاعد غموض في الأمر لها ان تستفتي مجلس الدولة لإزالة الغموض لأنه الجهة الوحيدة المختصة بالتفسير ولفتواها قوة إلزام بحكم القانون، أما إذا كان مجلس النواب أو أي شخص متضرر من تصرف دائرة التقاعد في ضوء تفسيرها لنصوص القانون، فعليه اللجوء إلى القضاء للطعن بهذا الإجراء ويقدم ما لديه من دفوع تعزز وجهة نظره وسيتولى القضاء الفصل في النزاع .