بإحدى ليالي الشتاء القارصة وتحت الأمطار الغزيرة المتساقطة كان يوجد رجل ذي ثياب رثة وبالية، وقد كان الجميع منشغلين بحماية أنفسهم من المطر ومن شدة البرد، فبعضهم يمسك بالمظلة وبعضهم يجري محتميا بسترته الواقية من المطر ولكن ذلك الرجل كان يقف متحجرا تحت المطر وفي عينيه دمعة دافئة، كان يقف كالصنم لا يحركه المطر بشدة هطوله من مكانه، وقف جامدا لا يسمع ولا يرى حتى جاءه رجل قد أخرج محفظته من جيبه يريد أن يعطيه من ماله ولكن في عينيه نظرة استكبار: “أتريد مالا يا هذا؟!”.
لم يجب عليه الرجل وظل جامدا كحالته، وعندما انتهى المطر ذهب الرجل إلى الفندق الفخم الذي بجانبه وهناك استوقفه موظفي الأمن أحدهم قال له: “ممنوع التسول هنا يا هذا”.
أخرج الرجل من جيبه مفاتيح سيارته وأمره بإخراجها ريثما يذهب إلى حجرته بطابق أهم نزلاء الفندق، ذهل الموظف ولم يصدقه حتى أخرج من جيبه مفاتيح الجناح الخاص به، صعد الرجل إلى جناحه وكلها لحظات وعاد بأرقى الثياب وأغلاها، ولنظافة تنعكس من صورته، رأى الرجل علامات التعجب والحيرة على وجه الموظف فرق له قلبه وأخبره: “أتعلم أنني كل يوم ببرد الشتاء القارص أحب أن أجرب يوما من حياة الفقراء، أحب أن أعرف كيف يعيشون بثيابهم البالية تحت الأمطار وفي البرودة القارصة، إنني لست بأفضل منهم لامتيازي عنهم بالمال ولكنني أقل منهم بكثير حيث أنني سأحاسب على كل ما معي وسيكون حسابي علي بالعسير وليس باليسير مثلهم، لذلك أحب أن أشعر بما يشعرون حتى لا تتسنى لي الفرصة وأتناساهم