.
النقاط التي وضعناها على الحروف
لم تضف شيئاً
كان المعنى نائماً
حين جادت غيوم نيسان بالمطر
*
تبلّلت كلّ الكلمات
حتى السبورة القديمة السوداء
أغرقها السيل
والمعنى الذي كان في الشتاء
توحّش فجأةً
*
لا ميم لا واو لا عين
و لا راء مسكينة نجت من المطر
الطلاب الذين نالوا صفراً في الإملاء
كانوا يبكون
دفاتر الإملاء ظلّت معهم
الأقلام
الطباشير
ترسم نقاطاً فوق كل حرف
لا معلم يلجمها
لا طلاب يحمون دفاترهم
من سطوته
المطر كان يكتب بسرعة
وأيضاً رسم سيولاً
وبِرَكاً وبعض الذعر في الماشية
*
قال الرجل الكهل
لم يكن الورق جيداً ليظلّ النصّ مكانه
زوجته قالت:
الحبر هو الذي لم يكن جيداً
.
ولكن؛
حتى الأقلام والطباشير والمعلم الوحيد في القرية والطلبة بمراييلهم التي ينشّفونها الآن، والعجوز التي تعلف الدواب بمشقة، والرجل الباحث عن بعض الوقود للمدفأة، حتى الزرازير القريبة من البيادر، والحمار الذي لم يفطن إليه أحد، والسيارة الوحيدة العابرة في التاسعة مساء بضوء شحيح، حتى البنت الشابة التي تتعلم الخبز على الصاج وقد أتلف المطر كحلها، حتى الصبيّ الشقيّ بمقلاعه المطاطيّ مطارداً زرزورةً مهيضة الجناح، الصبيّ الذي هرب من المدرسة لأن المعلّم ضربه بقسوة لأنه لايجيد كتابة (تلألأ المتلألئون) ولا صديقه الذي يرافقه أثناء القفز تحت المطر.
حتى تلك المرأة التي عاد زوجها من بيروت، وتبحث له عن بيض عند جارتها العجوز.
.
يومها انتظرنا الورق ختى ينشف، لنتعرف الحروف من جديد، وانتظرنا الأرض حتى تنشف، وانتظرنا ثياب القتيل حتى تنشف، وانتظرنا كلّ غيمٍ عابر حتى يمرّ، وكلّ ماء منبثق حتى يغور. وقالت العجوز وهي تقرض المرأة خمس بيضات: هذا المطر ذئب غشيم، وضحكتا معاً، ثم بكتا.
.
ومنذ المطر لم نعد نجيد القراءة، لم نعثر على حروف تماثل حروفنا القديمة؛ فكلّ الحروف صارت منقوطة.
منقوول