TODAY - October 07, 2010
ظاهرة «رفض المدرسة» لدى الأطفال.. أين تكمن أسبابها؟
أهم دوافعها التجارب السلبية واضطرابات القلق
نيويورك: الدكتور بيري كلاس *
المرة الأولى التي أدركت فيها أنني كنت لا أعرف مصطلح «رفض المدرسة»، كان ذلك قبل عقد، وكان مريضي صبيا بدا أنه قضى عامه الدراسي الأول يشكو من علة ما.
كان الطفل يشكو من حلق ملتهب، وسعال شديد أيقظه طوال الليل، ثم بعد فترة شكا من التهاب آخر في الحلق، أدى إلى دخوله غرفة الطوارئ في نهاية الأسبوع. حينها سألتني والدته بقلق: «هل يمكنني أن أحصل على تقرير كي أقدمه إلى المدرسة؟»، وما كان مني إلا أن طبعته وسلمته لها.
لكني لم أدرك مدى خطورة الموقف إلا عندما تلقيت مكالمة من ممرضة المدرسة، التي قالت لي إن مريضي إذا غاب بضعة أيام أخرى فسيضطر بموجب القانون إلى إعادة السنة الأولى مرة أخرى، ولن يحسب له العام الدراسي، لذا لا بد أن أتأكد من أن تكون إجازات الغياب لأسباب وجيهة! الرافضون للمدرسة
* «رفض المدرسة»
هو أي نوع من الغياب ابتداء من الفوبيا (الرهاب) وانتهاء بالتغيب عن المدرسة يمكن تتبعه في تصرفات الطفل ورغباته الخاصة - ظاهرة تتقاطع دراستها مع اختصاصيي التعليم وعلم النفس وطب الأطفال، وهو ما يشير إلى كونها ميدانا جيدا للمعلمين وأطباء علم النفس وأطباء الأطفال للعمل معا.
الحقيقة هي أنه يجب أن يكون أطباء الأطفال أول من يلاحظ هذه المشكلة، إلا أنني لم أعثر على دليل واحد، فقد كان مريضي طفلا قلقا وغريبا إلى حد ما - تحدثت إلى أمه حول القيام بعملية تقييم متقدمة لكننا اتفقنا على الانتظار ومراقبته في الصف الأول. والحقيقة أنه كان يتحاشى في المدرسة الأمور التي تجعله غير مرتاح - من العلاقات الاجتماعية في حافلة المدرسة والتدافع في الملعب، كما كان يتجنب المواقف الدراسية التي قد يرى البعض أنه يعاني خلالها. وكان متعلقا بأمه، لذا كانت قادرة على متابعته وبإمكانها مراقبته.
* الاكتئاب والقلق
درست الدكتورة هيلين إيغار، أستاذة طب الأطفال في جامعة ميديكال سنتر، العلاقة بين رفض المدرسة وأوضاع مثل الاكتئاب واضطرابات القلق، حيث ظهر لدى ما يقرب من ربع الأطفال الذين شملهم البحث سلوك رافض للمدرسة بسبب مشكلات القلق. وكما قالت لي: «يمكن أن تكون مرتبطة بصورة أكبر بالاكتئاب كما هو الحال مع القلق».
أجرت الدكتورة باربرا هوارد، أستاذ طب الأطفال السلوكي الإنمائي في جامعة جون هوبكينز، الحالات القصوى، دراسة على عدد من الحالات من بينها أطفال يواجهون مشكلات تعليمية وطبية معقدة. كان البعض منهم يعاني منذ اليوم الأول في الروضة لأنهم غير مستعدين للانفصال عن والديهم أو لأنهم كانوا قلقين بشدة، ومن ثم فمثل هؤلاء في حاجة إلى التكييف الأولي. وقالت: «يجب علينا أن نكون حذرين في ألا نشرك الأطفال القلقين، وأن نحرص على إمكانية أن يصحبوا معهم ألعابهم المفضلة».
وعندما يوشك الأطفال القلقون على العودة إلى المدرسة ربما يكون من الأهمية بمكان سؤالهم عما إذا كانت هناك مشكلات معينة - طلبة أكبر سنا يخوفونهم أو وجود دورات مياه من دون أبواب. على الرغم من أن البحث عن هذه المشكلات ومحاولة إصلاحها لن يؤثر بالضرورة على مهارات التأقلم، فإن الطفل القلق في حاجة إلى الشعور بالراحة في المدرسة.
*تجارب سلبية
تصنيف رفض المدرسة - بدءا من رهاب المدرسة إلى الغياب - عملية معقدة وقد تغيرت عبر الزمن، ولذا فإن الخبراء يميلون إلى مناقشة السلوك عبر الدوافع.
ربما يتجنب الأطفال المدرسة لأنهم يحاولون تفادي مشاعر سلبية مثل القلق والاكتئاب، أو تجارب سلبية مثل الاختبارات أو علاقات اجتماعية مضطربة. من ناحية أخرى، ربما يجدون مغنما إيجابيا - المزيد من الرعاية من جانب الوالدين، والفرصة للعب ألعاب الفيديو طوال اليوم أو بالنسبة إلى الأولاد الأكبر الحصول على المتع غير المشروعة.
ويشير الخبراء إلى حدوث نوع من التداخل، فالأطفال الذين يتغيبون عن المدرسة لعدد من الأسباب التي تبدو أشبه بالتهرب من المدرسة ربما يصبحون قلقين إلى حد بعيد. والحقيقة أن التغيب عن الدراسة يزيد من الضغوط الدراسية والاجتماعية التي تنتظر عودة الطفل، وتنشأ دائرة خطرة كلما كنت غائبا، سيرغب فيها الطفل في الابتعاد عن المدرسة.
الفارق المهم هنا هو في الاستجابة، يقول كريستوفر كيرني، أستاذ ومدير التدريب السريري بقسم علم النفس في جامعة نيفادا بلاس فيغاس: «إذا كان لديك طفل قلق للغاية، ينبغي عليك استخدام الكثير من أساليب إدارة القلق، مثل زيادة الحوافز للذهاب إلى المدرسة والإشراف خارج المدرسة».
وإذا نظرنا إلى المدرسة على أنها محل عمل الأطفال، ثم أصبح الغياب مثل خط أحمر، فهذه إشارة إلى أن خطأ ما وقع في صحة الطفل أو الحياة النفسية للطفل، أو داخل العائلة أو في الحياة أو المدرسة ذاتها.
* تشخيص الأعراض
من بين مهام طبيب الأطفال، بالطبع، أن يتأكد من أن هذه الشكاوى النفسية الغامضة لا تشير فعليا إلى مرض لم يتم تشخيصه. فالغياب من المدرسة قد يكون دليلا على الرعاية الطبية الرديئة، أو الإدارة غير الملائمة أو الأمراض المزمنة، مثل الربو.
تقول الدكتورة إيغر: «رفض المدرسة ليس تشخيصا، وليس اضطرابا، بل هو عرض»، لكنه عرض مهم له نتائج يمكن أن تكون خطرة، يجب أن تدفع الآباء - وأطباء الأطفال والمعلمين والأطباء النفسيين - إلى البحث عن وسائل للمساعدة.
وأضافت أنه يجب على أطباء الأطفال أن يسألوا: «هل هذه قضية أساسية حول حضور المدرسة يمكننا فقط التعامل معها، أو أنها مؤشر لاضطراب آخر مثل القلق والاكتئاب والنوم والشكاوى الجسدية؟».
لم يضطر مريضي إلى إعادة العام الدراسي، فقد وافقت المدرسة على تعويض بعض الوقت الذي تخلف فيه عن الدراسة. وحصل على التقييم التعليمي الذي يحتاج إليه، تبعه بعض التدخلات التربوية داخل الصف التي أحدثت اختلافا بارزا في قدرته على التعلم. وقد اقترحت الحصول على استشارة فردية للأب والأم، لكنها تخلفت عن الكثير من المواعيد، ورفضت.
لذا، فإن ما بدأ بظهور أعراض حلق ملتهب غامض وشكاوى السعال انتهى بقائمة من المهام الضرورية لقائمة طويلة من الشخصيات. يجب أن تتغير بيئة المدرسة، ويجب على الطفل أن يتعلم مهارات التأقلم الجديدة. وكذا، فإن على والدته الالتفات إلى الأمراض الثانوية، وعلى أطباء الأطفال أن يحترسوا في تقييمهم.
* خدمة «نيويورك تايمز»