فلسفة الموت
هل يجب أن نخشى الموت؟
عام 399 قبل الميلاد .. حُكِمَ على سقراطبالموت لعدة أسباب ، من مثل ؛ رفضه الإعتراف بآلهة أثينا الرسمية ، وتضليل الشباب ، وأستفزاز ذوي السلطة .
الشي العجيب بسقراط ، من أقترب موعد تنفيذ حكم الأعدام به ، كان هادئاً وغير خائف نهائياً .. لأنه كان يعتقد بوجود أحتمالين وحيدين فقط عند الموت .. ولم يكن أياً منهما يُخشى .
الأحتمال الأول: أن يكون الموت نوم بلا أحلام .
الأحتمال الثاني: أو يكون الموت ممر لحياة أخرى .
• النوم بلا أحلام شيء لطيف جداً ، وليس مخيف مطلقاً .. بلا يكون مكان للراحة .
• أما بالنسبة لحياة أخرى .. فـيبدو هذا الأحتمال جيد أيضاً .. لأنه سيكمنه من التسكع مع أشخاص رائعين من الماضي ممن قد وافتهم المنية .
لذلك في كلا الحالتين ، الموت ليس شيئاً مخيفاً .
فكرة سقراط للحياة ما بعد الموت ، أي "البرزخ" .. كانت جميلة .. حيث تصور البرزخ بمكان يشبه أثينا ، بأستثناء أنه لا أحد يملك جسداً ملموساً (يعني فقط عقول أو أذهان بلا أجساد)
وبشكل صريح أعتقد أن هذا الأمر سيكون رائع بلا شك .. لأن الأجساد قد تكون مصدر إزعاج ، فـعليك إطعامها وإراحتها ، وتتطلب الكثير من الرعاية .
لذا تصور سقراط أن في الحياة ما بعد الموت ، سيجري الكثير من المحادثات الفلسفية اللامنتهية .. وسيستمر في تعلم أمور جديدة مع أعظم المفكرين في الماضي .. ولن يضطروا لأخذ راحة للأكل أو النوم أو لقضاء الحاجة .
أدرك سقراط أن نشاطاته المفضلة ، والتفلسف لا تتطلب جسداً ، بينما بعض النشاطات تُفعل وإن كانت كل هواياتك بدنية .. فـستجد الحياة ما بعد الموت مُملة ، لهذا نصح سقراط بأن تمضي حياتك بالإعتناء بعقلك .. وتهذيب ذاك الجزء منك والذي سيبقى معك للأبد ، إن كان هناك حياة ما بعد الموت .. فأذا فعلتَ ذلك و وافتك المنية ، سترى أن الموت في الواقع مفيد لإنه لن تزعجك الأمور الجسدية بعد الآن ، حيث سيكون دماغك في أحسن حالاته ، لكن ماذا إن لم يكن هناك حياة بعد الموت؟
ماذا عن "النوم بلا أحلام" الذي تكلم عنه سقراط؟
أليس ذلك إفناء كلي للذات؟ بحيث أن الأمر يكون أكثر رعباً؟
من وجهة نظر الفيلسوف الرواقي القديم أبيقور فأنه لم يعتقد ذلك ، عاش أبيقور قرابة مئة سنة بعد سقراط ، و رفض فكرة الحياة بعد الموت بمجملها .. بالمقابل ، قال أننا فقط أجساد لا اكثر من ذلك .
لكن مع هذا ، لم يرى الموت كشيء مرعب .
أبيقور قال بإنه لا يمكن للموت أن يكون سيئاً لك ، لأن حالما يحضر ستكون قد أختفيت !
يعني أنت والموت يستحيل أن تتواجدا في نفس الوقت .. وعندما لا يكون لك وجود في حضرة الموت فـلن يكون هنالك وقت يكون الموت فيه سيئا لك .
أبيقور يقول إنه من الغباء الخوف من اللاوجود ، لكنه أيضاً سيتعرض طريقك بالأستمتاع بالحياة .. أنت حي ، وتشعر بالأحاسيس الآن .. لذا قال: استمتع بهذه الأحاسيس بأكبر قدر ممكن .
ولا تقلق بخصوص متى ستتوقف هذه الأحاسيس! (أنت تعيش مرة واحدة فقط)
•
أما بالوقت الحاضر ، فهنالك منظور فلسفي خاص عن الموت .. وأفضل ما يمكن وصفه بنوع من (الخوف من التفويت FOMO) الفلسفي .
الفيلسوف الأمريكي المعاصر توماس نيجل ، أوضح أن بعض الناس يخافون من الموت ، لأنهم سيفوتون الأشياء التي ودوا تجربتها ، بمعنى أنك أذا مت فلن تستطيع أنهاء المسلسل التلفزيوني المفضل لك .
أو أن تقرأ رواية أحمد السعداوي الجديدة ، أو تشاهد البشر يعيشون على المريخ .. أو يعالجون الأمراض المستعصية بسهولة .. أو تأهل العراق الى كأس العالم .
لكن أذا تفكر بالموضوع من غير زاوية : فأن الأمور الرائعة كانت مستمرة الحدوث قبل أن تولد .. والتي فاتتك طبعاً!
مثلاً نحن فوّت علينا معاصرة أنشتاين ، أو العيش في خمسينات القرن الفائت عندما كان العراق في أوج أزدهاره .
لذلك سأل نيجل : أن لم تكن تشعر بإحساس عميق بالحسرة على ما فاتك قبل أن تخلق ... لماذا عليك الشعور بالحسرة على ما ستفوته بعد موتك؟
•
طيب ، ماذا عن موت الآخرين؟ هل من السخف الخوف من موت الأشخاص الذين تحبهم؟
ربما قال بعض الفلاسفة ، ما تخافه في الواقع ليس الموت ، وأنما هو أن تُترك وحيداً عندما يموت من تحبهم ، وهذا هو رأي الفيلسوف الصيني الطاوي "شوانج زان" .
شوانج زان عاش بنفس زمن أبيقور ، وأعتقد أنه لا يوجد سبب للخوف من موت من تحبهم .. بحيث كان يسأل : لِمَ نخاف مما لا مفر منه؟
نحن نعلم بشكل مسبق أن الموت سيحدث ، للجميع ، ونعلم أيضاً أنه جزء من دورة الحياة ، ولا نرى بأن أي جزء من أجزاء تلك الدورة سيئاً .. لذلك قال : ألن يكون سخيفاً إذا ندبنا وحزننا خسارتنا للرضع عندما يصبحون أطفالاً ، أو أطفالنا عندما يصبحون مراهقين؟
نحن نحتفل بكل فترة من حياتنا بأعياد الميلاد ، وحفلات التخرج ، حتى نضع علامة لمرور الوقت والتغيرات التي مضت .
أذن الموت ، بالنسبة لشوانج زان ، مجرد تغير واحد ، لماذا نعامله بشكل مختلف؟
عوضاً عن ذلك ، قال : يجب أن تحتفل بموت من تحب ، كما تحتفل بأي مناسبة في حياة الآخيرن إذا مروا بها ، عليك ان تفكر بموتهم كما لو كانت حفلة توديع لرحلة عظيمة .
أما الحزن والندب عليهم فقد يكون ضرباً من الأنانية ، لأن عندما يحين وقت وداع أحبتك ، يقول شوانج زان ، آخر ما يجب عمله هو أن تتمسك بهم .
طبعا برأيي الشخصي شوانج زان عدمي وخالي من اي عاطفة تحسه لعبانة روحه
وعذرا للاطاله اذا قريتوا هذا التحليل