سيرة الامام الحسن العسكري«عليه السلام»
ولد الامام الحسن بن علي العسكري (ع) في المدينة المنورة في ربيع الثاني سنة اثنتين وثلاثين ومائتين للهجرة وتربى في ظل أبيه الامام علي الهادي(ع) وعاش معه ثلاثا وعشرين سنة وأشهرا، استوعب خلالها علوم آل محمد(ص)، فكان كآبائه في العلم والعمل والجهاد والدعوة الى الاصلاح في أمة جده محمد (ص). ولقد تولى مهام الامامة بعد وفاة أبيه، والتي استمرت نحو ست سنوات.
شخصية الامام العسكري«عليه السلام»
كان الامام العسكري كآبائه، علما لا يخفى، فكان أستاذ العلماء، وقدوة العابدين تهفو اليه النفوس بالحب والولاء، رغم الارهاب السلطوي، والمعاداة السياسية لأهل البيت(ع) وملاحقة السلطة له ولأصحابه. فرغم كل هذا فان خلفاء عصره لم يستطيعوا اخفاء شخصيته، أو تحجيم دوره السياسي والعلمي، ومكانته الاجتماعية، ففرض نفسه على حكام عصره وخصومه.
الامام العسكري «عليه السلام» والعمل السياسي
ولمكانة الامام العظيمة، وموقفه السياسي، ووقوفه على قمة المعارضة السياسية في تلك الفترة، فرضت عليه أجهزة السلطة الاقامة شبه الجبرية وأجبرته على الحضور يومي الاثنين والخميس من كل اسبوع في دار الخلافة.
وقد لجأ الامام (ع) الى العمل السري، وبناء جهاز من الأتباع والوكلاء وأحكم تنظيمه. وتفصح الوثائق التاريخية المتوفرة بين أيدينا عن ذلك الأسلوب الدقيق بوضوح كامل. وبالتأمل في تلك النصوص الوثائقية * ندرك أن للامام أتباعا في كل أنحاء العالم الاسلامي، وأن له وكلاء وممثلين عنه، وثقات يثق بهم ويعتمدهم في عمله العلمي والسياسي. كما وتكشف لنا هذه الوثائق جانب التكتم والسرية الذي كان يتبعه الامام (ع).
وتنقل الروايات وكتب التاريخ أنّ الامام العسكري (ع) زجّ في السجن وحبس مرّات عديدة وخططّ لقتله، كما زجّ بأصحابه في السجون من قبل حكّام عصره وأنصارهم.
مدرسة الامام العسكري «عليه السلام» العلمية
زخرت مدرسة أهل البيت في عصر الامام العسكري (ع) بالعلم والدعوة الى الاسلام، والدفاع عنه وكان قوام هذا العمل هو الأسلوب المدرسي، فقد كان للامام (ع) تلامذة وأصحاب رواة، وبعضهم واصل مهمته من عهد أبيه وجده (ع) وبعضهم التحق به في فترة امامته. وكان هؤلاء التلامذة والرواة يتلقون من الامام (ع)، ويروون عنه العلوم والمعارف. فعملوا كرواة ووكلاء وممثلين له في مختلف البلدان، وقام بعضهم بالتأليف وتصنيف الكتب والمؤلفات. وقد ساهم هؤلاء العلماء في انماء العطاء العلمي في مجال الفقه والتفسير والرواية والعقيدة والأدب والجغرافية وغيرها من العلوم والمعارف، مما يدل على سعة هذه المدرسة، كما يدل على مكانة الامام (ع) العلمية وسمو مقامه.
وفاة الامام العسكري (عليه السلام)
عاصر الامام العسكري(ع) المعتز والمهتدي والمعتمد من خلفاء بني العباس والاخير كان خليعا ميالا الى اللهو واللذات، وقد لاقى الامام (ع) على يدي المعتمد صنوفا مرهقة من الخطوب والتنكيل، وكان مما يدفع العباسيين الى ذلك حسدهم من مكانة الامام في الامة وخوفهم من ولده الامام المنتظر والذي كان معلوما لديهم أنه من ولد الامام العسكري(ع)، وتعظيم الامة للامام وتبجيله وتقديمه بالفضل على جميع العلويين والعباسيين، فأجمع رأيه على الفتك بالامام واغتياله، فدس له سما، توفي على أثره (ع) وعمره ثمان وعشرون عاما، وكانت وفاته (ع) سنة(260هـ)، وقد أحدثت وفاته هذه هزة عنيفة في كيان شيعته وأتباعه فقد اضطرب الموقف، وامتلكت الحيرة الكثيرين منهم، حول من يخلفه في الامامة، وهذا ما سنأتي عليه في الحديث عن الامام المهدي عجل الله فرجه.