TODAY - October 07, 2010
ساحة العرضات
هاشم العقابي
أول بدعة طلع علينا بها البعث حين تولى السلطة في العام 1968 هو عسكرة الخريجين. كان الطالب العراقي قبل مجيئهم، ما عليه الا ان ينهي الخامس الاعدادي ليعفى من الخدمة الالزامية.
كنت من بين سيئي الحظ الأوائل الذين طبق عليهم القانون الجديد، فذقت، بعد تخرجي مباشرة، مرارة التدريب العسكري الذي ما كان له هدف غير ان يذل الانسان من اجل الارض. صار علينا ان نستبدل "شرفنا" بشرف "حمل" السلاح ولبس البسطال.
أوقعونا بيد عرفاء ونواب عرفاء ونواب ضباط جهلة يسوقونا هنا وهناك ويسومونا مر عذاب الزحف والتنكيل والاهانات لغسل أدمغتنا كي ننسى اننا خريجون وجامعيون ولنتحول الى دمى تنفذ الأوامر بشكل آلي دون عقل او تفكير.
كان علينا في كل يوم ان نساق لساحة العرضات التي ما هي الا ساحة لقتل ما تبقى من الانسان فينا. حركات تقليدية تفصل ما بين الجسم والعقل. ساحة للخوف من ان نخطئ بتقديم القدم اليمنى على اليسرى لنهان ونتقبل الاهانة دونما اي حق للاعتراض.
مرت السنين فتحول الأمر من عسكرة الخريجين الى عسكرة التربية والمجتمع فصار الوطن كله ساحة عرضات. الفارق ان رئيس عرفاء الوحدة الذي كان يقود جمعنا في ساحة العرضات ليقدمنا الى الآمر، صار جمعا من رؤساء العرفاء على شكل رفاق وشعراء وكتاب ومطربين يقدمونا للقائد الواحد وليس للآمر ليسوقنا الى حيث يشاء. مرة شرقا صوب ايران واخرى جنوبا صوب الكويت لنقاتل كالقطعان التي لا رأي لها ولا سلطان.
تغير الوضع بعد السقوط، لكن "قيمة" ساحة العرضات ظلت راسخة في اللاشعور الجمعي تروح وتأتي بنا دون ان نعلم. ففي الانتخابات كان هناك رؤساء عرفاء في داخلنا يسوقونا سوقا. انتخبنا هذا وذاك من غير وعي بل لمجرد ان ننفذ أوامر تمليها علينا نوازع قسرية نرى الخروج عليها كفرا او خيانة.
انفضت ساحة عرضات الانتخابات، فأخذ رؤساء العرفاء الجدد اصواتنا ليقدموا "الموجود" الى قادة الكتل السياسية وصرنا تحت رحمة ان يحنوا علينا فيشكلوا لنا حكومة.
فتح المتنافسون أكثر من ساحة للعرضات فيما بينهم. صار لكل قائمة آمر ورئيس عرفاء وجند برلمانيون يمشون على "اليس يم" و"استارح" و "استاعد". جند جاءت بهم الاقدار وليس الشعب، الذي لم ينتخب منهم غير 16 نائبا وفقا لحسابات المعدل المطلوب لتجاوز عتبة الفوز.
سبعة أشهر مرت وساحات العرضات تتحكم بنا بلا نتائج وبلا حياء ايضا. وقبل ايام اندمجت ساحتان وقال "القادة" جاء الفرج او لاحت بوادره.
لا أظنه فرج حتى لو بعيد، ولا استطيع غير ان اقرأه بصوت رئيس العرفاء عبد علي الذي وقعنا بيده في معسكر التاجي حين سقنا للجندية اول مرة:
يس يم .. قـف .. الى اليسااار در .. الى اليمين در .. راااااوح .. الى الوراااااااااء در ..
كما كنت ..
عادوا وعدنا كما كنا في سنة 2005: وتيتي تيتي .. مثل ما رحتي اجيتي.