«قانون ساكسونيا» ربما يتبادر إلى ذهنك أن هذه الجملة مجرد كناية عن اختراق أحدهم للقانون، أومخالفة أحد النبلاء في مجتمع استطاع أن يحمي نفسه بنفوذه ويغرد طليقًا بعيدًا عن سلطة القانون، إلاأنه كان قانونًا واقعيًّا حقيقيًّا لم يكن افتراضيًّا، وإليكم أصل هذا القانون العجيب:
المكان: جمهورية ألمانيا، ولاية ساكسونيا، إحدى ولايات ألمانيا الست عشرة، والتي كانت قبل الوحدة الألمانيةإحدى أهم ولايات جمهورية ألمانيا.
الزمان: القرن الخامس عشر الميلادي.
الحالة: ولاية مزدهرة تجاريًّا بفضل الطبقة الكادحة من عامة الشعب من الفقراء الذين كانوا يعملون تحتإمرة طبقة النبلاء الأغنياء المالكين لزمام الأمور سياسيًّا واقتصاديًّا في الولاية.
كما كان يرى العالم الإيطالي فبلفريدو باريتو في «مبدأ باريتو 80 20 وهو أن 80% من النتائج سببها 20% من الأسباب، كان نبلاء ولاية ساكسونيا يرون، أنهم طبقة مختلفة عن المواطنين العاديين الكادحين من عامةالشعب من الفقراء الذين كانوا يعملون تحت إمرتهم، فهم الطبقة ذات التأثير الأقوى والنفوذ والجاهوالسلطة، مما جعل مشرعي القوانين من هذه الطبقة يشرعون قانونًا خاصًا يعطي كل طبقة قدرها، يعاقباللصوص والمجرمين من كلتا الطبقتين: عامة الشعب الفقراء، والنبلاء الأغنياء دون تمييز، وبذلك تتحققالعدالة.
فإذا كان المجرم من طبقة عامة الشعب الفقراء قاتلًا فيؤتى به في وضح النهار وينفذ فيه حكم الإعدام بقطعرقبته وسط جمع غفير من الناس، وكذلك السارق أو المحكوم عليه بالجلد، فيجلد بنفس الطريقة أمام جمع منالناس ليعتبروا، وإن كانت العقوبة السجن فيسجن.
ولكن ماذا كان يحدث في حالة النبلاء «علية القوم»!!
إذا كان المجرم من طبقة الأغنياء النبلاء فإن قانون ساكسونيا كان ينص على أن تنفذ العقوبة على «ظله»،فإذا كان قاتلًا يؤتى به وسط جمع غفير من الناس وفي وضح النهار تقطع رقبة «ظله»، وإن كان محكومًاعليه بالجلد فيجلد «ظله»، وإذا كان محكومًا عليه بالسجن فإنه يدخل السجن من الباب الرئيسي ويخرجفي الوقت ذاته من باب مخصص للنبلاء، هذا هو قانون ساكسونيا، لا تستعجب، العالم الآن ونحن فى القرنالواحد والعشرين مليء بقوانين ساكسونية، ولكن بأسماء جديدة تواكب العصر الجديد.
ولاية ساكسونيا الآن من أهم ولايات ألمانيا ازدهارًا، وتتمتع بأعلى نسبة نمو اقتصادي بين ولايات ألمانيا،ذلك نتيجة سيادة القانون، والعدالة الاجتماعية.
«إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا، إذا سرق فيه الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليهالحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها». رواه البخاري
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمةوإن كانت مسلمة».
فالعدل أساس الملك.