سيرة سيد الشهداء الإمام الحسين (ع)



الإمام الثالث من الأئمة الأطهار: الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام.
الولادة: 3 شعبان 4 ه الشهادة: 10 محرم 61 ه
والدته: البتول الطاهرة فاطمة الزهراء بنت النبي (صلى الله عليه وآله).
جده: أشرف وأكمل الكائنات النبي محمد (صلى الله عليه وآله).
كنيته: أبو عبد الله.
ألقابه: الرشيد، الطيب، الوفي، الشهيد، السبط، السيد .....
إمامته: قام بالأمر بعد أخيه الإمام الحسن(ع) مباشرة، وقد استلم مقام الإمامة عام 50 للهجرة.
مراحل حياة الإمام الحسين (ع)
الفترة الأولى من حياة الإمام الحسين(عليه السلام) كانت ذات أربع مراحل هي:
1 ـ حياته في عهد جدّه(صلى الله عليه وآله) وهي من السنة (4) الى (10) هجرية.
2 ـ حياته في عهد الخلفاء الثلاثة، وهي من السنة (11) الى (35) هجرية.
3 ـ حياته في عهد الدولة العلوية المباركة، أي منذ البيعة مع أبيه الى يوم استشهاده صلوات الله عليه، وهي من السنة (35) الى (40) هجرية.
حيث اقتدى بنهجه مدّة ثلاثين سنة في حفظ الدين وإدارة شؤون الأمة وشارك والده في حروب الجمل وصفين والنهروان وأفادت بعض الروايات بأنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) كان يمنع الحسنين (عليهما السلام) من النزول الى ساحة القتال خشية أن ينقطع نسل رسول الله(صلى الله عليه وآله); إذ كان(عليه السلام) يقول: إملكوا عنّي هذا الغلام لا يَهُدَّني، فإنّني أنفسُ بهذين ـ يعني الحسن والحسين (عليهما السلام) ـ على الموت لئلاّ ينقطع بهما نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد سئل محمّد ابن الحنفية عن سرّ بعثه الى ساحات القتال دون أن يسمح للحسنين(عليهما السلام) فأجاب: «إنّهما عيناه وأنا يمينه فهو يدفع عن عينه بيمينه»
4 ـ حياته في عهد أخيه الحسن المجتبى (عليه السلام) فعايش أخاه الحسن (ع) أحداث إمامته بما فيها صلحه مع معاوية وكان جندياً مطيعاً لأخيه منقاداً له في جميع مواقفه التي اتخذها في مدّة إمامته التي استغرقت (10 سنوات) حتى سنة (50) هجرية حيث استشهد الحسن (عليه السلام) وتصدّى هو للأمر من بعده.
وأمّا الفترة الثانية من حياته وهي التي تبدأ بعد استشهاد أخيه(عليه السلام) وتنتهي باستشهاده بأرض الطفّ يوم عاشوراء سنة ( 61 ) هجرية، فهي ذات مرحلتين متميزتين:
1 ـ المرحلة الأولى : مدّة حياته خلال حكم معاوية، حيث بقي ـ صلوات الله عليه ـ ملتزماً بالهدنة التي عقدت مع معاوية بالرغم من تخلّف معاوية عن كلّ الشروط التي اشترطت عليه من قبل الإمام الحسن(عليه السلام.
2 ـ المرحلة الثانية : وتبدأ بفرض معاوية ابنه يزيد حاكماً وسعيه لأخذ البيعة من الحسين(عليه السلام) ومن هنا تبدأ نهضته ، في سنة 60 للهجرة. فأعلن رفضه للبيعة: "إنَّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومحط الرحمة بنا فتح الله وبنا ختم ويزيد رجل فاسق شارب الخمر وقاتل النفس المحترمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله" والهدف من تحركه هذا: "وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً. وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي أريد أن امر بالمعروف وأنهى عن المنكر..".
فبدأ حركته من المدينة إلى مكّة ثم الى العراق، وتوّج صبره وجهاده بدمائه الطاهرة ودماء أهل بيته وأصحابه الأصفياء التي قدّمها في سبيل الله تعالى .
وقف الإمام الحسين (ع) بقلب مطمئن، في وجه الظالمين والمفسدين رغم كثافة العدو، وكثرة عدده وعدَّته... فلم تنل تلك الجموع من عزيمته، ولم يؤثر ذلك الموقف على قراره وإرادته، و رفع يديه للدعاء والمناجاة وقال: "اللهم أنت ثقتي في كل كرب، وأنت رجائي في كل شدَّة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدَّة، كم من همٍ يضعف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو أنزلته بك، وشكوته إليك، رغبة مني إليك عمَّن سواك، ففرّجته وكشفته، فأنت وليّ كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل رغبة...".
صفته:
كان الإمام الحسين عليه السلام أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله كان في غاية الجمال ما رأي أحد قط أحسن ولا أملأ للعين منه.
من مناقبه:
لقد اشترك الإمام الحسين مع أخيه الإمام الحسن(ع) في الفضائل، فهو: أحد الخمسة الذين نزل فيهم قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وأحد أهل المودة: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) وأحد الثقلين: (إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي.....) وأحد الذين شملهم حديث السفينة: (مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وهوى)،
وهو أحد الأربعة الذين باهل بهم النبي نصارى نجران، وسيد شباب أهل الجنة
وقد قال فيه رسول الله (ص) :
* (حسين مني وأنا من حسين)
* (أحب أهل بيتي إلي الحسن والحسين)
* الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا)
* (من أحب أن ينظر إلى أحب أهل الأرض وإلى أحب أهل السماء فلينظر إلى الحسين)
وللحسين فضائل وخصائص انفرد بها منها:
* أن الأئمة الأطهار من نسله.
* أن الدعاء تحت قبته مستجاب.
* جعل الله الشفاء في تراب قبره الطاهر.
* أن الله لا يعد أيام زائريه ذهابا وإيابا من عمرهم.
* من بكى عليه غفر الله تعالى له.
من أخلاق الإمام الحسين:
كان الحسين على درجة عالية من الأخلاق، كيف لا وهو أبن النبي العظيم الذي وصفه الله تعالى بـ (وإنك لعلى خلق عظيم).
قال أنس: كنت عند الحسين فدخلت عليه جارية فحيته بباقة ريحان، فقال لها: (أنت حرة لوجه الله)
فقلت: تحييك بباقة ريحان لا خطر لها (أي لا قيمة لها) فتعتقها؟
قال الإمام: (كذا أدبنا الله قال: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) وكان أحسن منها عتقها أيضا).
تواضع الإمام الحسين:
روي أن الإمام الحسين عليه السلام مر بمساكين قد بسطوا كساء لهم وألقوا عليه كسراً من الخبز فقالوا: هلم يا ابن رسول الله، فأكل معهم ثم تلا : (إنه لا يحب المستكبرين) ثم قال: (قد أجبتكم فأجيبوني)، قالوا: نعم فقاما معه حتى أتوا منزله فقال للجارية: (أخرجي ما كنت تدخرين).
حلمه وعفوه(عليه السلام):
لقد كان قلبه يتّسع لكلّ الناس، فكان لا يردّ على مسيء إساءة بل يحنو عليه ويرشده الى طريق الحقّ وينقذه من الضلال.
فقد روي عنه(عليه السلام) أنّه قال: «لو شتمني رجل في هذه الأذن ـ وأومأ إلى اليمنى واعتذر لي في اليسرى لقبلت ذلك منه، وذلك أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) حدّثني أنّه سمع جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: لا يرد الحوض مَن لم يقبل العذر من محق أو مبطل
جوده وكرمه (عليه السلام) :
لم يصله مال إلاّ فرّقه وأنفقه وهذه سجية الجواد. فكان يحمل في دجى الليل البهيم جراباً مملوءً طعاماً ونقوداً الى منازل الأرامل واليتامى. ومن كرمه وعفوه أنّه وقف(عليه السلام) ليقضي دين أسامة بن زيد وليفرّج عن همّه الذي كان قد اعتراه وهو في مرضه رغم أنّ أسامة كان قد وقف في الصفّ المناوئ لأبيه أمير المؤمنين(عليه السلام).
4 ـ شجاعته (عليه السلام) :
إنها شجاعة ورثها عن آبائه وتربّى عليها ونشأ فيها، وهو الشجاع في قول الحقّ والمستبسل للدفاع عنه، ولم يخش كلّ التهديدات ولا ما كان يلوح في الأفق من نهاية مأساوية نتيجة الخروج لطلب الإصلاح وها هو(عليه السلام) يردُّ على الحرّ بن يزيد ألرياحي: أبالموت تخوّفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟ ما أدري ما أقول لك؟ ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه :
فإن عشت لم أندم وإن متّ لم اُلَم كفى بك ذلاً أن تعيش وتُرغما
ووقف(عليه السلام) يوم الطفّ موقفاً حيّر به الألباب وأذهل به العقول، فقد كان طوداً شامخاً لا يدنو منه العدوّ هيبةً وخوفاً رغم جراحاته الكثيرة حتى شهد له عدوّه بذلك، فقد قال حميد بن مسلم:
فوالله ما رأيت مكثوراً قطّ قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه، إن كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشد عليها بسيفه فيكشفهم عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا اشتد عليها الذئب
5 ـ إباؤه (عليه السلام):
وقف ذلك الموقف الرسالي رافضاً بيعة يزيد بن معاوية قائلاً: «إنّ مثلي لا يبايع مثله».
وها هو يصرّح لأخيه محمد بن الحنفية مجسّداً ذلك الإباء بقوله(عليه السلام): «يا أخي! والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية»
ووقف صارخاً بوجه جحافل الشرّ والظلم قائلاً: «والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ إقرار العبيد، إنّي عذت بربّي وربّكم أن ترجمون»
وقال(عليه السلام): «ألا وإنّ الدعيَّ ابن الدعيَّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلة، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، واُنوف حميّة، ونفوس أبيّة من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام»
وهكذا علّم الإمام الحسين(عليه السلام) البشرية كيف يكون الإباء في المواقف وكيف تكون التضحية من أجل الرسالة.
عبادته وتقواه (عليه السلام) :
ما انقطع أبو عبد الله الحسين(عليه السلام) عن الاتّصال بربّه في كلّ لحظاته وسكناته، وقد كانت عبادته ثمرة معرفته الحقيقية بالله تعالى.
وإنّ نظرة واحدة الى دعائه(عليه السلام) في يوم عرفة تبرهن على عمق هذه المعرفة وشدّة العلاقة مع الله تعالى
يقول (ع): كيف يُستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟! أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهِر لك؟! متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدلّ عليك؟! ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل اليك؟! عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً...
إلهي هذا ذُلّي ظاهر بين يديك، وهذا حالي لا يخفى عليك. منك أطلب الوصول اليك، وبك استدلّ عليك، فاهدني بنورك اليك، وأقمني بصدق العبودية بين يديك...
ماذا وَجدَ مَن فقدك؟! وما الذي فقد من وجدك؟!
لقد خاب من رضي دونك بَدلاً، ولقد خسر من بغى عنك مُتحوّلا...
حرص(عليه السلام) على أداء الصلاة في أحرج المواقف، حتى وقف يؤدّي صلاة الظهر في اليوم العاشر من المحرّم وجيوش الضلالة تحيط به من كل جانب وترميه من كل صوب.
وكان (عليه السلام) يخرج متذلّلاً لله ساعياً الى بيته الحرام يؤدّي مناسك الحجّ بخشوع وتواضع، حتّى حجّ خمساً وعشرين حجّة ماشياً على قدميه
و كان(عليه السلام) كثير البرّ والصدقة، وكان يحمل الطعام في غلس الليل الى مساكين أهل المدينة لم يبتغ بذلك إلاّ الأجر من الله والتقرب اليه