TODAY - October 07, 2010
العالم الافتراضي تحول إلى ساحة تستوعب شتى أنواع الصراع
ملف خاص: الحرب العالميّة الثالثة... إلكترونيّة؟
الفايروس الإلكتروني الذي ضرب إيران يفتح الباب واسعًا أمام التكهنات القائلة إنَّ الحرب العالميّة الثالثة قد بدأت فعلاً، ومن بوابة القصف الإلكترونيّ. سلاح الحرب فايروس يصفه الخبراء بأنه شديد التعقيد، ويجمعون على أنّ جهات مؤهلة قد طورته. إيلاف أعدّت ملفًا خاصًا عن الموضوع.
أيّا تكن الجهة التي طورته، ينبئ فايروس ستاكسنت ببداية سباق جديد للتسلح في العالم، نافضًا الغبار عن نظريّات قالت في الماضي إنّ حروب المستقبل ستشن عبر الفضاء الافتراضي لتستهدف منشآت صناعية حيوية.
قوام الحرب الالكترونيّة ثلاثة عناصر أساسيّة: الدعم والهجوم والحماية، ومن سماتها ألا ضوابط وأخلاقيات تنظمها، أما تداعياتها فتتراوح بين شلل جزئيّ أو تام يصيب عواصم ومدن كبرى في أحس الحالات، وكارثة نووية وبيئيّة رهيبة قد تنجم عن تدمير أحد المفاعلات النووية...في أسوأ السيناريوهات.
وما يعزّز فرضيّة هذا النوع من الحروب المستحدثة تزايد الاعتماد على الشبكة العنكبوتيّة في شتّى المجالات الحياتيّة، وتزايد الهجمات في المقابل، من خلال فيروسات تصمم خصيصًا لمهاجمة أهداف على أرض الواقع.
ولانّ استعمال الانترنت في معظم مناطق العالم بات أمرا حيويّا لا غنى عنه، فإنّ النجاة أو "الحياد" تجاه حرب من هذا القبيل بات احتمالا غير وارد بعد أن ارتبطت المصالح وتشابكت وتعقّدت مع تزايد استعمالات الشبكة التي حولت عالم اليوم إلى قرية كونيّة صغيرة.
أمّا في المنطقة العربيّة، فإنّ مستعملي الانترنت يتابعون بحذر شديد بوادر الحرب الالكترونيّة، وسط تساؤلات بالجملة عن العدّة التي أعدتها الحكومات للتعاطي مع المخاطر المحتملة في حالة نشوب حرب الكترونيّة شاملة.
قضيّة ستاكسنت تضع العالم اليوم أمام فرضيات واحتمالات يصعب التكهن بها، وتطرح تساؤلات عن واقع الفضاء الافتراضي العربي، ومدى صموده أمام تكنولوجيات وفيروسات وتهديدات مُسطّري الحرب الإلكترونيّة ومهندسيها، كما تفرض سؤالاً بديهيا في حالة الحروب: هل العالم اليوم أمام سباق تسلح من نوع آخر، وهل تشنّ حروب المستقبل من الفضاء الافتراضي؟
مراسلو "إيلاف" في عدد من العواصم العربيّة والعالميّة حاولوا الاقتراب من الصورة، واستجلاء سيناريوهات الحرب الالكترونيّة، حلّت على العالم أم بقيت فرضيّة، ورصد ردود فعل الخبراء والمعنيين تجاه هجمات فايروس " ستاكسنت".
من الرياض:
الحروب الالكترونية تُهدد القدرات القتاليّة للجيوش
بدأت العديد من الدول العظمى وبعض من الدول العربية منذ فترة طويلة بإنشاء إدارات وقطاعات خاصة للحرب الالكترونية، التي يرى المختصون أنها هي الأساس والسلاح القادم للحرب العالمية الثالثة.
الرياض: مصطلح الحرب المعلوماتية كان ظاهرا بعد الهجوم الاليكتروني لفيروس (ستاكسنت) ضد بعض المنشآت النووية داخل إيران، الذي تسبب بإصابة أكثر من ثلاثين ألف جهاز حاسوبي.
فلم يعد مفهوم الحرب مقتصرا فقط على عدد الجيوش والأسلحة والعتاد العسكري، بل زاد عليه، وربما يمحوه في أحيان كثيرة مستقبل الحروب الاليكترونية التي تخترق أقوى الحصون الدفاعية بشفرات خاصة وصعبة السيطرة أيضا ويستغرق علاجها شهور بل من الممكن أن تمتد لسنين عديدة.
وأعلنت عدد من الحكومات في الدول العظمى عن تعزيزات كبرى في مجال مكافحة الاختراقات المعلوماتية، وكانت آخرها الولايات المتحدة التي بدأت بتعزيز وحماية شبكتها المعلوماتية لعدد من القطاعات الحيوية أسوة بالقطاع العسكري الذي قال عنه أحد مسئولي برنامج الحماية المعلوماتية بالدفاع الأميركية أنه غير محصن تماما ضد الهجمات الالكترونية.
وفي حديث "لإيلاف" قال أحد الخبراء العسكريين في مجال الحرب الاليكترونية إنّ طبول الحرب الآن لم يعد لها أي وجود بل أصبحت التقنية وحرب المعلومات هي القائد الحتمي والمستقبلي، وأضاف الخبير العسكري الذي فضل عدم ذكر اسمه أن سعي الحكومات والقيادات العسكرية لحماية منشآتها هو أنها تنبهت كثيرا لأخطار الأمن المعلوماتي الذي بإمكانه أن يسقط دولا من على رأس عتادها وقوتها إن هي استسهلت ذلك.
وأكد أن الفيروس الأخير الذي أصاب بعضا من المنشآت والقطاعات بإيران وعدد من الدول ليس دليلا على إغفالها لخطورة التعامل مع شبكة المعلومات فحسب، بل لأن "الفوضوية الاليكترونية" على حد تعبيره هي الأقوى في التغلغل وتفكيك أعتى أنظمة المكافحة الفيروسية، مضيفا أن الاختراق يسهل التحكم في أنظمة الصواريخ والقطاعات الحيوية داخل البلد التي تعتمد كليا على الأنظمة الحاسوبية.
وعن قدرة الدول العربية والسعودية خصوصا على مواجهة الهجمات والاختراق الإجرامي والإرهابي الالكتروني قال الخبير العسكري أن السعودية أدخلت منذ العام 1988 تأسيسا جديدا بإدارة حربية مساندة للقوات المسلحة أسمتها "إدارة الحرب الاليكترونية" الأمر الذي تنبهت له السعودية مبكرا لخطورة التعامل التقني، ومؤكدا أن الأساس في تشكيل هذه الإدارة منذ وقت بعيد هو للتعامل مع الأنظمة المعادية التي كانت آنذاك معتمدة على التشويش التقني لأنظمة القيادة والسيطرة، وتطور الأمر إلى أن أصبحت هذه الإدارة تعنى بكافة أنظمة الحرب الدفاعية والهجومية للتصدي الاليكتروني ضد الاختراقات والجرائم بمساندة قوية مع وزارة الداخلية.
وأكد في ذات الوقت أن التنبؤ المبكر من الممكن أن يقوم بدوره للتصدي، لكنه أوضح أيضا أن ذلك لا يُجدي في حالة التطور في خلق "ديدان" إلكترونية كما اسماها تقفز متطورة وقادرة على الاختراق وتعطيل الحركة العامة بالبلد.
وقال الدكتور معتز البيطار أحد خبراء الأمن المعلوماتي بإحدى الشركات الخاصة في حديث لـ"إيلاف" إنّ هناك حاجة أساسية ومتطورة لبناء أنظمة حماية ذكية ونشطة وقادرة على الاستجابة بشكل سريع ضد الهجمات الإلكترونية، مؤكدا ذات الوقت أن على الدول العربية مجتمعة توحيد جهودها لإنشاء منظومة أمنية معلوماتية تصعب على أي تجمع تقني اختراقها.
وعن كيفية نشوء مثل هذه الفيروسات التي تربك الأمن المعلوماتي على الصعيد الشخصي والوطني، قال البيطار أن باستطاعة أي "هاكرز" صناعة فيروس قوي لكن قوته لا يمكن لها مواجهة أنظمة دفاعية قوية.
وأضاف أن الفيروسات التي تصيب الأنظمة الوطنية والمصالح العامة للدول حقيقة وليست من نسج الخيال.
ويرى أنّ "الفيروسات تطلق من أنظمة تقنية كبرى لشركات متخصصة في الإرهاب والسيطرة الاليكترونية".
واعترف البيطار بصعوبة القضاء على الفيروس والتمكن منه مؤكدا أن الوقت سيطول لإزالته والقضاء عليه وربما احتاج ذلك لأكثر من سنة لتعطيله، مضيفا أن البعض من هذه الفيروسات تحمل رموزا يستحيل أحيانا فكها والنيل منها.
من المغرب:
لن تكون في صالح أيّ طرف والانترنت قد تتوقّف
الحرب الإلكترونية تساوي النووية وإن انطلقت قد يستحيل التراجع
فتح برنامج "ستاكسنت"، القادر على التعرف إلى شبكة التحكم في منشأة معينة وتدميرها، والذي أكدت طهران على أنه صمم خصيصاً لتخريب منشآت إيرانية، من بينها مفاعل "بوشهر" النووي، أبواب التكهنات حول إمكانية نشوب حرب إلكترونية، قد تكون الوجه الأقبح للحرب العالمية الثالثة.
الدار البيضاء
تزايدت حدة المخاوف من الهجمات الإلكترونية بعد أن أشعلت الشرارة الأولى لهذه الحرب المتوقعة في طهران، وبالتالي فإن الرد لن يكون سوى مسألة وقت، علما أن هذا النوع من الهجمات لها آثار تدميرية كبيرة. ويقول عبد الحق بنطالب المختص في شؤون التكنولوجيا الحديثة لـ"إيلاف"إن "الحرب الإلكترونية ليست في صالح أي جهة، لأنها تساوي تقريبا الحرب النووية، إذ أنها إذا بدأت لا يمكن أن ترجع إلى الوراء".
ويوضح عبد الحق بنطالب أنه "إذا كانت أميركا أو أي دولة أخرى خلقت فيروس ووجهته إلى بلد معين، مثلا كإيران، فإن هذا البلد بدوره به مهندسين في الإعلاميات، الذين يمكنهم أن يغيروا وجهته ويرسلوه إلى أي بلد يستهدفونه"، مشيرا إلى أنه "عندما تبدأ الحرب الإلكترونية ويشرع في تدمير المواقع والحواسيب أو المعطيات، فإن كل دولة ستستعرض قدراتها في هذا المجال، وبالتالي لن نتفاجأ غدا بأن الإنترنيت توقف". يضيف المختص المغربي "لهذا فإن دول كثيرة، خاصة تلك التي تمتلك الإنترنيت، كأميركا أو أوروبا، تحاول ما أمكن أخذ حذرها من أي هجوم إلكتروني، لأنه إذا بدأت بواد المعركة، سنكون أمام مشكل اجتماعي وسياسي ونفسي، إذ يمكن أن تتخيل ماذا يمكن أن يقع إذا لم يجد المستخدمون الموقع الاجتماعي "الفايس بوك"، أو المايسنجر".
ويقول عبد الحق بنطالب "فمثلا في إنجلترا ماذا يمكن أن يقع عندما يجري التحكم في الحاسوبات التي تتحكم في الإشارات الضوئية، فهذا سيتسبب في فوضى. تخيل معي الفوضى بمفهومها الهمجي".
بخصوص الفرق بين الهجمات الالكترونية المعروفة والتقليدية التي يشنها (الهاكر) قراصنة النت، وبين ما تم رصده أخيرا وما قيل إنه هجوم الكتروني من دولة يستهدف دولة أو دولا أخرى، أكد المختص المغربي في شؤون التكنولوجيا الحديثة أنه "بالنسبة للفيروس الذي هاجم المنشآت في إيران، فإن هذا النوع من الفيروسات يمكن أن يدخل للحاسوب دون أن يدمره، لكنه يمكن أن يتحكم في البرامج والمنشآت الاصطناعية".
ستاكسنت.. لم يخلقه خبراء عاديّون
يمكن لأي قرصان إلكتروني هاو أن يخترع فيروس ويطلق عليه الاسم الذي يشاء، إلا أن بعض الفيروسات التي تكون ورائها دول تحتاج إلى خبراء من طينة خاصة، وهو ما أكده عبد الحق بنطالب قائلا: "الدول التي تصنع الفيروسات تعتمد على مجموعة من الخبراء في هذا المجال، إذ أن الفيروس إذا قصد إيران لوحدها فإنه موجه، ولم ينشئه قراصنة عاديون". وأضاف المختص "الفيروس يقصد مباشرة نظام (سي ام اس)، الذي يخلق برنامج يدعى "لوطوماتيزم"، المرتبط بالحاسوب الذي يتحكم في إغلاق، أو فتح، وإطفاء الأنوار، أو كل ما لديه صلة بالمنشآت المائية وغيرها"، مبرزا أنه "من خلال هذه برامج جرى خلق فيروس يخرب أو يتحكم في تلك المنشآت التابعة لـ "سي ام اس" أينما كانت". وذكر أنه "كما حدث في إيران، فإن هذا الفيروس يمكن أن يقصد دول أخرى إذا كانت بها "سي ام اس".
ماذا أعدت الدول العربية لهذه الحرب؟
أعاد هذا الحادث الإلكتروني تسليط الأضواء على مستوى حماية شبكات المعلوماتية في الدول العربية، التي تعتمد رقابة مفرطة على التكنولوجيات الحديثة بصفة عامة، والإنترنت بصفة خاصة، قد تجنّبها، في نظر البعض، الكثير من المخاطر. إلا أن هذه النظرية لا يتفق معها عبد الحق بنطالب، إذ أكد قائلا "الرقابة ليس لها علاقة بالحماية الأمنية. فحرية الرأي والتعبير لا ارتباط لها بأمن المعلومات. وبالنسبة لنا في الدول العربية يمكننا أن نكون أيضا عرضة لمثل هذه المشاكل، إلا أننا لدينا أيضا حمايتنا، لأن لدينا أنظمة حساسة. فكل شيء نستهلكه من الدول الأجنبية، لهذا فأنظمة الحماية والجدران النارية متوفرة. وبما أن الدول الأخرى تحمي نفسها فنحن أيضا سنستفيد من الحماية نفسها، إذ أننا نستهلك ما يستهلك في الدول الغربية".
وحول كيفية تصنيع الفيروس، أوضح المختص المغربي أن "هذا ليس تصنيع أو برمجة فيروس. ففي البرامج الإلكترونية هناك برامج نعمل بها، منها تلك التي تستعمل في "الشات" أو الإنترنيت وغيرها، وهناك برنامج تخلق لتخرب كل هذه البرامج، إن قدمنا لها بيانات وشيفرات خاصة بها، التي يكون الغرض منها الانسجام أو عدم الانسجام مع برنامج معين".
وبالنسبة لأضرار الفيروس، أضاف عبد الحق "حاليا ليس هناك أضرار، لأن المشكل الذي أصبح في البرمجيات هو قرصنة القن السري للبطاقات البنكية الإلكترونية، أو غيرها.
ولم نعد نسمع أن فيروس دمر محطة أو مجموعة من الحواسيب في العالم، أو المواقع، أو المعطيات، لكننا أصبحنا نسمع عن "حصان طروادة"، وبرامج التجسس على الهواتف، وقرصنة الموسيقى، وبطاقات الاعتماد. ويرجع قلة عدم سماعنا لحالات تدمير من هذا الحجم لكون أن برامج الحماية باتت تعمل بشكل مكثف".
من تونس:
الحرب الإلكترونيّة... مجالها رحب ولا مواثيق أو أخلاقيات تنظمها
إذن هي الحرب الالكترونيّة التي لا يمكن لأكثر المحللين تفاؤلاً أن يحدّد متى وكيف ستشدّ أوزارها بعد أن أغار فايروس "ستاكسنت" معلنًا طلقتها الأولى. هكذا بدت الصورة منذ الإعلان عن بداية هجمات فايروس ستاكسنت الإلكترونيّة ضدّ الكثير من المصالح الإيرانيّة.
لا صوت يعلو فوق صوت التحذيرات والتكهنات من مستقبل الصراع بين الدّول الذي يبدو أنّه لم يعد يحتاج – كما كان سابقا – للعدّة والعتاد والرجال، بل بات يعتمد بشكل أكبر على الخبرات في مجال الشبكة العنكبوتيّة، والقدرة على استيعاب وتوظيف ما جادت به الإنسانية من تكنولوجيا حديثة قد تحدّد معالم الصراع خلال السنوات المقبلة.
إيران التي كانت بداية لهجمات فايروس ستاكسنت، أكدت أنه تم تطهير أجهزة الكمبيوتر الصناعية لديها من فايروس "ستاكسنت" على ما أفاد محسن حاتم نائب وزير الصناعة لشؤون التخطيط.
وقبلها، أعلن وزير الاستخبارات الإيراني حيدر مصلحي أن السلطات الإيرانية اعتقلت بضعة جواسيس مفترضين يعملون عبر الانترنت على تخريب أنشطة البرنامج النووي الإيراني. وقال إن إيران منعت بذلك "الأعداء من القيام بعمل تخريبيّ" مؤكدا حرص الجهات الأمنية على توفير "رقابة تامة على الانترنت" وعدم سماحها لتسريب أي معلومة تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني أو تؤدي الى تخريب أنشطته.
بالرغم من ضبابيّة "الغارة الالكترونيّة" التي رفعت درجة الحيطة والحذر داخل منشآت إيران النووية إلى أعلى المستويات، وما تلا ذلك من أنباء عن دعوة القائد الجديد لعمليات الحرب الالكترونية في الجيش الأميركي إلى بناء شبكة كمبيوتر منفصلة لحماية الدوائر الرسمية المدنية والصناعات الحيوية تحسبا لهجمات قد تستهدفها، لا يمكن الجزم بعدُ بالجهة التي تدقّ طبول الحرب الالكترونيّة ومرماها الحقيقيّ وقدراتها التي كما يبدو لا تريد كشفها جميعا منذ الوهلة الأولى.
تمّ الهجوم الذي يعتبر الآن الشغل الشاغل للتقنيين والسياسيين ووسائل الإعلام تحت رعاية إحدى الدول أو مجموعة من الدّول، وتشير الترجيحات إلى تورّط إسرائيل أو الولايات المتحدة في الإعداد له، في حين لم تستبعد تكهنات أخرى أن يكون مصدر إطلاق الفايروس "ستاكسنت" إحدى الجماعات الخاصّة الممولة تمويلاً جيداً والتي تشتغل وفق هدف محدّد وإستراتيجية مضبوطة.
واستناداً إلى تقديرات شركة "سيمانتك" المتخصصة في مجال الأمن وإدارة المعلومات، فإن الجهة التي طوّرت فايروس "ستاكسنت" تتكون مما يقترب من عشرة أفراد. كما تبين أن مشروعاً كهذا لن يحتاج إلى كثير من الأموال، مما يعني أنّه بات بالإمكان إلحاق الكثير من الأضرار بالبنية التحتية لدولة بأكملها بواسطة القليل من المال وعناصر معدودة من التقنيين المحترفين.
وتسير التكهنات التي تمّ رصدها إلى حدّ وفق اتجاهين؛ فالبعض يرى أنّ ما يُكتب ويُقال حول الهجمات الالكترونيّة التي تنذر بحرب بلا هوادة ليست سوى "فرقعة" إعلامية شبيهة بالفرقعة التي أثيرت في العامين 2008 و2009 حين تمّ الإعلان عن هجمات الكترونيّة مماثلة على الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وهجمات أخرى ضدّ الدفاعات الجوية السورية، وكذلك الهجمات السياسية التي تم شنها على أوسيتيا الجنوبية واستونيا.
ويرى هؤلاء أنّ المسألة مرتبطة بالوقت لا غير، وأنها ستدخل طيّ النسيان والكتمان بعد أن يستنفذ المحللون ما في جعبتهم من تحاليل وقراءات يرنو بعضها نحو الأسطورة. في المقابل، لا يكتفي الفريق الآخر بالتوقف عند هذا الحد، بل يذهب بعيدًا إلى التنبيه من انطلاق حروب الكترونيّة متوقعة لا تبقي ولا تذر، وقد يصعب تحديد خسائرها وضحاياها، وستكون بداياتها مع ما يتردّد حول "ضربات انتقاميّة" تستعدّ لها إيران ومن يدور في فلكها للردّ الكترونيّا على الهجوم الذي استهدفها وعطل قطاعات حساسة داخل مدنها.
أيّا تكن التكهنات الأقرب إلى الواقع، فإنّ الثابت في كلّ هذا أنّ الحرب الالكترونيّة التي تشير عدّة معطيات إلى اقتراب موعد اندلاعها، أو أنها اندلعت بالفعل، ستختلف جوهريا عن الحروب السابقة التي عاشها العالم، إذ لا وازع ولا أخلاقيات ولا معاهدات ولا مواثيق تنظم الحرب الافتراضيّة، فالجميع مستهدف والجميع متورّط على اعتبار أنّ "ساعة الوغى" ليست دولة أو إقليما إنما هي الشبكة العنكبوتيّة التي تربط العالم وتحوله إلى قرية صغيرة تتشابك مصالحها وتتعقّد وتترابط وتتفاعل فيما بينها.
من جهة أخرى، يتوهم كثيرون أنّ بوادر الحرب الالكترونيّة الحالية التي انطلقت مع ستاكسنت تبدو أمرا مستحدثا، في حين أنّ مصطلح الحرب الالكترونيّة وما يرافقه من جدل ليس وليد اليوم.
كان تقرير صادر في العام 2008 عن شركة "مكافي" (McAfee ) الرائدة في مجال الحماية الرقمية قد أشار إلى أن "الحرب الباردة الإلكترونية" التي تشن على أجهزة الكمبيوتر في العالم تنذر بالتحول إلى إحدى أكبر التهديدات الأمنية خلال العقد المقبل.
واستبق التقرير الجدل الحاليّ، بالتنويه إلى أن نحو 120 دولة تقوم بتطوير طرق لاستخدام الانترنت كسلاح لاستهداف أسواق المال ونظم الكمبيوتر والخدمات التابعة للحكومات، وأنّ أجهزة المخابرات تقوم بالفعل باختبار شبكات الدول الأخرى بصورة روتينية بحثاً عن ثغرات وأن أساليبها تزداد تطورا كل سنة.
وحذر التقرير حينها من أن الهجمات على مواقع الكترونية خاصة وحكومية في استونيا لم تكن سوى "قمة جبل الجليد" حيث قالت استونيا إن آلاف المواقع تأثرت بالهجمات التي أدت إلى شل البنية التحتية في البلد الذي يعتمد بشدة على الإنترنت.
وذكر التقرير أن الصين في صدارة الحرب الالكترونية وأن اللوم ألقي عليها في هجمات على الولايات المتحدة والهند وألمانيا، رغم نفي الصين لتلك المزاعم بصورة متكررة. وتنبأ التقرير كذلك بأن الهجمات المستقبلية ستكون أكثر تطوراً من مجرد عمليات بحث بدافع الفضول في البدء، إلى عمليات جيدة التمويل والتنظيم من التجسس السياسي والعسكري والاقتصادي والتقني.
وهذا ما يبدو عليه الوضع فعلا بعد سنتين من صدور تقرير "مكافي". ويعتبر التراشق والسّجال الذي دار بين كلّ من الولايات المتحدة الأميركيّة والصين على خلفيّة أزمة محرك البحث (غوغل) وجها آخر من أوجه الحرب الالكترونيّة التي تدور رحاها منذ سنوات.
فالموضوع لم يكن مجرّد "تنافس تجاري" في سوق المعلومات الالكترونية أو الانترنت كما روج البعض، بل ارتبطت المعركة ببسط النفوذ واثبات الجدارة في الفضاء السيبرنيّ. ولا تخفي الصين أو واشنطن أنّ الأولى تعكف منذ سنوات على تحسين قدراتها القتالية الالكترونية. وقد أصدرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تقريرًا يرصد القدرات العسكرية لبكين، ويشير إلى أنّ الجيش الصيني يحاول ضمان توفر المعدات والخبرات المدنية في الكومبيوتر لتساعده في تدريباته وعملياته، ويستعين بالأكاديميين ومعاهد وشركات تكنولوجيا المعلومات لدمجهم في وحدات دعم للجيش في العمليات العسكرية.
ويبدو أنّ الصين تنبّهت بشكل جيّد لأهمية "الحرب الالكترونية" منذ حرب الخليج الثانية، عندما شل سلاح الجو الأميركي في تلك الحرب، قدرات الأنظمة الدفاعية العراقية، بعدما دمر البنى الاتصالية التحتية للقيادة.
وشكلت الصين، التي تعتبر واحدة من الدول التي توجه لها أصابع الاتهام في إثارة "البلبلة" على الشبكة عبر نشر الفايروسات والتجسّس والرقابة وحجب المواقع الالكترونية وتدمير المدونات والمنتديات، وحدات خاصة بحرب المعلومات أو الحرب الالكترونية، وصل عددها إلى 33 وحدة في العام 2008، تتوزع على الجامعات ومراكز البحوث الحكومية وشركات المعلوماتية، وتتكون من عناصر شابة لا تتعدى الـ45 عاماً من العمر، لها خبرة كبيرة في المعلوماتية اكتسبتها عبر عملها في شركات مدنية تعمل في التكنولوجيا الرقمية، وكذلك فإنها تعرف لغة أجنبية أو أكثر كي يسهل عليها جمع المعلومات.
وكانت واشنطن أعلنت خلال العامين الأخيرين عن حدوث خروقات صينية تجاه مواقعها الالكترونية الإستراتيجية، ومن ذلك إغلاق الشبكة الالكترونية لكلية الحرب البحرية تماماً بفعل هجوم صيني، وقد حدد هدف الهجوم في مجموعة الدراسات الإستراتيجية التي كانت وقتها تطور مفاهيم الحرب الالكترونية.
علاوة على إصابة أجهزة الكومبيوتر الخاصة بمكتب الصناعة والعلوم في وزارة التجارة بأعطال جعلتها لا تتصل بشبكة الانترنت لمدة شهر كامل، وهذا المكتب هو المسؤول عن الصادرات التكنولوجية المتقدمة.
كما نجحت الصين في شنّ هجمات الكترونيّة عطّلت أنظمة الاتصال (البريد الالكتروني) في مكتب وزير الدفاع من دون أن يسمي البنتاغون مصدر الهجوم، وإن كانت تقارير إعلامية وجهت أصابع الاتهام إلى الصين.
وقد لا يختلف الصراع الدائر بين الصين والولايات المتحدة كثيرا عن الصراع الدائر بين تقنيين عرب ومسلمين وتقنيين إسرائيليين يتبعون أجهزة الأمن في الدولة العبريّة، ويعمد هاكرز مسلمون إلى استهداف المواقع الإسرائيلية وقواعد البيانات والمراكز الحيويّة بشتى السبل فيما اصطلح على تسميته بـ"التضامن الإلكتروني" و"الوحدة الإلكترونية" و"الحرب الإلكترونية و"المقاومة الإلكترونية" و"الجهاد الالكترونيّ" وغيرها من التسميات التي تحيل إلى الحرب بين الطرفين والتي لم تنته بعدُ.
والحرب ذاتها تخاض منذ سنوات ضدّ "تنظيم القاعدة" الذي ينشط بشكل مكثّف على شبكة الانترنت ويُقال إنه يستغلّ طاقات شابة في مجال الانترنت والمعلوماتيّة لجمع المعلومات وتجنيد الجهاديين وتنفيذ العمليات الإرهابية.
أما في العراق، فلا تخفي الولايات المتحدة استنادها إلى ترسانتها الالكترونيّة المتطورة للقضاء على المسلحين. وذكرت تقارير إعلامية أنّ "قسم الحروب الالكترونية" الذي تشكل، يعتبر أحد الأقسام الرسمية التابعة للجيش الأميركي والتي لها دور في تعقب المسلحين والحدّ من تأثيرات هجماتهم.
ويقول عسكريون أميركيون إنّ معظم الوحدات القتالية باتت معتادة على أنظمة وأجهزة الحرب الالكترونية المثبتة في العربات العسكرية من أجل حماية الجنود من العبوات الناسفة التي تعتمد على الموجات والذبذبات اللاسلكية لتفجيرها، وأنّ هذا الشكل من أشكال الحرب والمعايير والتدابير المضادة لها، ليس سوى جزءًا من الإجراءات التي يقوم بها جنود فرع الحرب الإلكترونية. وبحسب شهادات العراقيين أنفسهم، فإنّ أجهزة الهواتف النقالة تتعطّل أو تختفي الشبكة المرسلة كلما مرَّ رتل عسكري للجيش الأميركي، لأنها مزودة بأجهزة تشويش الكترونية.
من باريس:
إيران تملك نظامًا معلوماتيّا حديثًا ورغم ذلك فشلت في صدّ الهجمات
الرقابة على الإنترنت في البلدان العربيّة لا تحميها من الهجمات
أكد المهندس في الإعلاميات عبد الرؤوف خطاط أنّ الرقابة على الإنترنت التي تفرضها الحكومات في عدد من الدول العربية لا تعني حمايتها من الهجمات الالكترونيّة وأنّ مراقبة الفضاء الافتراضيّ لن تكون سداً منيعاً في الفيروسات المدمّرة ما لم يتمّ تطوير برامج حماية المعلومات.
ظهرت في الآونة الأخيرة مؤشرات إندلاع حروب إلكترونية خطيرة في المستقبل، أخطر بكثير من الحروب المألوفة، لأنه بإمكان مدبّريها أن يتصرفوا بملء إرادتهم في الأجهزة المتحكمة في التكنولوجيا العالية ذات الحساسية البالغة كتلك التي تسيّر المفاعلات النووية، كما أن هذه الحروب قد تخاض بين الدول على شبكة المعلومات على غرار الهجمة التي استهدفت إيران أخيرا، والتي نسبتها وسائل إعلام إلى أميركا وإسرائيل.
وظهر في هذا الإطار فايروس "ستاكسنت" الذي يجمع خبراء المعلومات على حدة خطورته، والتي تتعدى بكثير خطورة الفيروسات التقليدية، لأنه برنامج معلوماتي "لم يحدث لأجل سرقة معلومات شخصية أو سرقة أرقام البطاقات البنكية وغيرها، و إنما بغاية أكبر من ذلك، وهي ضرب الوحدات الصناعية بإلحاق أضرار بالبرامج الاقتصادية"، على حد قول كاسبورسكي رئيس الإدارة العامة لكاسبورسكي لاب.
مفاعل بوشهر الإيراني
وهذا النوع من البرامج الهدامة لا يمكن أن يقف وراءها شخص عادي، فهي تكنولوجيا عالية تتطلب المال والكفاءات، والهجمة السرية التي استهدفت إيران وعرّضت نحو 30 ألف من حواسيبها للتلف، قالت بعض المصادر إنها كانت من تدبير أميركي بدعم إسرائيلي من مستوى عال.
وأضافت ذات المصادر أن الكيان العبري يعطي أهمية خاصة لهذه التكنولوجيا بانتقاء العناصر التي بإمكانها أن تقدم عطاءات في هذا التخصص انطلاقا من سن مبكرة (العشر سنوات)، ليُدمجوا بعدها ضمن وحدات عسكرية سرية تعرف بـ "بمارام" أو "وحدة 8200".
الدول العربية بدورها ليست في منأى عن التهديدات الإلكترونية، وإن كانت البلدان التي تبدو أكثر استهدافا، هي تلك التي وضعها الغرب في وقت من الأوقات ضمن ما يُعرف "بمحور الشر" كسوريا التي تعرّض مفاعلها العامل بالبلوتيوم والذي كانت تشرف على انشائه كوريا الشمالية بشمال هذا البلد العربي، إلى هجمة في العام 2007 أتت عليه بالكامل، مما يعني أن هذه البلدان ليس بوسعها أن تضمن السلامة الكافية لأنظمتها المعلوماتية، ولا تفيدها الرقابة على النت في شيء للتقليل من هذا النوع من الأخطار الإلكترونية، حسب تصريح مهندس الإعلاميات عبد الرؤوف خطاط لـ "إيلاف".
وقال خطاط لـ "إيلاف" "لا أعتقد أن البلدان العربية بإمكانها أن توفر الحماية لبرامجها المعلوماتية"، مضيفا "أن إيران تتوفر على نظام معلوماتي حديث، وكانت تعي مسبقا أنها معرضة إلى هذا النوع من التهديدات إلا أنها فشلت في التصدي إلى الهجمة الإلكترونية الأخيرة".
و أكد المهندس في الإعلاميات "أن الرقابة على الإنترنت في العديد من الدول العربية لا تعني في شيء حمايتها من مثل هذه الهجمات"، مفسرا ذلك أن هذه الفيروسات هي في الأصل معلومة، المستهدف الأول من الرقابة في هذه البلدان العربية، إلا أن هذه الأخيرة لا ترقى لأن تكون سدا منيعا في وجه مثل هذه الفيروسات أو "الدودات"، والمطلوب منها تطوير برامج الحماية المعلوماتية.
وتشير مصادر إلى أن الدول التي تتوفر على حماية قوية لبرامجها المعلوماتية هي روسيا، الصين و كوريا الشمالية التي لم تنجح فيروسات خصومها في التسرّب إلى أنظمتها المعلوماتية بغرض سرقة معلومات حول برنامجها النووي، عكس ما حصل لإيران أخيرا، إذ قالت مصادر أن الهجمة ضدّ طهران استغرقت شهرين تمكنت على إثرها "الدودة" التي استهدفتها من التسرب إلى برامجها المعلوماتية الصناعية و العودة بمعلومات ثمينة قبل أن تحدث أعطابا قاتلة بها.
و كانت كوريا الشمالية استطاعت أن تتسرب إلى مواقع وزارتي الداخلية الأميركية و المالية و العديد من الإدارات، و كشف كتاب "الحرب الإلكترونية: التهديد المقبل للأمن الوطني"، لصاحبيه ريشار كلارك وربير نيك، عن ضعف أميركا في "الأمن الإلكتروني"، حيث أثار هذا العمل حقيقة أرعبت الأميركيين وهي أن الولايات المتحدة يمكن "تخريبها نتيجة هجمة إلكترونية في ظرف 15 دقيقة، إن لم تأخذ احتياطاتها الأمنية في الميدان".
من القاهرة:
قد تطال مؤسسات حيوية وبنى تحتية في الدول العربيَّة
فايروس "ستاكسنت" يشكل النواة الأولى للحرب العالميّة الثالثة
أكد خبراء مصريّون إقبال العالم على حرب تكنولوجية موجهة، لا تقل خطورة عن الحروب التقليدية، وباتت الجبهات العربية والعالمية على قناعة بضرورة تفعيل آليات أكثر دقة للتعاطي مع تلك التهديدات، ولعل ما فتح الباب أمام هذه التحسبات، تعرُض إيران لهجوم إلكتروني بالفايروس المعروف بـ "ستاكسنت".
وفقا للمعطيات المتواترة، يرى خبراء تقنيون أن فقهاء المعارك غير التقليدية، أصبحوا أكثر حرصاً من ذي قبل على تفعيل المنظومات الإلكترونية، والهجوم من خلالها على جبهات معادية، مما يعطي انطباعاً بأن الحروب المقبلة ستكون محوسبة، وسيحتل السلاح التقليدي فيها دوراً ثانوياً، غير أن هناك فارقا بين سلاح محوسب وآخر.
وتشير المهندس غادة خليفة مسؤول شركة مايكروسوفت في منطقة الشرق الأوسط، الى ان الهجمات المحوسبة، أو بالأحرى حرب الفايروسات الإليكترونية، تختلف في مدى خطورتها على الضحية وفقاً لنوع الفايروس، فهناك عدد هائل من الفايروسات التي ابتكرها مستخدمو الانترنت، إلا أن هذه الأنواع لا تتجاوز خطورتها تدمير موقع إليكتروني، أو سرقة معلومات وأموال، أو حتى تدمير أجهزة إليكترونية، وتبتكر شركات الحماية وتأمين المعلومات الفينة تلو الأخرى مضادات ANTI VIRUS متطورة، يمكن من خلالها الحيلولة دون تمكن الفايروس من الهدف.
دول ومؤسسات عملاقة
أما فيما يتعلق بالنوع الآخر من الفايروسات، فتقف ورائه دول أو مؤسسات إليكترونية عملاقة، خاصة انه يفتقر عند خلقه الى تمويل ضخم، ويمكن وصف هذا النوع من الفايروسات بسلاح الحرب الإلكترونية الموجهة من دولة الى أخرى، وربما يزيد من خطورة هذه الحرب عدم تمكن الجهة التي يتم الاعتداء عليها من رصد او تحديد الجهة المعتدية، كما بات عليه الحال في ايران، فالتقنيات الفايروسية من هذا النوع تتمتع بقدرة هائلة على اخفاء الجهة التي ارسلتها، وربما لهذا السبب ما زالت غيران تحاول الوصول الى الجهة التي ضربت منظومة تشغيل أحد مفاعلاتها النووية بفايروس "ستاكسنت"، وأغلب الظن هو أن التصريحات الإيرانية في هذا الصدد، التي توجه إصبع الاتهام الى الولايات المتحدة أو إلى اسرائيل، لا تعدو كونها مجرد توقعات أو إرهاصات على خلفية العلاقات السياسية المتردية بين الدولة الفارسية وواشنطن وتل أبيب.
على صعيد ذي صلة يرى اللواء المتقاعد محمد قدري سعيد، مستشار الشؤون العسكرية والتكنولوجية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، إن جميع المعامل التكنولوجية في مختلف دول العالم، لم تتمكن حتى الآن من رصد الجهة التي تعتدي بفايروس قاتل مثل "ستاكسنت"، مما يعطي انطباعاً بأن العالم أوشك على الدخول في حرب تكنولوجية غير واضحة المعالم، فالمعارك التقليدية تكشف كل جبهة فيها الأخرى، وفي ظل الضبابية التي تفرضها حرب الفايروسات على الجهة المعتدية، يظل تحديد تلك الجهة مرهوناً بتوقعات وارهاصات، تعتمد معطياتها في الأساس على خلافات بين دولة وأخرى.
أعتاب حروب غير تقليدية
ويقول اللواء قدري "تقف دول العالم بما في ذلك الدول العربية على اعتاب حروب غير تقليدية، ولم تكن ايران وحدها أول من تعرض لهذه الهجمات الفايروسية، بل إن الولايات المتحدة تعرضت لهجوم مماثل، كان عبارة عن قرصنة على المنظومة المعلوماتية لوزارة الدفاع "البنتاغون"، كما هاجمت روسيا استونيا عام 2007 بفايروس إلكتروني".
وربما تعكس هذه المعطيات صورة دراماتيكية عند الحديث عن التأمين المعلوماتي في الدول الغربية والعربية، إذ يعكف الباحثون التقنيون في الدول المتقدمة على ابتكار العديد من الأبحاث، التي تساهم في تزكية الحروب التكنولوجية، واستخدام التقنيات سلاحاً بديلاً عن السلاح التقليدي، وفي المقابل ابتكار سبل التأمين من تلك الحروب غير التقليدية، بينما تسير الدول العربية ببطئ مقارنة مع نظيرتها الغربية، ومن هنا يجب لفت انتباه دوائر صنع القرار في العواصم العربية الى ضرورة التركيز على تفادي التعرض للحروب الإلكترونية، من خلال التشجيع على البحث في تكنولوجيا الحواسيب وحماية المعلومات.
وبحسب قدري فإنه عند النظر الى الفايروس الأخير الذي ضرب إيران، تكمن خطورة الحرب الإلكترونية، فالفايروس المعروف بـ STUXNET ليس دودة، تهدف الى سرقة اموال او معلومات، وانما هو ابتكار فايروسي فريد من نوعه، إذ اشرف على ابتكاره عدد هائل من الخبراء والعلماء التقنيين، يساعدهم في ذلك كم هائل من المعلومات التكنولوجية، واعتماداً على تكنولوجيا تُعرف بـ SCADA، لذلك يسود الاعتقاد بأن الجهة التي تقف وراء هذا الهجوم لا يمكن ان تكون الا دولة، تمتلك قدرات امكانيات مادية وتكنولوجية هائلة، وفي تسعينيات القرن الماضي كانت هناك العديد من الهجمات الإلكترونية، بينما بات العقد الأول من القرن الحالي نادياً للجرائم الإلكترونية الموجهة، وربما يكون العقد الثاني من هذا القرن بداية للحروب الإلكترونية بين الدول.
4 ثغرات في المنظومة المحوسبة
ويضيف قدري "إن فايروس "ستاكسنت" استغل وجود 4 ثغرات جديدة ZERO - DAY، في المنظومة المحوسبة، تم إبلاغ شركة مايكروسوفت العالمية بها بشكل مباشر، وبالإضافة الى هذه الثغرات استخدمت الجهات القائمة على ابتكار الفايروس بطاقات مشفّرة شرعية معروفة بـ "Realtekו- JMicron"، وساعدت هذه البطاقات في جعل الفايروس أكثر ثراءاً وفاعلية.
وتعود المهندس غادة خليفة مسؤول شركة مايكروسوفت في منطقة الشرق الأوسط، للحديث عن المنشآت التي قد يطولها خطر الحرب الإلكترونية في الدول العربية، مشيرة الى أن الفايروسات الخطيرة من نوع "ستاكسنت"، تشكل خطورة بالغة على منظومات تشغيل "Simatic WinCC SCADA"، العديد من المؤسسات الحيوية، إذ تسيطر هذه الفايروسات على منظومات التشغيل الصناعية، ونظيرتها الخاصة بالبنى التحتية مثل منظومات أنابيب النفط، ومحطات القوى، وأجهزة الاتصالات العملاقة، والموانئ الجوية والبحرية، وكذلك السيطرة على المنشآت العسكرية.
الى ذلك يشير تقرير مؤسسة المضادات الفايروسية الأوروبية العملاقة كاسبر سكاي لابس "Kaspersky Labs"، إلى أن فايروس "ستاكسنت" الذي ضرب منظومة أحد المفاعلات النووية في إيران، هو النواة الأولى الفاعلة للسلاح الإليكتروني الموجه، الذي سيقود الى خلق صراع محموم بين الدول على التسلح في هذا المجال، بعدما كان الحوار مقتصراً في الماضي على دراسة بعض الحالات المنفردة للقرصنة المحوسبة، مثل تسلل القراصنة الصينيين الى منظومات الولايات المتحدة الالكترونيّة.
من الاردن:
أجهزة استخبارات عربية دخلت على خط الحرب الإلكترونيّة
تشير التكهنات إلى إمكانية اندلاع حرب إلكترونية عالمية، تلجأ خلالها دول متخاصمة إلى خوض حروب شرسة دون أن تخسر جنديا واحدا، ودون أن تعطب لها آلية واحدة، هذا ما يؤكده خبير في التكنولوجيا المعلوماتية لـ"إيلاف".
: بعد أن دخلت التكنولوجيا و الإلكترون إلى أصغر وأدق التفاصيل حول العالم، تسارعت الانطباعات حول إمكانية اندلاع حرب إلكترونية عالمية، تلجأ خلالها دول متخاصمة إلى خوض حروب شرسة دون أن تخسر جنديا واحدا، ودون أن تعطب لها آلية واحدة، هذا ما يؤكده خبير في التكنولوجيا المعلوماتية لـ"إيلاف"، إضافة إلى تأكيد خبير قانوني أن العالم لا يتحضر لهذه الحرب بالقدر الكافي، وأنه لا يوجد تشريعات قانونية رادعة.
ترك الهجوم التقني عبر فايروس (ستاكسنت) الذي ضرب مئات آلاف أجهزة الكومبيوتر حول العالم، وتحديدا إيران، الباب مفتوحا أمام خطر تكرر هذا الأمر، الذي بدا غير مألوف البتة، نظرا لإتقانه الشديد، وإحتمال وقوف جهات دولية سرية خلفه، لتعطيل قدرات الصناعة في المشاريع الصناعية الكبيرة، علما أن (ستاكسنت) قد شل قدرة أجهزة الكومبيوتر في أحد المفاعلات النووية الإيرانية، وأعاق قدرتها على التدشين في الوقت المحدد، الأمر الذي أثار مخاوف من قدرة جهات ما على تكرار الأمر، وضرب قطاعات شديدة الحساسية، وإستغلال تطبيقاتها الإلكترونية للهجوم عبر غارة فيرورسية شديدة التدمير.
"إيلاف" سألت خبير تكنولوجيا المعلومات أيمن الناطور، وإستفسرت منه أولا عن تفسيره لتنحي العشرات من خبراء تكنولوجيا المعلومات عن الحديث عن أخطار وشيكة، ومشتبهة لـ (ستكسنت) فأجاب أن العديد من الخبراء قد تنحوا عن هذه المسألة بسبب تخصصهم في السنوات الأخيرة، في التعاطي مع غارات الهاكرز العادية كإقتحام الأجهزة، ونشر الفايروسات البسيطة، والإحتيال عبر الإنترنت، إلا أن قلة من الخبراء فقط توجهوا الى إمكانية الربط يوما ما بين تطويع التكنولوجيا في عالم تصفية الحسابات السياسية بين الدول الكبرى المتخاصمة، مؤكدا أن هذا التفكير قد إستغرق سنوات طوال، وأن التنفيذ قد بلغ مستويات متقدمة جدا، وأن (ستاكسنت) له ما بعده على الصعيد السياسي عالميا، شارحا بأن الحرب العالمية الإلكترونية لم تعد مجرد إحتمالات، بل هي وشيكة جدا.
تبني القراصنة
ويؤكد الناطور بأن أجهزة الإستخبارات العالمية بدأت قبل سنوات عدة بالإهتمام بملف قراصنة الإنترنت، خصوصا المحترفين منهم، إذ باتت تتبع أخبارهم، وظروف توقيفهم في سجون عديدة حول العالم، وطبيعة قضايا القرصنة التي نفذوها، حيث جرى عقد صفقات سرية لشراء حرية هؤلاء مقابل مبالغ مالية ضخمة، خصوصا هؤلاء القراصنة الذين أحتجزوا في دول عدة في الشرق الأوسط، إذ تبخر العديد من القراصنة حول العالم، ولم يعد العديد منهم في السجون بل أصبحوا أحرارا طلقاء، وباتوا يعملون لحساب أجهزة غامضة يرجح أنها واجهات لجهات إستخبارية أكثر تعقيدا، عبر تفاهمات إحتكارية بأن يبقى نتاجهم الإجرامي على الشبكة العنكبوتية موجها من قبلها، وملكا لها أيضا.
ويضيف الناطور الذي يؤكد أنه كان شاهد عيان على تجربة قامت بها هيئة حكومية في بلد عربي قبل سنوات، تمثلت في توسط هذه الدولة العربية لمجموعة من القراصنة المشهورين عالميا بالخروج من السجن لأيام قليلة، وتمكينهم من القيام بعمليات قرصنة دولية، بحضور العديد من الشركات العالمية في مجال الأنظمة المعلوماتية، والسلامة العامة على شبكة الإنترنت، إذ ذهل الحضور من القدرة التنظيمية العالية للقراصنة في تأسيس شركات، وسحب أرصدة بنكية، والدخول في صفقات على بورصة الإنترنت، وتحقيق مكاسب، وجني أرباح في غضون ساعات قليلة، وهو الأمر الذي علق جرس المخاطر الواسعة لدى المهتمين في هذا المجال، حيث طرحوا وقتذاك السؤال الأهم، وهو عما إذا كان خطر عمليات القرصنة على الإنترنت قد تتوقف عند هذا الحد، ولا تتعدى حدود أكثر خطرا، وإحتمالات تبني هؤلاء من قبل جهات إرهابية عالمية.
عمل إستخباري
وبحسب الخبير الناطور فإن ما حدث في إيران والصين مؤخرا هو تجربة عملية لتجارب أو محاولات أكثر تعقيدا في المرحلة المقبلة، شارحا بأن (ستاكسنت)، وهي محاولات تقف خلفها أجهزة إستخبارات عالمية، قامت بتجنيد العديد من قراصنة الإنترنت المحترفين حول العالم، وأهدافها تتجاوز العمليات التقليدية التي دأب عليها القراصنة في عملياتهم.
فالخطط والبرامح أصبحت ذات طابع عسكري، وتوجهات حربية فأمن الدول المعادية، وإستقرارها الداخلي، وإقتصادها، أهداف باتت في متناول اليد من دون أن تتكلف هذه الدول أي أكلاف عسكرية أو مالية، حين تقرر مهاجمة دولة معادية لها.
ويشرح الناطور أن العديد من أجهزة الإستخبارات العربية قد تنبهت للفكرة، إذ قامت على مدى السنوات القليلة الماضية بإنشاء أقسام ضمن تركيبتها لتكنولوجيا وأنطمة المعلومات، وباتت توظف جيوشا من الموظفين الذين هم من المحترفين والموهوبين أساسا في القطاع التكنولوجي.
واعتبر أن الدول العربية أيضا دخلت على الخط فهي لا تريد أن تكون بعيدة عن إمتلاك الحرفية في أي حرب إلكترونية مقبلة، ويمكن إعتبار ولعها في توسيع كادر أقسام تكنولوجيا المعلومات سرا مؤشرا على رغبتها في خوض معارك إلكترونية صغيرة الحجم وقليلة الأهداف ضد دول تخاصمها.
سيناريوهات مرعبة
وحول الفرق من الناحية التكنولوجية بين قيام قرصان بالإحتيال الإلكتروني، أو نشر فايروس، أو إقتحام مواقع إلكترونية وتدمير محتواها، وقيام قراصنة بتصميم (ستاكسنت) المخصص لإيذاء القطاعات الصناعية الضخمة حول العالم، يؤكد الخبير الناطور أنه لا فرق ما دام عقل القرصان الإلكتروني هو الأساس والمعيار، شارحا أنه في عمليات القرصنة الدولية، والمخصصة لإيذاء الدول، كما حدث في حالة (ستاكسنت) ، وهي حالات لها ما بعدها في المرحلة المقبلة، فإن الجهات الدولية السرية التي تقف خلف هؤلاء القراصنة، توفر مظلات حماية وتمويل، وتعمل على توسيع هامش الأهداف الجديدة أمام القراصنة، فبدلا من تكون أهدافهم الصغيرة مثل العبث والتسلية عبر نشر الفايروسات، يتم الطلب منهم مثلا تصميم فايروس تعمد تطبيقاته بمجرد نشره الى إحداث خلل في أحد مشاريع توليد الطاقة الكهربائية في بلد ما، وهو الأمر الذي قد يغرق مدينة كبرى مثل نيويورك في الظلام الدامس خلال ثواني قليلة.
ويتابع الناطور القول أنه يمكن تصميم فايروس آخر لإقتحام برمجيات بورصة دولية شهيرة عالميا، تعمد تطبيقاتها الى إحداث خلل تقني في نظام التداول، وهو أمر يمكن أن ينجم عنه خسائر مالية مروعة قد تتسبب بصدمة مالية عالمية، لافتا الى أنه في عمليات أخرى قد يستهدف الأمر تدمير أنفاق قطارات، أو تدمير طائرات، وإحراق مصافي نفطية.
وأكد أن هذا الأمر يصعب تعقب فاعليه بسهولة، خصوصا إذا ما تأكد أن أجهزة إستخبارية هي من تدعم وتمول وتخطط، فعلى سبيل المثال يمكن أن يكون جهاز إستخبارات (س) وراء تجنيد قرصان عميل من بلد (ص) ويقيم في دولة (ع)، وأرسل تطبيقات قرصنته الإلكترونية نحو بلد (ط)، وهي عملية معقدة جدا، قد يستغرق تعقبها أشهرا، وبالتالي لا يمكن أن تنسب الى عمل منظم، أو تحديد جهة ما تقف خلفه.
وحول إمكانية المعالجة والتصدي للفيروسات أكد الناطور أن صد أي فايروسات تبقى ممكنة في إطار العمل الدؤوب لإنتاج البرمجيات المضادة للفيروسات، وتصميم برامج الحماية الوقائية، والتحديث المستمر لأطر السلامة العامة للشبكات في المؤسسات والمصانع الضخمة، هي عوامل من شأنها أن تصد الى حد ما الغارات الفيروسية، إلا أن نسبة الإختراق تبقى عالية، موضحا أن المعالجة بعد الإختراق الفاروسي ممكنة هي الأخرى، لكن غالبا تتم عبر تطهير وتنظيف الأجهزة من الملفات المخترقة، وهذا يستغرق وقتا طويلا، لكن في حالة تطور الأهداف، وإستهداف منشآت عالمية حساسة، ووقوع أضرار كبرى، فإن هامش المعالجة يكون قد ضاق الى حد كبير.
تشريعات قاصرة
وفي هذا الإطار يكشف القانوني عبدالله المجالي الخبير في مجالات الشريعات الإلكترونية أن تحضيرات دول العالم في وجه مخاطر قد تتعاظم بشأن الأخطار الناجمة عن إساءة إستخدام الإنترنت، وتكنولوجيا المعلومات، وتبدو تحضيراتها لإتقاء هذه المخاطر، قاصرة جدا، والإتفاقيات الثنائية الموقعة في هذا الإطار تبدو غامضة وغير دقيقة.
ولا تشمل الخطر الحقيقي والمستقبلي، الذي سيتخذ وجوه أمنية وإستخبارية وعسكرية في المستقبل القريب، إذ أن معظم التشريعات المتداولة حاليا تصلح للتعاطي مع أشكال الإحتيال المصرفي عبر الإنترنت، والإحتيال التجاري، وملاحقة مصممي ومطلقي الفايروسات المخصصة لأغراض تعطيل عمل المواقع، وتدمير محتواها، وكذلك الفايروسات التي تعطل أجهزة الكومبيوتر، وتستطيع أغلب البرمجيات المتاحة من التصدي لها، وتنظيف الأجهزة منها.
وفي سبيل ذلك يطلب الخبير القانوني المجالي من دول العالم أن تتداعى فورا للإتصال بالخبراء في مجال تكنولوجيا برمجيات الحماية والسلامة حول العالم، ومعهم خبراء القوانين الخاصة بالمعاملات الإلكترونية، لتنظيم قمة عالمية تحدد فيها الأخطار المستقبلية، وأصدار تشريعات تكنولوجية وقانونية جديدة ومشددة ورادعة، على أن تكون ملزمة لدول العالم تحت أي صيغة أممية ممكنة، وذلك بهدف الحد من تعاظم الأخطار الناشئة عن سوء إستخدام التطبيقات التكنولوجية، حيث أن دول العالم الحديث لا تتحضر بالقدر الكافي للإحتمالات المتعاظمة بشأن إندلاع حروب إلكترونية يكون مسرحها العالم كله.
من الجزائر:
مخططات دول وليست نزوات أفراد
خبراء جزائريّون يؤكدون: الحرب الإلكترونيّة الكونيّة قادمة
يؤكد خبراء جزائريون حاورتهم "إيلاف"، أنّ الهجوم الالكتروني الأخير على إيران ليس تقليدياً، ويعدّد أربعة خبراء جملة من الشواهد التي تثبت صلة المهاجمة الالكترونية بمخططات دول وليس نزوات أفراد، ما يشكّل مؤشراً لحرب قادمة على نطاق واسع، تجد الجزائر نفسها مهددة فيه.
يشدّد الأستاذ يونس قرّار الخبير في المعلوماتية، على أنّ ما تعرضت له إيران مؤخرا هو هجوم الكتروني غير تقليدي يتعدى ما يقوم به عادة قراصنة النت أو من يُطلق عليهم "الهاكرز"، ويشرح قرّار أنّه لا يمكن تبسيط الهجوم الأخير ضمن معركة بين تقنيين، يريدون من خلالها تحدي بعضهم بعضا، بل هي خطوة وقفت ورائها دولة معيّنة من أجل تحطيم النظام المعلوماتي لدولة أخرى ومحاولة سرقة المعلومات التي بحوزتها، ومحوها من مصدرها الأصلي.
في الحالة الإيرانية، يذهب قرّار إلى التأكيد على كون البرامج المعلوماتية المتصلة بالنشاط النووي لطهران، ليس متاحا على شبكة النت، لذا يترصد مهندسو الهجمة المعلومات الخاصة بالشركة المشرفة، ويسعون لمعرفة خبايا المهندسين المتحكمين، من خلال مهاجمتهم أجهزتهم، ويمكن بشيء من التهاون أن ينجح المهاجمون في بلوغ الهدف، كأن يجنح أحد المهندسين إلى استخدام هاتف أو كمبيوتر غير مؤمّن، للاطلاع على المعلومات، حينها يستطيع المهاجمون الولوج، من خلال فايروس مثل "ستاكسنت" وهو برنامج صغير يقتحم الجهاز المستهدف ويقوم بالتخريب.
ويتفق الخبير قرّار مع "مراد بشري" في كون الهجمات الالكترونية التي تقودها الدول، يُنتقى لها نخبة المتخصصين، والأمر ينطلق على ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية منذ هجمات الحادي عشر سبتمبر، من خلال تصنيعها برامج لا تستجيب للمستعمل المعني بل لمستعملين عن بعد، مثل برنامج "حصان طروادة" وهو برنامج يعمل داخل جهازك، لكنه يشتغل لصالح غيرك، ويمكن للواقف وراء حصان طروادة أن يطلع على أي رسالة ويطلّع على أدق أسرار صاحبها.
ويشير قرّار إلى ما حصل من اختراقات لبرامج الكترونية صُممت لأغراض حسنة بيد أنّه جرى تحويرها، على غرار نظام التعليم عن بعد، ولا يخفي قرّار أنّ ثمة معطيات تؤكد التأثير المتنامي لواشنطن على شركات المعلوماتية داخل أراضيها وتوظيفها لأغراض معروفة.
حرب الكترونية عالمية: سيناريو مُرجّح الحدوث
يبدي الأستاذ قرّار يقينا بكون حربا عالمية ثالثة عنوانها الأكبر "الصدام الالكتروني" أمرا محتمل الحدوث، ويبرر أحد عرّابي المعلوماتية في الجزائر، توقعه بكون كل شيئ في الكون صار مرتبطا بشبكة المعلوماتية، إلى حد تحولّت معها الكرة الأرضية إلى قرية مصغرّة.
ويلفت قرّار إلى أنّ جميع مناحي الحياة من بنوك واتصالات ومرافق مجتمعية، فضلا عن سائر الهياكل الخدماتية والمؤسسات، صارت موصولة بالمعلوماتية، وحتما فإنّ تعطل أجهزة الكمبيوتر في بلد ما، ينتج عنه تعطلاّ شاملا لحركيته، فما بالك بهجوم الكتروني كاسح يستهدف تخريبا شاملا للمنظومة المعلوماتية، والحرب الالكترونية لها صلة بمدى استعمال هذه الوسائل.
من جانبه، يشير عبد العزيز دردوري المدير العام لشركة أمن الشبكات المعلوماتية، إلى قناعته بكون القادم الكترونيا سيكون أفدح، لا سيما وأنّ جرائم الأنترنت باتت أكثر رواجا، وتطال الهيئات الحكومية، وسائر المؤسسات المالية. ويحيل دردوري على تكاثر هجمات حجب الخدمة، أو ما تُعرف بـ Denial of Service Attacks.
ويقرّ دردوري بكون بلاده ليست مؤمنّة ضدّ الهجمات الالكترونية، خصوصا في ظلّ تأخرها على صعيد تكنولوجيا صناعة البرمجيات، وعدم تحكمها بما يسمى "الهاردوير" و"السوفتوير"، فيما يبدي مراد بشيري الخبير في المعلوماتية، جزعا، خصوصا مع تمكّن إسرائيل من اختراق العديد من الأنظمة.
ولا يجد بشيري حرجا من الإقرار بسهولة اختراق الجزائر إلكترونيا، خصوصا مع النظام المعلوماتي الذي تتكئ عليه سائر المؤسسات والهيئات في الجزائر أميركيّ محض وليس محلي التصميم، ما يشرّع الباب واسعا أمام المحاذير، على غرار ما يفعله برنامج "وينداوز 7" الذي يتمكنّ مهندسوه من الإطلاع على ما تفعله دون أن يدرك المستعمل شيئا.
وبشأن سبل مواجهة، يركّز خبراء جزائريون متخصصون في مكافحة الجرائم الإلكترونية، على أنّه من الممكن من خلال توفير نظم وقائية الكشف المبكر عن حالات القرصنة ومعرفة مصادرها، طالما أنّ استباق الهجمات الإلكترونية وتطوير مواجهتها بفعالية صار أمرا حتميا، في ظلّ بلوغ الهجمات حدود الثلاثة آلاف كل شهر.
وفي هذا الصدد، يشير الأستاذ حميد بصالح وهو الوزير السابق للبريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال في الجزائر، إلى ضرورة تعزيز حماية أكبر من مخاطر الاختراق والتخريب المتواصل للمواقع الإلكترونية والحواسيب وسرقة المعلومات المحمية، فضلا عن أرقام البطاقات الائتمانية المتعلقة بالهيئات الحكومية والشركات الخاصة، إضافة إلى حتمية التزود بالوسائل اللازمة لمعرفة مرتكبي الهجمات وتسليط العقوبات اللازمة ضدهم، مع استحداث نظام للوقاية والحماية من جرائم الأنترنت، عقب سلسلة الهجمات الاختراقية لجملة من المواقع المحلية التي شكّلت هدفا لقراصنة النت.
بالمقابل، يعتقد الخبير"الهادي كلكالي أنّ الجزائر لا تزال من الدول المتخلفة عن ركب تكنولوجيا الإنترنيت سواءا تعلق الأمر من حيث سرعة أداء الشبكة العنكبوتية أو من جانب مدى وعي الجماهير بأهمية الإنترنيت في الحياة اليومية، ما يجعلها في منأى عن أي تداعيات بحسبه. وينتقد كلكالي القيود التي تفرضها السلطات الجزائرية على الأنترنت في الجزائر، وعدم توافرها على تكنولوجيا علمية متطورة، في ظل الاعتماد على سياسات تقليدية.
وفي حال قيام أي حرب إلكترونية في المستقبل القريب، يتصور كلكالي أنّ الجزائر ستغدو مخيّرة بين أمرين، أولاهما: أن لا تأبه، وثانيهما أن تغلق كل الآفاق وبالتالي تكرّس حالة الانغلاق العلمي حفاظا على مصالح إستراتيجية معينة تخص السلطة القائمة.