نيتفليكس منذ أن بدأت، وقررت وضع قدمها في عالم البثّ الإلكتروني بقوة. ومع الوقت، باتت هي المنصة الأضخم على الساحة، وأصبحت العدوّ اللدود للتلفاز الفضائي. حتى أنها لم تترك السينما وشأنها، فقامت أيضًا بإنتاج أفلام سينمائية ضحمة لحسابها الشخصي، وتعاقدت مع أيقونات إخراجية مثل مارتن سكورسيزي، وأيقونات تمثيلية مثل ألباتشينو.
وفي الآونة الأخيرة بالتحديد، شرعت نيتفليكس في تسليط الضوء على الأعمال العربية بعض الشيء، وأظهرت اهتمامًا شديدًا بتغذية مكتبتها العربية. فمنذ فترة قصيرة قامت بإضافة مسرحيات الزمن الجميل إلى مكتبتها، والتي ضمت عباقرة المسرح مثل فؤاد المهندس وعادل إمام ويونس شلبي، وغيرهم الكثير. تلك الخطوة قابلها الجمهور العربي بحفاوة كبيرة، والآن نيتفليكس تشجعت أكثر على الاهتمام به. وأثمر ذلك التشجُّع عن تقديم أفلام عربية جديدة. والأفلام هذه المرة على رأسها كفرناحوم، وإلى سما، وستموت في العشرين.
اليوم سوف نتحدث عن الأعمال العربية الجديدة التي ستضمها نيتفليكس إلى مكتبتها قريبًا.
لماذا الأفلام هذه المرة على نيتفليكس مميزة للغاية ؟
التميز هذه المرة يرجع للعناوين نفسها، وللصدى الذي حققته في المهرجانات العالمية.
فيلم كفرناحوم اللبناني كان صدمة مدوية، ووصمة عار على جبين الحكومات العربية. أظهر الفيلم الضياع المالي والنفسي الذي يعاني منه الأطفال في الوطن العربي، خصوصًا هؤلاء الذين وُلدوا لعائلات تعاني من ضوائق مالية شديدة. وسلط الفيلم الضوء على أسباب المشكلة فعلًا. بداية من جهل الأسرة بمسؤولية جلب أبناء إلى هذه الحياة، مرورًا بعدم اهتمام الحكومات العربية بأبناء الوطن نفسه، ووصولًا إلى الأيدولوجيات التي توهم البشر أن كثرة الأطفال، تساوي السند في الحياة. ونتيجة لفكرته الممتازة، ترشح الفيلم لجائزة الأوسكار 2019 لأفضل فيلم أجنبي.
أما بالنسبة لفيلم إلى سما ، فالقضية هنا مختلفة تمامًا، لكن لها نفس الصدى والمردود. هو فيلم سوري ترشح لـ 59 جائزة عالمية، وحصل على لقب أفضل فيلم وثائقي في حفل جائزة البافتا لعام 2019. يتحدث الفيلم عن رجل وامرأة، تزوجا في سوريا المدمرة على إثر الحروب، وأنجبا طفلة، وأسموها سما. خلال الفيلم نعيش الأحداث الحقيقية التي يمر بها أهل سوريا. والتي تنطوي على الخوف، الرهبة، التشتت النفسي، وعدم القدرة على إكمال العيش. خطف الأضواء سريعًا، نظرًا للمأساوية التي جسدها ببراعة، والتي في بعض الأحيان، يتعمَّد الإعلام العربي غض الطرف عنها لأغراض سياسية.
أما ستموت في العشرين، فهو الجوهرة التي صقلتها السودان، وأبهرت بها العالم فعلًا. تمثلت براعة الفيلم في شقين: الأول هو إظهار تأصل الخرافة الممتزجة بالدين في عقول الشعوب، والثاني هو إبراز أهمية الفن في تغيير حيَوات البشر. حيث تتحدث قصة الفيلم عن الشاب مُزَّمِل، الذي عند ولادته تنبأ أحد رجال قريته التي يدين أهلها بالصوفية، أنه سوف يموت في سن الـ 20. ويعيش الفتى حياته في خوف من عيد ميلاده الـ 20، لكن عندما تجعله الأقدار يقف في وجه مصور سينمائي كبير في السن، تتغير حياته تمامًا.
وليس هذا فقط، أيضًا القائمة تضم الفيلم الجزائري بابيشا، والفيلم التونسي-الفرنسي بيك نعيش.
هل هذا كل ما تخبئه نيتفليكس في جعبتها فقط ؟
في الواقع، لا.
صدور هذه الأفلام بالفترة القادمة هو عبارة عن استكمال لحملة تعزيز عربية مهولة، أخذت نيتفليكس على عاتقها مهمة قيادتها. مؤخرًا أضافت نيتفليكس إلى مكتبتها العربية أعمالًا كثيرة للمخرج العبقري يوسف شاهين، حيث بالضبط أتت 10 أفلام للمخرج إلى المنصة. وعلى رأسها: عودة الابن الضال وإسكندرية ليه وحدومة مصرية واسكندرية كمان وكمان.
ولم يكن يوسف شاهين الوحيد الذي حصل على الحفاوة التي استحقها فعلًا، لكن كانت المنصّات (العربية حتى) عمياء تمامًا عنها. أيضًا تم إعطاء يسري نصر الله حقه، وقدمت نيتفليكس ثلاثة أفلام له، ألا وهي: سرقات صيفية ومرسيديس والمدينة.
ما تأثير هذه الحملة الإثرائية على المحتوى العربي ؟
بالنسبة إلينا كمستهلكين، سنجد مكتبة جبّارة للأعمال العربية، في مكانٍ واحد، وباشتراك زهيد للغاية. وعلى الناحية الأخرى بالنسبة للشركات، سوف تتشجع لتقديم أعمال قوية باشتراكات زهيدة أيضًا، وإلا لن يكون لها سوق على الإطلاق. كما أن حملة نتيفليكس الإثرائية ربما في يومٍ ما، تشجع الحكومات العربية على الاهتمام بالفن كما تهتم بالسياسة. وأن تقدم فعلًا ميزانية تستطيع تقديم أعمال سينمائية (قومية) ذات مستوى هوليودي، بدلًا من تخصيص الأموال لشراء السلاح وصنع الخصوم.
أحمد سامي - أراجيك