في ذكرى وفاة السيد القاسم بن الإمام الكاظم عليهما السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
الاسم المبارك والولادة:
السيد القاسم بن الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
ولد سلام الله عليه عام 150 للهجرة الشريفة عاصر خلال حياته الشريفة أربعة من خلفاء بني العباس وهم المنصور الدوانيقي، المهدي، الهادي وهارون، لم تحدّد لنا المصادر تاريخ ولادته، إلاّ أنّه من مواليد القرن الثاني الهجري، وأُمّه أُمّ ولد ، تكنّى بأُمّ البنين.
منزلته وصفاته:
كان سلام الله عليه جليل القدر ويكفي في جلالته شأنه ما رواه ثقة الإسلام الكليني في الكافي في باب النص عن الإمام علي ابن موسى الرضا عليه السلام عن يزيد بن سليط عن الإمام الكاظم عليه السلام في طريق مكة وفي ان الإمام قال له: «...اخبرك يا أبا عمارة اني خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان وأشركت معه بني في الظاهر وأوصيته في الباطن فأفردته وحده ولو كان الأمر إلي لجعلته في القاسم ابني لحبي إياه ورأفتي عليه ولكن ذلك إلى الله عز وجل يجعله حيث يشاء...».
روى الشيخ الكليني أيضاّ عن سليمان الجعفري انه قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام (عندما احتضر أحد أولاده) يقول لإبنه القاسم: «قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك (والصافات صفا) حتى تستتمها، فقرأ فلما بلغ: (... أهم أشد خلقاّ أم من خلقنا...) قضى الفتى».
فيظهر من هذين الخبرين كثرة عناية وتوجه الإمام عليه السلام إلى القاسم.
المرقد المبارك ومدينة القاسم:
تعرض اهل بيت العصمة والطهارة الى انواع الاذى من قبل الطغاة والظلمة فهاجر الكثير منهم تاركين الاهل والاولاد ومجاورة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وبيت الله المعظم بل الحجاز اجمع ميممين الى مقاصد شتّى وفق الظرف والوقت فكذا سيدنا القاسم عليه السلام حيث هاجر من مدينة جده المصطفى قاصداً العراق مع القوافل التجارية التي فارقها عند مشارف الكوفة ليسير بمحاذاة نهر الفرات قاطعاً المسافات الطوال تاركاً كل قرية أو مدينة يمر بها حتى وصل إلى منطقة سورى إذوجد بنتين تستقيان الماء فقالت أحداهن للأخرى: «لا وحق صاحب بيعة الغدير ما كان الأمر كذا وكذا»، فسرَّ لسماع هذا القسم وتقدم باستحياء ليسأل التي أقسمت: من تعنين بصاحب بيعة الغدير؟
فأجابت: انه سيدي ومولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام.
عندها أطمأن قلبه وهفت نفسه لأهل هذا الحي الذي يسمى (حي باخمرا) نسبة الى كثرة خمار الطين ـ وهو التراب المخلوط بالماء والتبن المستخدم في البناء ـ.
طلب السيد الجليل القاسم عليه السلام من البنت صاحبة القسم ان تدله على مضيف رئيس الحي، فأجابة ان رئيس الحي هو أبي،بعد ذلك رحب بدوره بالضيف وأحسن ضيافته.
انتظر السيد القاسم عليه السلام حتى مضت ثلاثة أيام الضيافة، فبادره بقوله: «ياعم ما عبد الله بأفضل من العمل فهلا وجدت لي عملا يكون لي مغنماً؟ فقد طاب لي العيش بين ظهرانيكم».
أبدى الشيخ استعداده لاستضافة السيد القاسم عليه السلام مدى عمره، إلا انه أمام إصراره عليه السلام طلب إليه أن يختار عملا بنفسه عندها اختار أن يكون ساقيا للماء لما في سقاية الماء من اجر عظيم.
فجذب عليه السلام بورعه وتقواه وعبادته وعلمه أنظار أهل الحي وفي مقدمتهم رئيسهم الذي يوليه اهتماما بالغاً وكان كلما تفقده ليلا وجده صافاً قدميه قائماً راكعا ساجدا ونوره ساطع الى عنان السماء ثم انه يمضي نهاره صائما غالب الأيام، لذا استقر في نفسه أن يزوجه إحدى بناته فعرض الأمر على قومه فأنكروا عليه ذلك لأنهم لم يعرفوا له حسباً ونسباًـ إذ السيد لم يطلع احداً على امره ـ ولم يوقفهم على نسبه الشريف مخافة بطش السلطة الغاشمة.
لم يكترث الشيخ لاعتراض قومه فمضى في مشيئته ليعرض أمر الزواج على القاسم عليه السلام.
استجاب الامام القاسم عليه السلام لعرض الشيخ مفضلا البنت صاحبة القسم التي دلته على مضيف أبيها يوم قدومه الحي وبهذا تشبه قصتهما وقعلنبي الله موسى عليه السلام من هذه الجهة.
ظهرت من السيد القاسم عليه السلام كرامات وصفات لم تجتمع لشخص خلال وجوده في الحي فقد وفرت مياههم وزادت غلتهم وبورك في مجهوداتهم إضافة إلى ماتمتع به عليه السلام من حسن شمائل وطيب معشر وسمو أخلاق وغزارة علم أفاضت على أهل الحي، فضلاً عن شجاعته التي وصلت أن يرد بمفرده ما سلبه الغزاة من الحي بعد ان قاتلهم وشتت جمعهم إذا وقعت الحادثة بغياب رجال الحي واستنجاد النسوة بالقاسم عليه السلام الذي تبع الغزاة واسترجع ما بأيديهم لتقص النساء ما حدث للرجال عند عودتهم وما كان من شجاعته ونخوته فاكبروا مقامه وأجلّوا شخصه أكثر.
ومرقد السيد القاسم عليه السلام يبعد عن الحلة ثمانية فراسخ وهو مزار كافة الناس والعلماء والأخيار وله في زيارته عناية خاصة ورغّب السيد ابن طاووس في زيارته وقال صاحب عمدة الطالب انه لم يعقب.
وتقع ناحية القاسم في مدينة الحلة على ضفاف نهر الفرات وتبعد 35 كيلومترا عن مركز المحافظة، وما يقارب 70 كيلومترا عن مدينة كربلاء المقدسة جنوباً، واسمها الآرامي فهو سورى أو صورى.
جدير بالذكر أن قبة ضخمة من الذهب تحيط بها منارتان تعلو مرقد صاحب الكرامات السيد القاسم عليه السلام، وقد اكثر الشعراء من المدح لهذا المرقد المقدس قال احدهم:
إن شئتَ أن تحيا وعيشك ناعمُ فاقصدْ ضريحاً حلّ فيه القاسمُ
فيه تُحلّ المشكلات فقبرهُ كالبيت، في زوّاره متزاحمُ
تقضى به الحاجات وهي عويصة ويردّ عنك السوء وهو مهاجم