المخدرات والابتزاز الالكتروني أسباب جديدة للانتحار
تتداول صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر قصصا مختلفة عن نساء ورجال قرروا إنهاء حياتهم بطرق مختلفة منها الحرق أو الارتماء من مجسر أو بالشنق، غير أن هذه القضايا لا تنتهي في المحاكم إلا بعد إجراءات تحقيقية عميقة.
فبعد هذه الحوادث تمعن المحاكم بحثا عن الأسباب وما إذا كانت هناك خفايا خلفها، فهل هناك عقوبات تطول مسببي هذه الحالات أو المحرضين عليها، وما هي أسباب هذه الحوادث في الغالب؟
يقول قاضي محكمة جنايات الكرخ حيدر جليل البيراوي إن "المادة 408 من قانون العقوبات العراقي رقم 11 لسنة 1969 النافذ ناقشت ومن خلال ثلاث فقرات موضوعة التحريض على الانتحار".
وأضاف البيراوي أن "الفقرة الأولى من المادة تناولت عقوبة المحرض على الانتحار أو الشخص المساعد كأن يقوم بتوفير أو تجهيز أدوات الانتحار أو يساعد بشكل ما على ارتكاب الحادث"، لافتا إلى أن "الفقرة نصت على ان يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سبع سنوات في حالة تمت عمليه الانتحار"، ويواصل بالقول إنه "في حال لم يتم الانتحار وفقط تم الشروع فيه ولم يكتمل كان أطلق الضحية عيارا ناريا من مسدس ولم يصب نفسه أو انقطع الحبل وعدة أمثلة أخرى هنا تكون العقوبة الحبس من 24 ساعة إلى خمس سنوات".
ويفصل القاضي البيراوي الفقرة الثانية من القانون بالقول أن "المنتحر إذا لم يتم الـ (18) سنة من عمره أو إذا كان ناقص الأهلية (مصاب بمرض عقلي) يعد ذلك ظرفا مشددا على المحرض أي انه ينال أقصى درجات العقوبة والتي قد تصل للسجن المؤبد".
وأوضح أن "لا عقاب على المنتحر أو من شرع بالانتحار ولكن الرأي العام والعرف المجتمعي يعاقبه بالزجر الديني والاجتماعي إضافة إلى العقوبة السماوية"، مبينا أن "أكثر حالات الانتحار الواردة إلى المحاكم هي من قبل النساء".
وبحثا في الأسباب، في ما يخص الرجال فأن البيراوي يبين أن "حالات الانتحار الواردة اغلبها بسبب العوز المادي الذي تفاقم في الفترة الأخيرة بسبب الظروف الاقتصادية والأمنية وكذلك بسبب التركيب المجتمعي الهش".
ويلفت إلى أن "الاسباب التي تدفع النساء في الغالب إلى الانتحار هو التضييق الأسري والعنف الذي تتعرض له النساء سواء من الزوج أو الأب أو الأخ، فالاعتداء بالضرب والاضطهاد يؤدي إلى الانتحار أو يعتبر من عوامله ولكلا الطرفين نساء او رجال".
ويضيف قاضي محكمة جنايات الكرخ أن "التضييق من قبل الزوج أو الأهل على الفتيات من أهم عوامل الانتحار المرصودة حاليا وكذلك بعض الأعراف الاجتماعية أو حرمان الفتيات من التعليم أو التواصل المجتمعي وكذلك مع دخول مواقع التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) او متابعة برامج تلفزيونية وكثير من الأسباب الحياتية كانت واردة في الحالات المعروضة أمام قضاة المحاكم".
آفة المخدرات
ويعرج القاضي على "أسباب أخرى تدفع كثيرين للانتحار غير العوز المادي انتشرت في الآونة الأخيرة وخاصة لدى الشباب وهو تعاطي المخدرات وانتشارها بين الإفراد إذ أن كثيرا من الحالات الواردة كانت بفعل تعاطيها وتعاطي الحبوب المخدرة والتي تسببت بكثير من الكوارث العائلية والمجتمعية".
غسل العار
ويؤكد البيراوي أن "غسل العار كذلك من القضايا المهمة في موضوعة الانتحار او التحريض عليه حيث تظهر اغلب قضايا الانتحار المعروضة في مراكز الشرطة بأنه هناك تحريض من ذوي المنتحر على قيامه بجريمة الانتحار من أجل التغطية أو إعفاء من يرشح لتنفيذها ولأجل درء العقوبة عنه، ويلفت إلى انه اغلب هذه القضايا تكثر في المناطق الريفية والشعبية وتتسم الحالات أيضا بتعاون جميع أفراد الأسرة في إخفاء معالم الجريمة للتخلص من النقد الاجتماعي، وعلى سبيل المثال كأن تحترق الفتاة او الشاب في الحمام أو بالمدفأة أو السقوط عند نشر الغسيل إلا أن التحقيقات لاحقا تظهر أو من خلال تقرير الطب العدلي بأن سبب الوفاة هو القتل خنق أو ضرب وغيرها"، مبينا انه "في هذه الحالات يتغير الوصف القانوني للمادة فتتحول إلى المادة العقابية الى 405 _406 من قانون العقوبات العراقي وهي القتل والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام".
الأحداث وزواج القاصرين
ويلفت قاضي محكمة الجنايات إلى أن "الأحداث وعمرهم الصغير هم عرضه سهلة إلى التحريض او تنفيذ حالات الانتحار خاصة الفتيات القاصرات ممن يتم تزويجهن بأشخاص غير أكفاء لهن بالعمر، أو غير مناسبين اجتماعيا فتكون هذه الزيجة من الأسباب المؤدية إلى الانتحار ناهيك عن التغرير بهن وابتزازهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومساومتهن لاستخدام التكنولوجيا بشكل غير صحيح ما أدى إلى وقوعهن فريسة الابتزاز ما يشكل الانتحار ردة فعل في هذه القضايا وهو على صعيد أحدث الأسباب".
ويتفق معه بالقول القاضي صهيب أديب مرجان قاضي محكمة تحقيق الكرخ، مضيفا أن "العديد من الشكاوى ترد إلى محاكم التحقيق تظهر فيها التحقيقات إن جريمة الانتحار تمت بتحريض او تكون جريمة قتل عمد لكن التحقيقات تبين نوعيتها وبطبيعة السياق القانوني تحال إلى محاكم المختصة لاسيما محاكم الجنايات".
ويلفت القاضي إلى أن "اغلب من يقومون بعمليات الانتحار هم من قليلي الإدراك والواقعين تحت الضغط المجتمعي وأن انتشار تكنولوجيا التواصل الاجتماعي ساهمت بتنامي حالات الانتحار وان اغلب ما يعرض على محكمته هي محاولات الابتزاز خاصة بالصور التي غالبا ما تتواجد في الهواتف الضائعة أو المسروقة او من يتعاطون المخدرات وهذه المشكلتان تعتبر أهم العوامل الحديثة في وجود حالات انتحار او تحريض عليه"، مختتما بالقول إن "عقوبات القانون العراقي فصلت بفقرات حسب التحريض وأداة الجريمة والفئة العمرية والإدراك العقلي".