سُئِلَ الْإِمَامُ الصَّادِقُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) :
أَخْبِرْنِي عَمَّنْ قَالَ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ قَالُوا ذَلِكَ ؟
وَبِأَيِّ حُجَّةٍ قَامُوا عَلَى مَذَاهِبِهِمْ ؟
قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : إِنَّ أَصْحَابَ التَّنَاسُخِ قَدْ خَلَّفُوا وَرَاءَهُمْ مِنْهَاجَ الدِّينِ وَزَيَّنُوا لِأَنْفُسِهِمُ الضَّلَالاتِ وَأَمْرَجُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الشَّهَوَاتِ ، وَزَعَمُوا أَنَّ السَّمَاءَ خَاوِيَةٌ مَا فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا يُوصَفُ ، وَأَنَّ مُدَبِّرَ هَذَا الْعَالَمِ فِي صُورَةِ الْمَخْلُوقِينَ بِحُجَّةِ مَنْ رَوَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ .
وَأَنَّهُ لَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ وَلَا بَعْثَ وَلَا نُشُورَ وَالْقِيَامَةُ عِنْدَهُمْ خُرُوجُ الرُّوحِ مِنْ قَالَبِهِ وَوُلُوجُهُ فِي قَالَبٍ آخَرَ ، إِنْ كَانَ مُحْسِناً فِي الْقَالَبِ الْأَوَّلِ أُعِيدَ فِي قَالَبٍ أَفْضَلَ مِنْهُ حُسْناً فِي أَعْلَى دَرَجَةِ مِنَ الدُّنْيَا ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئاً أَوْ غَيْرَ عَارِفٍ صَارَ فِي بَعْضِ الدَّوَابِّ الْمُتْعَبَةِ فِي الدُّنْيَا أَوْ هَوَامَّ مُشَوَّهَةِ الْخِلْقَةِ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ صَوْمٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا شَيْءٌ مِنَ الْعِبَادَةِ أَكْثَرُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ مَعْرِفَتُهُ ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا مُبَاحٌ لَهُمْ مِنْ فُرُوجِ النِّسَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ نِكَاحِ الْأَخَوَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْخَالاتِ وَذَوَاتِ الْبُعُولَةِ ، وَكَذَلِكَ الْمَيْتَةُ وَالْخَمْرُ وَالدَّمُ .
فَاسْتَقْبَحَ مَقَالَتَهُمْ كُلُّ الْفِرَقِ وَلَعَنَهُمْ كُلُّ الْأُمَمِ ، فَلَمَّا سَأَلُوا الْحُجَّةَ زَاغُوا وَحَادُوا فَكَذَّبَ مَقَالَتَهُمُ التَّوْرَاةُ وَلَعَنَهُمُ الْفُرْقَانُ ، وَزَعَمُوا مَعَ ذَلِكَ أَنَّ إِلَهَهُمْ يَنْتَقِلُ مِنْ قَالَبٍ إِلَى قَالَبٍ وَأَنَّ الْأَرْوَاحَ الْأَزَلِيَّةَ هِيَ الَّتِي كَانَتْ فِي آدَمَ ثُمَّ هَلُمَّ جَرّاً تَجْرِي إِلَى يَوْمِنَا هَذَا فِي وَاحِدٍ بَعْدَ آخَرَ ، فَإِذَا كَانَ الْخَالِقُ فِي صُورَةِ الْمَخْلُوقِ فَبِمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا خَالِقُ صَاحِبِهِ ؟ وَقَالُوا إِنَّ الْمَلَائِكَةَ مِنْ وُلْدِ آدَمَ كُلُّ مَنْ صَارَ فِي أَعْلَى دَرَجَةِ دِينِهِمْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلَةِ الِامْتِحَانِ وَالتَّصْفِيَةِ فَهُوَ مَلَكٌ فَطَوْراً تَخَالُهُمْ نَصَارَى فِي أَشْيَاءَ وَطَوْراً دَهْرِيَّةً يَقُولُونَ إِنَّ الْأَشْيَاءَ عَلَى غَيْرِ الْحَقِيقَةِ ، قَدْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَأْكُلُوا شَيْئاً مِنَ اللُّحْمَانِ لِأَنَّ الدَّوَابَّ عِنْدَهُمْ كُلَّهَا مِنْ وُلْدِ آدَمَ حُوِّلُوا مِنْ صُوَرِهِمْ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُ لُحُومِ الْقُرُبَاتِ .
المصدر : (البحار : ج10، ص176، عن كتاب الاحتجاج.)