أم كافكا تتجسس على رسائل ابنها
حين كنتُ أطلعُ على رسائل كافكا إلى فيليس باور بترجمتها الإنكليزية كانت ثمة رسالة منشورة بعثتها أمه إلى فيليس.ولا نعلم الطريقة التي عثرت بها على الرسالة:
هل انسلّت إلى غرفته التي يقرأ بها ويكتب؟ وهي تعتذر لحبيبة كافكا على تجسسها بسبب حرصها على ابنها.. وتطلب منها أن توجهه من أجل أن يعتني بصحته لأنها تراه يسهر ولا يأكل كثيراً كما هي عادته ، كما تتطرق الرسالة إلى مهنة كافكا واختياره أن يكون موظفاً في مؤسسة التأمين ضد حوادث العمل مما يتيح له الفرصة للقراءة والكتابة وقلقها ومخاوفها بسبب عزلته.وتطلب من فيليس أن توجهه في حياته المهنية والكتابية من أجل أن يغير أسلوب حياته. ولا تنسى أن تطلب منها عدم الكشف عن هذه الرسالة لكافكا. ولا نعلم هل أجابت فيليس باور على الأم أم لا؟
كانت فيليس باور (1887-1960) قريبة عائلة ماكس برود صديق كافكا. التقى بها في 13 آب 1912 في أحدى زياراتها لعائلة برود ببراغ وأعجب بها. بدأ يرسل لها رسائل يومية تقريباً وأهداها قصته "الحُكم" التي كتبها في ليلة 22 أيلول عام 1912، التقيا في عيد الفصح عام 1913 واقترح عليها الزواج برسالة نهاية تموز في العام نفسه، وتمت الخطوبة في 31 آيار 1914 لكن سرعان ما فسخت بعد بضعة أسابيع.وبعد اتصال عصي من خلال الرسائل وقضاء عشرة أيام معاً في مارينباد في تموز عام 1916 التقيا ثانية لأجل عقد خطوبة للمرة الثانية في 12 تموز عام 1917 وقررا الزواج والعيش في براغ. لكن بسبب معاناة كافكا من أعراض السلّ القاتل قام بفسخ الخطبة للمرة الثانية في كانون الأول من السنة نفسها. فهجرته للأبد في 27 كانون الأول، وتزوجت من رجل يشتغل في بنك أهلي في برلين عام 1919. هاجرت إلى الولايات المتحدة بعد وفاة زوجها وباعت رسائل كافكا التي بلغت أكثر من 500 رسالة نتيجة العوز. توفيت في نيويورك عام 1960.
فيما يلي ترجمة للنص الكامل لرسالة أم كافكا:
براغ 16تشرين الثاني (نوفمبر)-1912
عزيزتي الآنسة باور :
عثرت مصادفة على رسالة مؤرخة في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) مرسلة إلى ابني وموقعة من قبلك. أحببت طريقتك في الكتابة كثيراً بحيث أني قرأت الرسالة إلى النهاية قبل أن أدرك بأني كنتُ غير مخولة بقراءتها لكن حين أؤكد لك أن ما أكرهني على فعل ذلك هو مصلحة ابني، فأني أشعر قطعاً بأنك سوف تغفرين لي.
على الرغم من أني لا أمتلك متعة اللقاء بك شخصياً، لكن لديّ من الثقة بك، عزيزتي الآنسة باور، ما يجعلني أن أفضي إليك بمخاوف وقلق الأم. إنّ ما يسهم بشكل كبير في هذه الثقة هو اقتراحك في رسالتك بأنه يجب أن يتكلم إلى أمه، التي تحبه مؤكداً. إن رأيك بي صحيح، عزيزتي الآنسة باور، الذي هو طبيعي فحسب، بما أن أي امرأة عادية يجب أن تحب أولادها، لكني لا أمتلك الكلمات لكي أصف الحب الذي اشعر به تجاه ابني، ويسرني أن أمنح سنين عديدة من عمري إذا كان ذلك يؤمّن سعادته.
إن أي شخص آخر في مكانه سوف يكون الأسعد بين البشر، لأنَّ والديه لن يرفضا أيَّ رغبة له ، فقد درَسَ ما كان يرغب به، وبما أنه لم يرغب في أن يكون محامياً فقد اختار مهنة موظف، بدت تناسبه تماماً، إذ أنَّ ساعات العمل قصيرة والمساء كله متاح له. (كانت ساعات عمل كافكا من 8 صباحاً إلى 2 ظهراً دون فترة استراحة). لقد عرفتُ في غضون سنين عدّة بأنه يقضي وقت فراغه في الكتابة. لكني أعزو هذا إلى كونه مجرد هواية ، في الواقع أن تلك المهنة لن تضر بصحته لو أنه ينام ويأكل مثل الشباب الآخرين في عمره لكنه ينام ويأكل قليلاً بحيث أنه يستخف بصحته، وأخشى أنه لا يصغي لداعي العقل إلى أن ،لا سمح الله، يكون السيف قد سبق العذل. لهذا السبب أودّ كثيراً في أن أسألك لو أنك يمكن أن تجذبي انتباهه إلى هذه الحقيقة، وتسأليه حول الطريقة التي يعيش بها، ماذا يأكل وكم عدد الوجبات التي يتناولها، وروتينه اليومي بصورة عامة. من جهة أخرى، يجب أن لا يرتاب بأني كتبتُ لكِ ولا يجب أن يعلم بأني مطلعة على مراسلاته معك ، فإذا كانت لديك القدرة على تغيير أسلوبه في الحياة فسأكون مدينة لك كثيراً وستمنحينني شعوراً كبيراً بالسعادة .
وتقبلي فائق تقديري
جوليا كافكا .