Tue, Jan 8, 2013
الدليمي يحجب « العالم » عن وزارة الثقافة لكشفها «صفقة روتانا»
الاعلام النيابية دعته للتخلي عن «المزاجية والثأرية» وجمعيات صحفية نددت باجرائه وتوعدت بمقاضاته
سعدون الدليمي
بغداد – العالم
منعت وزارة الثقافة بطريقة غير مباشرة جريدة "العالم" من الدخول الى اروقتها ومكاتبها ودوائرها كافة، بإلغاء الاشتراك مع الجريدة، إثر كشفها عقدا كانت تنوي إبرامه مع شركة "روتانا" يتسبب بهدر ملايين الدولارات في إطار مشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية.
واتصلت "العالم" امس مرارا على هاتف فوزي الاتروشي وكيل وزارة الثقافة للتعليق لكنه لم يرد، كما لم يتسن لـ"العالم" التأكد من تكرار هذا الإجراء أيضا، داخل وزارة الدفاع التي يشغل الدليمي منصب الوزير فيها وكالة.
وفيما استنكرت لجنة الثقافة والاعلام النيابية الإجراء، دعت وزير الثقافة الى عدم التعامل مع وسائل الإعلام بطريقة "مزاجية"، و"ثأرية"، مؤكدة تحركها للتدخل وحل الإشكالية.
في غضون ذلك، توعدت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق برفع دعوى قضائية من أجل ملاحقة الدليمي قانونيا لخرقه نصوصا دستورية واضحة، متهمة الوزير بشبهة الوقوف وراء "عقد روتانا".
في حين اعتبر مرصد الحريات الصحفية، محاربة مؤسسة إعلامية بحجم "العالم" بالأمر غير المبرر، مبينة أن وزير الثقافة يعمل خارج سلطة القانون، ولا يصلح لتبوء منصبه.
وأكدت مصادر مطلعة في وزارة الثقافة توجيه الوزير سعدون الدليمي بإلغاء الاشتراك مع جريدة "العالم" لمنع وصولها أروقة الوزارة كافة، مبينين أن الجريدة حددت كمطبوع مشبوه في جميع مكاتب ودوائر الوزارة.
وفي اتصال لـ"العالم" أمس، مع علي الشلاه رئيس لجنة الثقافة والاعلام النيابية، قال ان "هذا تصرف غير جائز، ونحن ندعو كل المسؤولين العراقيين الى عدم التعامل مع الصحف ووسائل الاعلام بطريقة يمكن تسميتها مزاجية، فاذا امتدحته الجريدة يشترك فيها ويدعمها، او اذا اختلفت معه يلغي اشتراكها ويمنعها".
ودعا الشلاه وزير الثقافة الى "احترام وسائل الاعلام العراقية، وعدم التصرف معها بثأرية، وذلك عندما تنشر شيئا لا يعجبه".
في غضون ذلك، قال عدي حاتم رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، إن "الجمعية بصدد جمع الادلة لرفع قضية ضد الدليمي، لأن لدينا نصوصا دستورية واضحة أقرت حرية التعبير، وليس من حق أي مسؤول حكومي منع أي وسيلة إعلامية، لأن سلطة الإعلام يجب أن تكون سلطة رقيبة تراقب عمل المؤسسات الحكومية"، مضيفا أن "هذا الأسلوب يذكرنا بأساليب البعث الصدامي، لأنه إجراء يحاول استفزاز جريدة العالم ووسائل الاعلام الاخرى، وترهيبها بأن هذا مصير أي وسيلة إعلامية تعمل للصالح العام، وتكشف المستور وتظهر الحقائق او تشخص السلبيات".
وأوضح حاتم في حديث لـ"العالم" أمس، أن "هذا الاجراء يعكس طبيعة تاثير السلطة الدكتاتورية التي لا تتقبل النقد البناء"، مشيرا الى أن "صحيفة العالم عندما أثارت الموضوع لم يكن لفائدة خاصة وإنما لفائدة عامة، وهي حماية المال العام من الهدر".
وذكر أن "هذا يؤكد ان الوزير ذاته كان متورطا بهذا العقد، وهو من كان يريد الفائدة من وراء التعاقد مع روتانا، لانه لو كان تعاقد بنية طيبة مع تلك الشركة، لما كان منع "العالم" من الوصول الى الوزارة، بل بالعكس ولرحب بما أثارته الجريدة، لأنها نبهته على هدر ممكن للمال العام". وأردف بالقول "وكان يفترض ان يكون ممتنا لهذا الاجراء اذا كان هو يعمل من أجل الصالح العام، وكان من الممكن أن يحاسب الوزير فيما بعد من قبل لجنة النزاهة وهيئة النزاهة".
وزاد أن "العالم، وضعت يدها على نجاح الوزارة في مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية، لأن التعاقد مع روتانا كان يمكن أن يسبب فشلا للمشروع"، موضحا ان "الجريدة أدت عملا اخلاقيا ومهنيا للصالح العام لأنها كشفت عقدا كان يمكن ان يهدر ملايين الدولارات من الموازنة العراقية".
وبين رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق أن هذا الأمر "يعكس سيطرة مجموعة في الوزارة لها مآرب أخرى للفساد المالي والإداري"، معربا عن أسفه لأن "يبدر هذا الأمر من وزير الثقافة". وقال "اذا كان وزيرا للثقافة فمن المفترض أن يكون الأقرب لوسائل الإعلام، ويتعامل بهذا الشكل فعلى الإعلام السلام"، مضيفا أن "الدليمي كشف عن أنه لا يملك أفقا ثقافيا، وهو رجل عسكري منذ زمن صدام فعلا".
وتساءل حاتم "اذا كانت الثقافة تتعامل بهذا النفس مع وسائل الإعلام، فكيف يمكن أن تتعامل الوزارات الامنية".
من جهته، اعتبر زياد العجيلي رئيس مرصد الحريات الصحفية، عدم تقبل وزارة الثقافة تعدد الآراء والنقد البناء، بأنه "يمثل انتحارا للمؤسسة الثقافية الحكومية".
وقال العجيلي في حديثه الى "العالم" أمس، "لو كانت وزارة الدفاع أو الداخلية اتخذت هذا الاجراء لتوقفت قليلا، لأنهما تضم عسكرا لا يفهمون من الثقافة الكثير، أما وزارة الثقافة التي تضم مدراء عامين، كلهم من الوسط الثقافي، فهذا غريب".
وأضاف أن "التعامل مع مؤسسة اعلامية بحجم "العالم" بهذا الأسلوب يضع الكثير من علامات الاستفهام، ويؤكد أنهم مازالوا يمتنعون عن استيعاب التعددية والديمقراطية، بل لم يشاهدوا التغيير الحاصل حتى"، مشيرا الى أن "العالم مؤسسة لها باع طويل في مجال الصحافة، وهي من الصحف الأولى اليوم بالعراق، والوزارة لا تدرك أنها ستخسر بمحاربتها هذه الجريدة"، وأردف "الوزارة الآن لا تمتلك مطبوعا او منتجا واحدا يمكن ان يكون مقروءا".
ودعا العجيلي، وزير الثقافة سعدون الدليمي الى "الاعلان عن القانون الذي استند اليه بمنع جريدة العالم"، متهما معظم الوزراء والمسؤولين الحكوميين "بالعمل خارج سلطة القانون، ووزير الثقافة يؤكد ذلك".
وتابع ان "هذا الوزير لا يصلح ان يكون في منصبه، لأنه لا يحترم القانون ولا الدستور، ومن لا يحترم القانون عليه أن ينصرف الى حيث كان، لأن هذا الإجراء إعلان لمحاربة وسائل الإعلام"، مستدركا بالقول "لكن هذه محاولة بائسة لاستدامة الفساد الإداري الذي يحاول ضرب مؤسسات الدولة".
وختم العجيلي بالقول "كان الأجدر بالوزير أن يفرح بكشف هذا الملف، وهذا العقد الذي شابته اكثر من علامة استفهام، لكنه وضع نفسه الآن في محل شبهة بالغاء اشتراك الصحيفة، التي وضعت مؤشرات وعلامات استفهام على موارد صرف غير مبررة كانت من الممكن أن تودي بملايين الدولارات".