تأصيل الجريمة المستحيلة ومنزلتها من الشروع
يقصد بالجريمة المستحيلة في الفقه القانوني بانها الجريمة التي لا يمكن ان تتحقق فيه النتيجة مهما بذل الفاعل من جهد في سبيلها كما لو اطلق شخص الرصاص على اخر بقصد قتله فظهر ان المجنى عليه فارق الحياة قبل ذلك او ضغط على الزناد غير ان المسدس لم ينطلق لأنه كان خاليا من الرصاص .
ويلاحظ بان الجريمة المستحيلة تختلف اختلافا كليا عن الجريمة الخائبة كون ان الاخيرة ممكنه الوقوع اصلا وكان السير الطبيعي والمنطقي للأمور كفيلا بتحققها لولا تدخل اسباب عارضه حالت دون ذلك في حين ان الجريمة المستحيلة غير ممكنة الوقوع اصلا أي ان اسباب فشل النتيجة الاجرامية كانت مؤكده قبل البدء بالسوك الاجرامي ولكن الجاني كان لا يعلم بها بينما في الجريمة الخائبة فان اسباب الفشل محتمله .
ويلاحظ انه قد تكون الاستحالة مردها الى الوسيلة المستخدمة كمن يحاول القتل ببندقية غير صالحو للاستعمال وقد تكون مردها الى موضوع الجريمة كمن يطلق النار على ميت اصلا.
وعند التمعن في موقف المشرع العراقي بخصوص الجريمة المستحيلة فان المادة 30/الجملة الثانية من قانون العقوبات العراقي قد حسم كل خلاف فقهي بصدد الطبيعة القانونية للجريمة حيث نصت (ويعتبر شروعا في ارتكاب الجريمة كل فعل صدر بقصد ارتكاب جناية أو جنحة مستحيلة التنفيذ إما لسبب يتعلق بموضوع الجريمة أو بالوسيلة التي استعملت في ارتكابها ما لم يكن اعتقاد الفاعل صلاحية عمله لإحداث النتيجة مبنيا على وهم أو جهل مطبق (
ويتضح لنا من تحليل هذا النص ان الجريمة المستحيلة تأخذ حكم الشروع بشرط توافر عدة شروط هي نفسها تقريبا الشروط الواجب توافرها في الشروع وهي :
1_ ان يصدر فعل بقصد ارتكاب جناية او جنحه - وبالتالي لا يعتد بالفعل اذا كان مقصودا به ارتكاب مخالفة مستحيلة التنفيذ .
2_ حصول استحالة تحقق النتيجة الاجرامية لسبب يتعلق بموضوع الجريمة او الوسيلة المستخدمة أي بما يفيد تمسك المشرع العراقي بالمذهب الشخصي الذي يعتد بالفاعل وخطورته الاجرامية اكثر مما يعتد بالفعل فالقانون يتطلب لعقابه البدء في تنفيذ فعل اوقف او خاب اثره دون ان يهتم بالنتيجة . فمن يعتدي على امراه بقصد اجهاضها ثم يتبين لاحقا انها غير حامل فانه خطر جنائيا لأنه عبر عن ارادته الاثمة .
3_ ان لا تكون الجريمة وهمية او تصورية او ظنية - أي لا وجود لها الا في ذهن الجاني وتصوره ومخيلته كحالة الأعمى الذي يأتي امرأة كرها يظنها أجنبية وتبين فيما بعد أنها زوجته وحالة من يختلس شيئا يعود له ففي هذه الامثلة يوجد سذاجة في تفكير الجاني او جهلة المطبق الامر الذي لا يكشف عن ارادة خطرة تستوجب فرض العقاب . ومن التطبيقات القضائية للجريمة المستحيلة ما قضت به محكمة التمييز " ان دخول المتهم الى مكتب المشتكي ليلا بقصد السرقة دون ان يجد شيئا يعتبر شروعا بالسرقة " كما قضت " ان المتهم اطلق النار على المشتكي بقصد قتله لكن فعله استحال بعد انفجار الطلقة لوجود خلل في المدس "
الاستحالة المادية والاستحالة القانونية
الاستحالة المادية ترجع الى ظروف مادية مستقلة عن فعل الفاعل تمنع تحقيق النتيجة الاجرامية قانونا كعدم صلاحية الوسيلة المستعملة لأحداث النتيجة كعدم وجود المجنى عليه في فراشة لحظة اطلاق النار عليه او عدم وجود المال في المكتب وقت الدخول فيه - اما الاستحالة القانونية فسببها انتفاء احد عناصر الجريمة فلا تقع سرقة اذا كان موضوع الاختلاس شيئا يخص المجرم ولا يكون قتل اذا كان الشخص المراد قتله ميتا من قبل وهذا تطبيق بسيط لمبدا قانونية الجرائم والعقوبات .