التحريف اللفظي والمعنوي في الكتب السماوية
إن التحريف اللفظي يعني التلاعب بالألفاظ من خلال تغييرها أو تبديلها ويظهر التحريف اللفظي من خلال قوله تعالى {مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ }النساء46 ففي هذه الآية الشريفة دلالة وإشارة إلى التحريف اللفظي فقد كان بعض اليهود والنصارى يقومون بتغيير أو تبديل بعض النصوص أو الكلمات بنصوص وكلمات تتلائم مع مصالحهم وأهوائهم أو لأجل اخفاء أو طمس بعض الحقائق كالتبشير بنبوة محمد (ص) وبعثته .
أما التحريف المعنوي فهو تغيير المعنى بحسب ما تقتضيه مصلحة المحرف ومن الآيات القرآنية الدالة على ذلك قوله تعالى : {َمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ }المائدة41 .
فإنهم في مثل هذه المسألة يقومون بتحريف المعنى لا اللفظ حيث يقومون بتأويل بعض النصوص لما يوافق أهوائهم وأنفسهم الأمارة بالسوء من دون تغيير اللفظ الظاهري لعدم امكان ذلك أما بسبب أشتهار النص أو غيره ، والتحريف في التوراة والإنجيل موجود بنوعيخ اللفظي والمعنوي ، أما التحريف اللفظي فهو ثابت بقوله تعالى {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ }الأعراف157 وقوله تعالى {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }الصف6 فمن الثابت أيضاً إن اسم الرسول (ص) مذكور في التوراة والإنجيل باسم أحمد وكذلك صفته مذكورة عندهم ، فحرفوها وحذفوها ، وكذلك قوله تعالى {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }الفتح29
فهذه الآية تؤكد بأن رسول الله (ص) والذين معه مذكورين في التوراة والإنجيل ولكن تم تحريف ذلك وحذفه من التوراة والإنجيل ، وتجدر الإشارة هنا إلى إن التحريف والحذف لا زال مستمراً حيث إنهم بعد كل مناظرة أمام الخصوم الذين يناظرونهم في كتبهم فيسلطون الضوء على الثغرات ونقاط الضعف الموجودة فإنهم يقومون بتغييرها وحذفها والشاهد على ذلك النسخ الفريدة الموجودة في متحفهم فهي تتناقض مع نسخ كتبهم الموجودة الآن بل إن كل طبعة تختلف عن الأخرى ، أما التحريف المعنوي فهو كثير في التوراة والإنجيل وفي مفاهيم عديدة أهمها مفهوم كلمة الرب ، فجعلوا معناها هو الله فكل كلمة رب عندهم تعني الله تعالى ، وهذا خلاف الحق كما بينا ، وأيضاً حرفوا مفهوم ابن الله فجعلوها بعنوان الإبن المادي ، وهو خطأ عظيم قد وقعوا فيه والصحيح إن ابن الله كمعنى قوله تعالى {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}فالأبن غير الولد أي إن الله تعالى هو المربي لعيسى (ع) أي إنه ابن الله من باب التربية وليس من باب النسبة والولادة .
وإننا نختلف مع الكثير من المسلمين الذين يقولون بالتحريف الكامل للتوراة والإنجيل لإغننا على يقين بأن التحريف قد أصابها ولكن هذا لا يعني إن كل ما فيها محرف ، فإن للتحريف دواعي وأسباب ومقتضات ولم يأتي أعتباطاً فإنهم حينما حرفوا في التوراة والإنجيل فإن ذلك كان أما بسبب مصلحة شخصية أو عنصرية أو لأجل أخفاء بعض الحقائق التي لا توافق أهوائهم ومصالحهم فإن في ظهور تلك الحقائق سحب للبساط من تحت أقدامهم وذهاب عروشهم ومناصبهم ووما كسبوه نتيجتها من أموال ورئاسة وسلطان ، علماً إننا لو قمنا بإستقراء النصوص الواردة في التوراة والإنجيل لوجدنا إن الكثير منها يوافق ما جاء في القرآن وهذا ن دل على شيء فإنه يدل على إن تلك النصوص لم تحرف ولم تبدل .
أما من ينسب التحريف للقرآن فإننا نقول له قد أجمع المسلمون على إن القرآن لم يحرف ولم يبدل واستدلوا بآيات عديدة منها قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9 وهذا مما لا خلاف فيه أما مسألة التحريف المعنوي فهو موجود حتى في القرآن وقد ضاع بسببه الكثير الكثير من حق أهل البيت ( عليهم السلام ) حيث راح البعض من المسلمين يتأولون الآيات القرآنية على غير معانيها التي أرادها المولى تبارك وتعالى . وهناك الكثير من النصوص القرآنية التي تدل على التحريف المعنوي فالكثير من الآيات القرآنية التي نزلت بحق الأئمة المعصومين (عليهم السلام ) قد تم تحريف معناها إلى معاني أخرى بعيدة عنهم ، ومن هذه الآيات قوله تعالى {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ }سبأ18 فقد جاء في كتاب الاحتجاج عن أبي حمزة الثمالي قال : ( دخل قاض من قضاة الكوفة على علي بن الحسين (ع) فقال له : جعلني الله فداك أخبرني عن قول الله عز وجل {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } قال له : ماذا يقول الناس فيها قبلكم في العراق ؟ قال : يقولون إنها مكة . قال : وهل رأيت السرق في موضع أكثر من مكة ؟ قال فما هو ؟ قال (ع) : إنما عني الرجال قال : وأين ذلك في كتاب الله ؟ فقال : أوما تسمع إلى قوله تعالى : {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ }الطلاق8 وقال {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ }الكهف59 وقال : {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ }يوسف82 –فاليسأل القرية أو الرجال أو العير قال وتلى (ع) آيات في هذا المعنى . قال : جعلت فداك فمن هم ؟ قال(ع): نحن هم وقوله : سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ قال : آمنين من الزيغ ) البحار ج10 ص214 .
ومثال آخر هو آية التطهير فقد ذكرت المصادر المعتبرة من كلا الفريقين بأن قوله تعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33 يخص أصحاب الكساء الخمسة وبقية المعصومين (ع) فقد ورد عن سليم عن أمير المؤمنين (ع) في قوله مخاطباً الناس فقال : ( أيها الناس أتعلمون إن الله عز وجل أنزل في متابه إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }فجمعني وفاطمة وابني حسناً وحسيناً ثم ألقى علينا الكساء وقال اللهم إن هؤلاء أهل بيتي ولحمتي يؤلمني ما يؤلمهم ويجرحني ما يجرحهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فقالت أم سلمة : وأنا يا رسول الله (ص) ؟ فقال : إنما نزلت فيّ وفي أخي وفي إبنيّ وفي تسعة من ولد الحسين خاصة ليس معنا أحد غيرنا ...) البحار ج31 ص413
فحرفوا معنى هذه الآية وقالوا إنها تخص زوجات النبي (ص) فقط ولا تخص غيرهم مع العلم إنهم ينقلون في كتبهم عشرات الأحاديث الصحيحة التي تؤكد المعنى الحقيقي الذي ذكرناه .
وكذلك ينطبق الأمر على بعض الصحابة الذين ذكرهم القرآن ومدحهم فقاموا بتحريف هذه المعاني
#الموسوعة_القرآنية_للسيد_ال قحطاني