من سنابس.. السباع معلمة متقاعدة برتبة «مزارعة»
بواسطة : معصومة آل حسين - القطيف اليوم - القطيف اليوم
15 يونيو، 2020
وجدت في العالم الأخضر نفسَها، فعشقت الزراعة منذُ نعومة أظفارها، وبيدي طفلة هاوية كانت تجمعُ البذور من أزهار حديقة منزلهم، لم يكن الأمر ينجحُ في كل مرة فلا إلمامَ لديها بطرق الزراعة، ولا من خبرةٍ تخدمُها في هذا الجانب، لكنَّ هواية تلك الطفلة دخلت في سباتٍ عميق لفترةٍ طويلة بعد أن كبرت “جليلة السباع” وانشغلت بدراستها وهواياتها الأخرى التي لا حصرَ لها، حتى تخرجت في الجامعة بتخصّص علم الفيزياء، وتفرّغت لرسالة التعليم، لكِنْ الحياة عادت من جديد لتلك الهواية وأفاقت من سباتها قبل 9 سنوات، فعادت جليلة للماءِ والخضرة وذكريات الطفولة بكلّ شغفٍ وحُبّ.
مغلوطات
انتقلت “السباع” من رسالة التعليم لإحياء الأرض بالزراعة، فعملت مرشدةً زراعية بعد أن اكتسبت المعلومات بالقراءة والاطلاع على الكتب المختصّة، إضافةً لمساعدة زوجها المهندس الزراعي إبراهيم الحداد الذي ألهمها وأمدّها بالكثير، ولم تكتفِ بذلك بل أضافت لرصيدها دوراتٍ تدريبية علي يد المهندس مهدي الصنابير، ودوراتٍ تدريبية أخرى في الكويت والبحرين.
لكنّها حسب تعبيرها لم تضف لها الكثير، فأبحرت في العالم الواسع للشبكة العنكبوتية؛ لتتطلّع وتكتسب المزيد، مع الحرص على البحث من مصادر موثوقة، فهذا العالم مليءٌ بالغثّ والسمين، والكثير أيضًا من مستنقعات المعلومات المغلوطة التي يضعها بعض الهواة حصيلة تجاربهم دون التأكد من صحتها.
واستطاعت “السباع” مع الوقت أن تصبحَ مدربةً زراعية بحصولِها على شهادة مدرب معتمد من البورد العربي للتدريب، ثُمّ افتتحت متجرها الخاص لبيع النباتات الداخلية ومستلزماتها.
بيتي بستاني
وعن حرصِها على نشر ثقافة الزراعة المنزلية قالت السباع لِـ«القطيف اليوم»: “لقد عرضَ عليّ الكثير من المتابعين فكرة تنفيذ مشروع لبيع المنتوجات المنزلية إلا أنّني لم أفكّر فيها أبدًا، فقد كان الهدف من زراعتي في المنزل هو الوصول للاكتفاء الذاتي لي ولأسرتي، وتشجيع ربات البيوت على الزراعة المنزلية؛ لتحقيق الأمن الغذائي لهن ولأسرهن ومواجهة التغيرات الاقتصادية التي من الممكن أن تحدث مستقبلًا، وتأمين غذاء صحي ونظيف وخالٍ من المبيدات”.
وأضافت: “أنا أطبّقُ المثل الصيني القائل “لا تعطنِي سمكة، ولكن علّمني كيف أصطادها”، ولذا حرصتُ على نشر هذهِ الثقافة بالمشاركات الكثيرة في المهرجانات والفعاليات ضمن فريق “بيتي بستاني” وهو أول فريق زراعي نسائي يهتم بنشر ثقافة الزراعة، فشاركنا في مهرجان البيئة في عدة مناطق، ومهرجان البراحة، ومهرجان الزهور وفعالية الشاطئ الأخضر”.
تفاعُل
وقدّمت عشرات الدورات لتعليم الزراعة المنزلية الداخلية والخارجية، وكان تفاعُل الناس المهتمة بهذا الشأن كبيرًا جدًا، واللافت أنّ هناك حضورًا مختلفًا لمشاركات من بلدانٍ أخرى، مع إبقاء التواصل المستمر بينها وبين المتدربات عبر الجروبات الزراعية لتقديم العون والاستشارات التي يحتجنها، وتشجيعهنّ على مواصلة الطريق، وقبل 5 سنوات أصبحت مع الوقت تشارك الآخرين يومياتها مع الزراعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من واتساب وسناب شات، ومنذ أشهرٍ فقط بدأت في تنشيط حسابها على “إنستجرام”.
طعمٌ ورائحة
وحول سؤالها عن اختلاف الزراعة المنزلية ومهاراتها، أجابت: “نعم هناك فروقاتٌ كبيرة بين الزراعة المنزلية وما نشتريه من الأسواق، فالفرق كبيرٌ جدًا من ناحية الطعم والرائحة، ويكفي أنّ المنتوجات المنزلية خالية من المبيدات والأسمدة الكيميائية، ممّا يجعل لها كبير الأثر الإيجابي على صحتنا وصحة العائلة”.
وتابعت: “لا توجد صعوباتٌ من الممكن أن تعترضَ من يرغب في الزراعة المنزلية طالما توفرت العزيمة والرغبة وحُبّ الزراعة، لكنّ إتقانَها يتطلّب الخبرة والممارسة، فالخبرةُ تأتي من خلال الالتحاق بالدورات الزراعية، وسؤال المرشدين الزراعيين، والتصفُّح في الإنترنت، وقراءة الكتب المتخصصة في الزراعة؛ ومن المهم جدًا معرفة المواسم الزراعية في زراعة الخضراوات والأشجار، وكذلك الأمراض التي تُصيب النباتات، ومعرفة طرق الوقاية منها، وكيفية علاجها، ومواعيد التسميد وأنواع الأسمدة وغيرها”.
مواسم
تقضي “السباع” الكثير من الوقت في حديقة منزلها، الذي قد يمتدُّ اليوم بأكمله، فتجهيزُ التربة المناسبة، وتعقيم الأحواض الزراعية، وتجهيز البذور وتصنيفها حسب نوعها أمرٌ أساسي قبل بدء الموسم الزراعي بفترة لا تقلّ عن الشهرين؛ لأنَّ هذا التجهيز يجعل العمل أسهل وأكثر متعة، وأقلّ جهدًا عند بداية الموسم، وبالإمكان من خلال هذا الاستعداد أن نزرع الخضار الصيفية؛ كالفلفل والباذنجان والخيار والشمّام والبطيخ والقرع والكوسا والباميا والبطاطا الحلوة والجرجير والملوخية والبربير، ومن الفواكه نستطيع أن نزرع اللوز والتين والبابيا والتوت والمانجو والحمضيات والرطب والرمان والبمبر، ومن الخضار الشتوية يمكننا زراعة القرنبيط والفجل واللفت والبصل والثوم والكرات والبازلاء والبطاطا والكوسا والطماطم والشمندر والخرشوف والجزر والشمندر والكرفس والبقدونس والخس والسبانخ، على حدّ قولها.
حياة
وتهتمُّ كذلك بزراعة جميع أنواع الزهور الموسمية من البذور بذات القدر الذي تهتمُّ بهِ بزراعة الفواكه والخضار، وهي تجد أنّ زراعة الزهور سهلة جدًا وغير متطلّبة عكس ما يعتقدهُ البعض، فمنذُ سنواتٍ وهي تواظبُ على زراعة الزينيا بالذات؛ لأنّها تبقى لفترة طويلة، وتتحمّل حرارة الصيف وبرودة الشتاء، ومن النباتات المزهرة التي تنصحُ بزراعتها لتحمّلها ارتفاع درجات الحرارة العالية في الخليج؛ الياسمين الأحمر والياسمين الهندي والتيكوما والأكاسيا واللانتانا والبونسيانا والكنا والمجنونة أو الجهنمية ومتسلقة الشاي الأزرق والمحمدي والياسمين العراقي ورجلة الزهور والزينيا وغيرها الكثير جدًا، وجميعُ هذهِ النباتات سهلة وغير متطلّبة في احتياجاتها، بالإضافةِ إلى جمالِها ورائحةِ بعضها العبقة، والحياة التي تبثُّها للمنزل.
نباتات مثالية
وتُوصي “السباع” من لا يهوون العناية بالنبات داخل المنزل باقتناء النباتات المثالية لحالتهم كالبوتس والزاميا والسانسفيرا والبامبو، أمّا خارج المنزل فتنصحهم بزراعة النخيل والتوت والنعناع والمورينجا والنيم والجهنمية والياسمين الهندي، لكنّ هناك من النباتات التي لا يُنصح بزراعتها في المنزل كالصباريات إذا كانت تحتوي على أشواك؛ لأنها قد تسبّب الأذى للأطفال، وكذلك بعض النباتات التي تحتوي على نسبة عالية من السمية مثل: الدفلة والخروع الكولونيا وأبواق الملاك.
مؤثرون
وأودعت جليلة رسالتها الزراعية في بريد «القطيف اليوم» قائلة: “الحياة نعيشها مرة واحدة فقط، ومن الجميل أن نعيشَها بشكلٍ يسمح لنا أن نكون مؤثرين، وأن نتركَ في النهاية قيمة وأثرًا جميلًا بعد رحيلنا، فرسالتنا هي نشر هذا العلم وهذهِ الثقافة في كل بيتٍ وكل مدينة، حتّى أرى بيوتنا مزهرة ومخضرة، ولدينا اكتفاءٌ ذاتي من إنتاج حدائقنا الصغيرة”.