الشفافية حول التحديات

تعامل الشركات الصينية مع فيروس كورونا

تبني أساليب جديدة في التواصل

إعادة التنظيم لتعزيز صنع القرار

إعادة التفكير بآلية تقييم أداء الموظفين والمديرين

التخطيط لمرحلة ما بعد كوفيد ١٩

العثور على طرق جديدة للتعاون


الأشهر الأربعة الماضية وفرت لعالم الأعمال فرصة لدراسة حالة فريدة من نوعها وهي آلية عمل الشركات خلال جائحة لم يشهد لها العالم مثيلاً. الصين تعاملت مع تفشي كوفيد ١٩ وتداعياته قبل الجميع وبالتالي تملك خبرة يمكن الاستفادة منها. مجلة «هارفرد بيزنيس ريفيو» قامت بمجموعة من الدراسات ومقابلات واستطلاعات للرأي مع أكثر من ٣٥٠ من كبار المديرين التنفيذيين لمعرفة الآلية التي تعاملت بها الشركات الصينية والمقاربات التي جعلتها تخرج سالمة من الأزمة وفي بعض الحالات تحقق النجاحات والأرباح.
الشركات التي كانت ضمن الدراسات والتي تنوعت بين مؤسسات تملكها الدولة إلى أخرى خاصة محلية ومؤسسات عالمية قامت بالخطوات التالية وبشكل سريع فور تفشي الفيروس: الاستثمار بالتكنولوجيا لتحقيق التأقلم والابتكار، تجربة نماذج جديدة في الأعمال، دمج الحلول من أجل فهم وملاقاة حاجات الزبائن التي تبدلت، إعادة تعريف نماذج التعاون والعمل ضمن الفريق بالإضافة الى تطوير العمليات والممارسات التجارية الجديدة.
وبينما ما تزال دول العالم ومن ضمنها الدول العربية في عين العاصفة، الصين عادت الى الحياة الطبيعية الجديدة. ورغم أن المستقبل ما زال غير واضح ولكن ما هو مؤكد بأن التغييرات التي قامت بها الشركات لمواجهة الجائحة يجب أن تبقى وتستمر. فما هي الدروس التي يمكن تعلمها من التجربة الصينية؟

الشفافية حول التحديات

القادة الذين شاركوا في دراسة «هارفرد بيزنس ريفيو» والذين تمكنوا من إدارة شركاتهم خلال الأزمة بنجاح أكدوا بأنهم كانوا يبقون جميع العاملين على اطلاع دائم حول وضع الشركة بالإضافة إلى أولويات ومبادئ شكلت دليلاً لاتخاذ القرارات على جميع المستويات وهناك توجه لاعتماد الشفافية شفافية ومشاركة المعلومات على كل المستويات خلال مرحلة ما بعد كورونا.
الشفافية ليست سهلة التنفيذ، فالمدير في هذه الحالة سيصبح تحت المراقبة، فجميع الموظفين يراقبون تصرفاته كي يتأكدوا من أن ما يقال لهم ليس أقولاً فحسب بل أقوال مقرونة بأفعال.
في المؤسسات هناك فئة لا تعجبها القرارات مهما كان نوعها ولكن حين يكون العنوان العريض «معاً لمواجهة عدو واحد»، فإن حتى أكثر الكارهين للنظام الجديد سيصبحون أكثر تقبلاً.
تبني أساليب جديدة في التواصل

رغم أن التواصل لم يكن وجهاً لوجه ولكنه كان شخصياً أكثر من أي وقت مضى. الغالبية الساحقة من الشركات الصينية تجنبت وبشكل كلي التواصل مع الموظفين عبر البريد الإلكتروني بل تم اعتماد خيارات أخرى أقل رسمية كتطبيقات المحادثات الصوتية أو من خلال أدوات تواصل تم تطويرها داخل الشركة من أجل تسهيل مشاركة المعلومات بين الموظفين وزيادة معدل التفاعل.
المقاربة هذه واجهت بعض العقبات خصوصاً للشركات المتعددة الجنسيات التي عانت من عدم توافق قنوات الاتصال العالمية مع القنوات المحلية التي تستخدمها الشركات.
ولكن ما هو مثير للاهتمام هو أن الاجتماعات عبر تقنية الفيديو استمرت حتى بعد عودة العاملين إلى مكاتبهم وحتى خلال الفترات التي تواجد فيها جميع العاملين في الشركة في الوقت عينه. الاجتماعات عبر الفيديو غايتها تجنب الحشود ولاحترام مسافة التباعد الاجتماعي، ولكن هناك نية لاعتماد المبدأ هذا على المدى البعيد إذ أثبت فعاليته لكون الاجتماعات مباشرة والنقاشات محصورة بالهدف فقط وبالتالي أكثر اختصاراً مما كانت عليه الاجتماعات وجهاً لوجه.

إعادة التنظيم لتعزيز صنع القرار

صناعة القرارات في الشركات الصينية تتم عادة من أعلى إلى أسفل مع مراجعات عديدة وموافقات تحتاج الى وقت طويل لكونها تمر بمستويات إدارية مختلفة. ولكن خلال أزمة كوفيد ١٩ لم يعد هناك أي دور للمديرين من المستوى المتوسط وذلك لتسريع وتيرة إنجاز الأمور. كما أن تسريع التحول لرقمي أدى إلى أتمتمة عدد كبير من النشاطات الروتينية لمختلف القطاعات ما ساهم بدوره بتسريع إنجاز المهام.
فعلى سبيل المثال «بنك بينغ آن» قام بتحويل العمل المؤسساتي من الهرم التقليدي إلى مؤسسة على شكل ثقالات الحديد ( دمبل) وذلك من خلال زيادة عدد المديرين التنفيذيين والذين كانت مهمتهم التركيز على عملية التحول الرقمي وتكنولوجيا المعلومات. أي ما حصل هو إلغاء دور المديرين من المستوى المتوسط وتوسيع قاعدة العاملين في الخطوط الأمامية التي تتعامل مباشرة مع الزبائن.
الشركات الصينية أيضاً شجعت كبار المديرين التنفيذيين على الإشراف المباشر على عمل الفرق العاملة في الخطوط الأمامية وذلك وفق الإدارة وفق الخبرة و الإدارة وفق المعلومات المتاحة.القادة انخرطوا بشكل مباشر بإدارة المؤسسات على مختلف المستويات من خلال القنوات التقنية، ومع الاستغناء عن دور المديرين في المستوى المتوسط فإن التواصل بين أعلى الهرم وأسفله كان مباشراً.
وبسبب أسلوب الإدارة هذا تمكنت بعض الشركات من تحقيق أرباح قياسية خلال شهر أبريل/ نيسان ٢٠٢٠ والذي كان ذروة انتشار كورونا في البلاد.
مثال آخر لشركة تعمل وفق نمط مختلف كلياً وهي مجموعة «يلي للألبان» التي واجهت وضعاً لم تألفه من قبل خصوصاً وأن عملها لا يمكن نقله بشكل كلي «أونلاين». منذ البداية تواصلت الشركة مع المزارع التي تتعامل معها والمصانع والسلطات المحلية من أجل وضع خطط لاستمرارية العمل. ولكن هذا لم يكن كافياً بل كان يجب منح العاملين على الخطوط الأمامية صلاحيات أوسع وبالتالي تمكينهم من اتخاذ القرارات المناسبة من دون العودة إلى جهات أعلى حين يتعلق الأمر بمشاكل طارئة كالطرقات المقطوعة ونقاط الفحوصات الطبية والإغلاق التام لبعض المناطق.

العثور على طرق جديدة للتعاون

تحقيق النتائج المطلوبة خلال فترة زمنية قصيرة يحتاج إلى تعاون من نوع مختلف بين الشركاء ومع الزبائن والمزودين وحتى مع المنافسين.
شركة إنتاج الأفلام «هوانشي» كانت تحضر نفسها لخسائر تقدر بالملايين إذ كان من المفترض أن يعرض فيلم «ضائع في روسيا» خلال فترة رأس السنة الصينية. ولكن مع إغلاق دور السينما كان لا بد من الخروج بحلول سريعة ومختلفة. الشركة وخلال ٢٤ ساعة عقدت إتفاقاً مع «بايت دانس» الشركة المالكة لتيك توك وغيره من تطبيقات الفيديو لبث الفيلم وغيره من الأعمال على منصاتها. الشركة حققت عائدات قدرت بـ ٩١ مليون دولار و٦٠٠ مليون مشاهدة للفيلم خلال يومين فقط.
لكن الوصول لهذا القرار تطلب تبديلات داخل الشركة نفسها، فلم يعد هناك ما يفصل بين القادة والعاملين ولم تعد الأمور تسير وفق القنوات الرسمية السابقة، بل كان هناك تعاون كلي من الجميع من أجل حل المشاكل الطارئة.
إعادة التفكير بآلية تقييم أداء الموظفين والمديرين

انتشار كوفيد ١٩ منح أصحاب الشركات الصينية فرصة للمراقبة عن كثب الآلية التي يقوم من خلال كبار المديرين بتقييم أداء الموظفين كما أنه كان فرصة لمراقبة ردات فعل القادة في الشركة وتعاملهم مع التحديات.
الشركات كانت بحاجة إلى قادة يتابعون ما يحدث على الخطوط الأمامية ويعملون على حل المشاكل الطارئة، أي إبتعاد كلي عن طبيعة مهامهم السابقة. أصحاب الشركات تمكنوا من التمييز بين المدير الذي يغرق نفسه بالأعمال الروتينية وبالتالي فشله في تطورير مهارات قيادية كانت الشركة بأمس الحاجة إليها وبين من أثبت أنه يملك ما تحتاج إليه الشركات.
أما لناحية تقييم عمل الموظفين فلم تعد المعايير القديمة معتمدة كنسب المبيعات أو ساعات العمل الفعلية بل تم تقييم أداء الموظف من خلال حجم العمل والأداء المرتبط به بشكل يومي مع التركيز على تحقيق الأهداف القصيرة المدى وفق معايير مرنة تتبدل وفق الظروف.

التخطيط لمرحلة ما بعد كوفيد ١٩

الشركات الصينية التي كانت تملك إحتياطي مالي ضخم قامت بالإستثمار لتحقيق أهداف قصيرة المدى مع التركيز على توسيع المصالح على المدى البعيد من أجل تعزيز موقع الشركات التنافسي في السوق.
المقاربة الثانية لمرحلة ما بعد كورونا كانت من خلال الإستثمار الشرس في مجال التكنولوجيا فالشركات وسعت إستراتيجياتها التقنية ودمجت الأدوات من أجل ضمان حفظ المهارات والخبرات والإستفادة منها لاحقاً لأنه لا نية للعودة الى الأداء بشكله السابق.