سُئِلَ الْإِمَامُ الصَّادِقُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) :
أَخْبِرْنِي أَيُّهَا الْحَكِيمُ مَا بَالُ السَّمَاءِ لَا يَنْزِلُ مِنْهَا إِلَى الْأَرْضِ أَحَدٌ وَلَا يَصْعَدُ مِنَ الْأَرْضِ إِلَيْهَا بَشَرٌ وَلَا طَرِيقَ إِلَيْهَا وَلَا مَسْلَكَ ، فَلَوْ نَظَرَ الْعِبَادُ فِي كُلِّ دَهْرٍ مَرَّةً مَنْ يَصْعَدُ إِلَيْهَا وَيَنْزِلُ لَكَانَ ذَلِكَ أَثْبَتَ فِي الرُّبُوبِيَّةِ وَأَنْفَى لِلشَّكِّ وَأَقْوَى لِلْيَقِينِ وَأَجْدَرَ أَنْ يَعْلَمَ الْعِبَادُ أَنَّ هُنَاكَ مُدَبِّراً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الصَّاعِدُ وَمِنْ عِنْدِهِ يَهْبِطُ الْهَابِطُ ؟
قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : إِنَّ كُلَّ مَا تَرَى فِي الْأَرْضِ مِنَ التَّدْبِيرِ إِنَّمَا هُوَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ ، وَمِنْهَا مَا يَظْهَرُ أَمَا تَرَى الشَّمْسُ مِنْهَا تَطْلُعُ وَهِيَ نُورُ النَّهَارِ وَفِيهَا قِوَامُ الدُّنْيَا ؟ وَلَوْ حُبِسَتْ حَارَ مَنْ عَلَيْهَا وَهَلَكَ . وَالْقَمَرُ مِنْهَا يَطْلُعُ وَهُوَ نُورُ اللَّيْلِ وَبِهِ يُعْلَمُ عَدَدُ السِّنِينَ وَالْحِسَابِ وَالشُّهُورِ وَالْأَيَّامِ وَلَوْ حُبِسَ لَحَارَ مَنْ عَلَيْهَا وَفَسَدَ التَّدْبِيرُ ، وَفِي السَّمَاءِ النُّجُومُ الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، وَمِنَ السَّمَاءِ يَنْزِلُ الْغَيْثُ الَّذِي فِيهِ حَيَاةُ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الزَّرْعِ وَالنَّبَاتِ وَالْأَنْعَامِ وَكُلِّ الْخَلْقِ لَوْ حُبِسَ عَنْهُمْ لَمَا عَاشُوا ، وَالرِّيحُ لَوْ حُبِسَتْ أَيَّاماً لَفَسَدَتِ الْأَشْيَاءُ جَمِيعاً وَتَغَيَّرَتْ ، ثُمَّ الْغَيْمُ وَالرَّعْدُ وَالْبَرْقُ وَالصَّوَاعِقُ كُلُّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ مُدَبِّراً يُدَبِّرُ كُلَّ شَيْءٍ وَمِنْ عِنْدِهِ يَنْزِلُ . وَقَدْ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَنَاجَاهُ وَرَفَعَ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَالْمَلَائِكَةُ تَنْزِلُ مِنْ عِنْدِهِ ، غَيْرَ أَنَّكَ لَا تُؤْمِنُ بِمَا لَمْ تَرَهُ بِعَيْنِكَ وَفِيمَا تَرَاهُ بِعَيْنِكَ كِفَايَةٌ أَنْ تَفْهَمَ وَتَعْقِلَ .
فَقِيلَ لَهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : فَلَوْ أَنَّ اللَّهَ رَدَّ إِلَيْنَا مِنَ الْأَمْوَاتِ فِي كُلِّ مِائَةِ عَامٍ وَاحِداً لِنَسْأَلَهُ عَمَّنْ مَضَى مِنَّا إِلَى مَا صَارُوا وَكَيْفَ حَالُهُمْ وَمَاذَا لَقُوا بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَيُّ شَيْءٍ صُنِعَ بِهِمْ ؟ لَعَمِلَ النَّاسُ عَلَى الْيَقِينِ وَاضْمَحَلَّ الشَّكُّ وَذَهَبَ الْغِلُّ عَنِ الْقُلُوبِ .
قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : إِنَّ هَذِهِ مَقَالَةُ مَنْ أَنْكَرَ الرُّسُلَ وَكَذَّبَهُمْ وَلَمْ يُصَدِّقْ بِمَا بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، إِذْ أَخْبَرُوا وَقَالُوا إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِ الْأَنْبِيَاءِ حَالَ مَنْ مَاتَ مِنَّا ، أَفَيَكُونُ أَحَدٌ أَصْدَقَ مِنَ اللَّهِ قَوْلًا وَمِنْ رُسُلِهِ وَقَدْ رَجَعَ إِلَى الدُّنْيَا مِمَّنْ مَاتَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَصْحَابُ الْكَهْفِ ؟ أَمَاتَهُمُ اللَّهُ ثَلَاثَمِائَةِ عَامٍ وَتِسْعَةً ثُمَّ بَعَثَهُمْ فِي زَمَانِ قَوْمٍ أَنْكَرُوا الْبَعْثَ لِيَقْطَعَ حُجَّتَهُمْ وَلِيُرِيَهُمْ قُدْرَتَهُ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ وَأَمَاتَ اللَّهُ أَرْمِيَا النَّبِيَّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الَّذِي نَظَرَ إِلَى خَرَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا حَوْلَهُ حِينَ غَزَاهُمْ بُخْتَنَصَّرُ ، فَقَالَ (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها) فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ أَحْيَاهُ وَنَظَرَ إِلَى أَعْضَائِهِ كَيْفَ تَلْتَئِمُ وَكَيْفَ تَلْبَسُ اللَّحْمَ وَإِلَى مَفَاصِلِهِ وَعُرُوقِهِ كَيْفَ تُوصَلُ ، فَلَمَّا اسْتَوَى قَاعِداً قالَ (أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) .
وَأَحْيَا اللَّهُ قَوْماً خَرَجُوا عَنْ أَوْطَانِهِمْ هَارِبِينَ مِنَ الطَّاعُونِ لَا يُحْصَى عَدَدُهُمْ فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ دَهْراً طَوِيلًا حَتَّى بُلِيَتْ عِظَامُهُمْ وَتَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُمْ وَصَارُوا تُرَاباً ، فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى فِي وَقْتٍ أَحَبَّ أَنْ يَرَى خَلْقُهُ قُدْرَتَهُ نَبِيّاً يُقَالُ لَهُ حِزْقِيلُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَدَعَاهُمْ فَاجْتَمَعَتْ أَبْدَانُهُمْ وَرَجَعَتْ فِيهَا أَرْوَاحُهُمْ وَقَامُوا كَهَيْئَةِ يَوْمَ مَاتُوا لَا يَفْتَقِدُونَ مِنْ أَعْدَادِهِمْ رَجُلًا فَعَاشُوا بَعْدَ ذَلِكَ دَهْراً طَوِيلًا . وَإِنَّ اللَّهَ أَمَاتَ قَوْماً خَرَجُوا مَعَ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) حِينَ تَوَجَّهَ إِلَى اللَّهِ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ .
*
المصدر : (البحار : ج10، ص174، عن كتاب الاحتجاج.)