الأساطير السومرية
تنزع الأعمال في أقدم الأساطير السومرية الى كونها وثيقة الصلة بالخصوصيات أكثر من كونها تتناول مواضيعاً كونية شاملة، إذ يمكن فهمها من خلال تعاطيها مع مآثر وسلطات إله خاص ضمن مضمار محدود بأطار بنفوذه في الكون. وتُعدُّ أسطورة “موت دوموزي” نموذجاً لهذا الضرب من الأساطير، فالأسطورة تروي كيف أن دوموزي ” مُحيي الشباب” رمز خصوبة الربيع، كان قد حلم بموته على أيدي مجموعة من العفاريت المرسلة من العالم الأسفل، ومحاولته التواري عن الأنظار، بيد أن خيانة صديقه كشفت مخبئه رغم كل مساعي شقيقته في التستر على مخبئه.
أسطورة مماثلة هي “نزول إينانا” تروي كيف أن الإلهة إينانا (سيدة أعذاق البلح) التي عقدت العزم على السيطرة على العالم الأسفل، فحاولت عزل شقيقتها الكبرى، ملكة العالم الأسفل “إيريشكيغال: سيدة الأرض العظمى” ، لكنها لم تُفلح في مسعاها، إذ قُتِلت وأُحيل جسدها إرباً من اللحم النتن في العالم الأسفل . كلَّفت إعادة إينانا الى الحياة الإله إنكي (سيد الأرض) كل حذاقته وبراعته، حتى أن أخلاء سبيلها تم شريطة توفير بديل لها يحلّ محلها في العالم الأسفل. وبعودتها من العالم الأسفل وجدت زوجها الشاب دوموزي وهو يحتفل بدل أن يُعلن الحداد بسبب غيابها، فأعترتها الغيرة وفي سورة غضبها أختارته ليكون بديلاً عنها. حاول دوموزي الفرار من قبضة العفاريت المرافقين لإنانا، فتدبر فراره بمساعدة إله الشمس (أوتو)، الذي غيَّر هيئة دوموزي، لكن سرعان ما أستطاعت العفاريت العثور عليه وألقاء القبض عليه ليفر ثانية ويُلقى عليه القبض مجدداً ويتكرر ذلك المشهد مراراً حتى يتم أخذه في نهاية المطاف الى العالم الأسفل، فأخبرت الذبابة شقيقته الصغرى (غيشتنانا) بأمره، فأخذت شقيقته تبحث عنه. وتنتهي الأسطورة حينما تكافئ إنانا الذبابة وتقرر تناوب دوموزي وشقيقته الصغرى ليُمضي كل منهما نصف السنة في العالم الأسفل ويقضي النصف الآخر من السنة في عالم الأحياء.
” فلنمضِ أذن الى “كولاب” مدينة “دموزي”
(وفي كولاب) وضع دموزي عليه ثياب فاخرة وأعتلى عرشه
فأنقضَّت عليه العفاريتُ وجرّوه من ساقيه
أنقضَّت عليه العفاريتُ السبعة كما يفعلون مع الرجل العليل
فأنقطع الراعي عن نفخ نايه ومزماره
ثم ركزت (أنانا) أنظارها عليه . ركزت أنظار الموت
ونطقت ضده بالكلمة نطقت بالكلمة التي تُعذِّب الروح
وصرخت فيه صرخة الأتهام قائلة:
أما هذا فخذوه
وبذلك أسلمت أنانا الطاهرة دموزي الراعي الى أيديهم.”
أما الأسطورة الاخرى التي تتناول موضوع الارتحال أو النزول الى العالم الأسفل فهي أسطورة “ولادة إله القمر وأشقاءه”، والأسطورة تروي كيف أن أنليل (سيد الريح) ألتقى في شبابه الإلهة الشابة ننليل (إلهة الحبوب) التي لم تطع أمها فذهبت للسباحة في الجدول، وثمة ضاجعها أنليل رغم أحتجاجها لتُنجِب منه في ما بعد إله القمر( سين) وبسبب ذلك الإثم تم نفي إنليل من نيبور ليسلك سبيله الى العالم الأسفل. وبعد أن أنجبت ننليل ولدها تبتعته. وفي الطريق تنكّر أنليل أولاً بهيئة بوّاب نيبور، ومن ثم بهيئة رجل نهر العالم الأسفل وأخيراً بهيئة مراكبي نهر العالم الأسفل، وفي كل مرة كان أنليل المتنكر يُغري ننليل لتدعه يضاجعها فتُنجب ولداً يحل محل ولدها (سين) في العالم الأسفل ويطلق سراحه ليعود الى العالم الأعلى. وتختتم الأسطورة بترتيلة شكر لأنليل بأعتباره مصدر خصب ووفرة ولدوام صدق كلمته