TODAY - October 06, 2010
تسمع بهم خير من ان تراهم
هاشم العقابي
في مطلع التسعينيات التقيت بكوبنهاجن مطربا هاويا في مطلع شبابه كان قد جاء الى الدنمارك طالبا اللجوء مع عائلته. الشاب يمتلك صوتا غنائيا جميلا وله حنجرة تماثل حنجرة مطرب عراقي معروف. كان كل هم هذا المطرب الشاب ان يتدرب ويتدرب ليصبح صوته اكثر قربا من مطربنا المعروف. صار يحبه ويرتدي "تي شيرت" موشحا بصورته وكانت جدران غرفته مغطاة من اعلاها الى أسفلها بتصاويره. اختصر احلامه بحلم واحد هو ان يمن عليه الزمان يوما برؤية مطربه المحبوب.
قبل ايام التقيت هذا الشاب الذي، صار في متوسط العمر، بالقاهرة. عشرون عاما تفصل بين اللقاءين لم تغير من ملامحه كثيرا، غير اني رأيته مهموما بعد ما كان الفرح واحدا من ميزات ملامحه في اللقاء الاول. لم يخف الرجل سبب همه فأسرع ببث شكواه لي. لقد انتهى حلمه الى خيبة. كان قبل شهر التقى مطربه المحبوب الذي كان "يزامط" به الاصدقاء والأهل والمعارف. قال لي: "كنت أرتجف وأنا أتقدم لأسلم عليه وعيناي تدمعان من اللهفة والفرح. قدمت له نفسي لكنه تجاهلني، لا بل احتقرني، واعتبرني مجرد معجب طارئ فلم يعرني اي اهتمام كانسان على الأقل. كان أسلوبه في الحديث والتعامل مع الناس لا ينسجم مع ما تصورته عنه .. لقد شعرت بخيبة أمل تعادل خيبتي بفشل نهوض العراق بعد سقوط صدام".
احترت كيف اواسيه او أقنعه فوجدت نفسي مضطرا الى ان أسرد له أحداثا مماثلة حدثت لي، ولغيري، بعد لقائي بشخصيات كنت آخر ما أفكر به ان أصدم بهم.
أسماء لشعراء وكتاب وفنانين أشغلتنا وملأت دنيانا. تصورناهم كما الأنبياء في أخلاقهم وتعاملهم. يا الهي ما أكثرهم أولئك الذين اعجبنا بهم عن بعد وقرفنا منهم حين التقيناهم. تصورناهم كرماء وأصحاب فكر ومترفعين عن توافه الأمور، واذا بهم عند اللقاء بخلاء شتامون ونمامون وكذابون، بل ونصابون ايضا.
المؤلم هو اني حين استعرضت الاسماء التي تخيب بالظن، وجدتها لكثرتها تشكل ظاهرة وليست حالة. عكست الامر واستعرضت أسماء الذين كانوا حين التقيتهم بالصورة ذاتها التي انطبعت في ذهني عنهم، فلم أجد الا القليل القليل.
وكما شكا لي ذلك الشاب خيبته بمطربه الكبير، تذكرت اني مثله كنت أشكو لبعض أصدقائي خيبتي بلقاء من ملئت بهم اعجابا، فوجدتهم مثلي قد خاب ظنهم بهذا او ذاك من "المبدعين" ليضيفوا لقائمة الاسماء "المخيبة للظن" أسماء جديدة.
عزيزي القارئ، لا تتوقع مني أن اقول أسماءهم حتى لا أمحو صورهم الحلوة عند من لم يلتق بهم بعد. لكني اقول لك بكل مودة، ان كنت معجبا بأحدهم وتتمنى لقاءه، فنصيحتي لك، من باب "الاحوط لزوما"، أن تتجنب اللقاء به حتى لا تتكدر.