Sun, Jan 6, 2013
حراك الأنبار يصطدم بعجز البرلمان والمناورات السياسية في بغداد
فشل مجلس النواب العراقي في الانعقاد لبحث مطالب المحتجين بسبب عدم اكتمال النصاب
بعد مرور أكثر من اسبوعين على انطلاق موجة واسعة من الاحتجاجات في بعض محافظات العراق، كاد مجلس النواب العراقي أن ينعقد لبحث مطالب المحتجين. غير أن النصاب لم يكتمل.
صباح الأحد، بادرت كتلة "دولة القانون" برئاسة رئيس الوزراء نوري المالكي، إلى إعلان مقاطعتها الجلسة معتبرة أنها ستشكل "مناسبة لاستئناف الخطاب الطائفي".
بعد ذلك توالت إعلانات المقاطعة من الأطراف الأخرى في الائتلاف الوطني. فأعلنت كتلة الفضيلة مقاطعتها، تلتها كتلة بدر، ثم ابراهيم الجعفري رئيس الوزراء السابق.
ترددت كتلة المواطن التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي، فأعلنت أولا أن اعضاءها سيدخلون إلى القاعة إذا اكتمل النصاب، قبل أن تقرر إنهم "لن يقاطعوا" لكنهم في نفس الوقت لن يدخلوا القاعة.
إنفردت بين مكونات الائتلاف الوطني ذي الأغلبية الشيعية كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري ، فقررت حضور الجلسة، وانضمت بذلك إلى كتلة العراقية برئاسة إياد علاوي، والتحالف الكردستاني بمختلف أحزابه.
ثم بدأت لعبة الأرقام والأعصاب. نائب يدخل، وآخر يخرج. خبر عاجل على التلفزيون الحكومي بأن النصاب لم يكتمل، يليه نفي من داخل المجلس، فإعلان جديد.
أما الخبر الأكثر غرابة فكان تصريح أدلت به إحدى نواب حزب التغيير الكردستاني وأيدها فيه نائب من العراقية مفاده أن النصاب اكتمل لكن رئيس مجلس النواب أسامه النجيفي لم يعلن اكتماله رسميا.
لم يوقف ذلك النواب من عقد جلسة "تداولية" برئاسة النجيفي، ما استدرج اتهاما لهم بخرق الدستور من كتلة "دولة القانون."
وأخيرا قرابة الخامسة بعد الظهر، تم الإعلان عن عدم اكتمال النصاب، على أمل انعقاد جلسة أخرى يوم الثلثاء.
"أين الخلل؟"
قبل يومين من شبه الجلسة البرلمانية، كان الشيخ مكي حسين الكبيسي قد اعتلى المنصة في ساحة الاعتصام شمالي الرمادي، وألقى خطبة "جمعة الصمود" أمام عشرات الآلاف من المعتصمين، فتطرق إلى حال البرلمان قائلا: "مرة تقاطع دولة القانون جلسات البرلمان، ومرة تقاطعها العراقية."
وأضاف: "أنا اريد أن يثبت رئيس الوزراء ورئيس البرلمان للعراقيين أين الخلل. هذا يلقيها على ذاك، وذاك يلقيها على هذا والناس ينتظرون."
ليس استعراض العجز هذا جديدا على النظام السياسي العراقي، لكنه هذه المرة يكتسب وقعا مضافا بفعل حراك الأنبار، الذي بدا لوهلة أنه قد يفرض على الساسة العراقيين اتخاذ اجراءات حقيقية تجاه تلبية مطالبهم.
غير أن المالكي الذي رفض معظم هذه المطالب تمكن من الاعتماد في رفضه هذا على الائتلاف الوطني، الذي اتّحد معظم أركانه لحظة الشدة، باستثناء التيار الصدري.
وحتى الصدريين كانت لهم تحفظات شديدة على أحد المطالب، وهو مطلب إلغاء قانون المساءلة والعدالة الذي رفضوا حتى المساس به، معتبرين أنه الحائل دون عودة حزب البعث إلى السلطة.
الخلاف على القانون يعمقه شعور لدى كثير من السنة بأنه يطبق عليهم وحدهم، وسط شعورمقابل لدى كثير من الشيعة بأنه يحميهم من تسلل حزب ذاقوا منه الأمرّين مجددا إلى النظام السياسي.
تردد وإحراج
لا يزال مخيم المعتصمين شمالي الرمادي يستقبل بين الحين والآخر وفودا من الجنوب والفرات الأوسط تأتي لتدعم مطالب المعتصمين.
تحدثت قبيل "جمعة الصمود" إلى أحد الوافدين من الجنوب، وكان في ضيافة شيخ من الأنبار.
سألته لماذا جاء إلى الرمادي، فقال "لدعم المطالب المشروعة، وفقط المشروعة".
حين سألته ما هي المطالب التي يعتبرها مشروعة، التفت محرجا إلى مضيفه الأنباري الذي أنقذ الموقف، فعدد المطالب بصيغة اعتبرها توافقية وسطية.
"اطلاق المعتقلين، حسم موضوع المعتقلات، والتوازن في الجيش والشرطة. معالجة المادة أربعة إرهاب مهم ولكن لا يستطيع المالكي ذلك، وسنتوجه إلى البرلمان لحل المطالب الأخرى."
لم يأت الشيخ على ذكر قانون المسائلة والعدالة، كما لطّف نبرته تجاه المالكي، على ما يبدو إكراما لضيفه.
سألت الضيف مجددا لماذا جاء إلى الأنبار، فأجاب قائلا: "لمشاركة اخواننا في الأنبار وإيصال المطالب المشروعة، ولنخمد معا نار الفتنة. نحن أهل تربطنا القرابة والعلاقات الشخصية، ونريد الاطلاع على حقيقة الموضوع."
"ماذا تنتظرون؟"
توجه الشيخ مكي الكبيسي في خطبته أيضا إلى أبناء المحافظات الأخرى، فصاح بهم قائلا: "يا ابناء المحافظات. يا ابناء البصرة الفيحاء، يا أبناء الموصل الشمّاء، يا أبناء صلاح الدين، يا أبناء كربلاء، يا أبناء النجف ومحافظات الفرات، ماذا تنتظرون؟ نحن في الاسبوع الماضي سمعنا وطنيين من كل المحافظات يؤيدون هذه المطالب."
وأضاف قائلا: "لكن على الوطنيين من علماء وشيوخ عشائر وقادة أن يكون موقفهم أقوى. إن الموقف الموحد يصنع الأعاجيب."
لكن دون الموقف الموحد صعوبات كبيرة، من نظام سياسي يميّع المسؤولية إلى إرث ثقيل خلفته الديكتاتورية والاحتلال الذي تلاها، وصولا إلى شعب لم يتخط بعد جراح الحرب الأهلية الطائفية.