.
“فصل الصّعاليك”
(مقام أول)
إلى صعلوك العالم الجديد “محمد العلمي حمدان”
..
هو الفقيرُ الشَّريفُ يشحذُ بخواءِ البطنِ المسيرَ ويشعلُ نارا في جوعِ الخيامِ ، هو قاطعُ الطَّريقِ النبيلُ يقطعُ عن الطُّرقِ وجهتها الفاحشة ويصلُ بالهواءِ و الماءِ أفواها ناشفة ، هو المطرودُ المضطهدُ المتمرِّدُ المخلوعُ المنزوعُ من ضلعِِ القبيلة ، هو صرختنا تمتشِقُ السيفَ تستفتحُ الصحراء وتنضو عن أيامنا ظُلمتها الطويلة ، هو سفرُ الجوعِِ و الدمعِ و وجعٌ ينمو في ثورةِ الأعضاءِ، دمٌ مسفوحٌ مذ شهقةِ الله وتيه الصحراءِ في الخلايا
هو لا أحدٌ ؛ سوايَ
…………………..
رُتِّبتِ الحياةُ منذُ بدءٍ ؛ انتظمتْ في لباسٍ يليقُ و مسكنٍ يؤوي وطعامٍ يقي جارحةَ الطبيعةِ وتناسلٍ يحفظُ للخليقةِ وجهها
رُتِّبتِ الحياةُ حتى كانتِ الفوضى
وكان لا بدَّ من فوضى جديدةٍ تعيدُ للعالمِ رشاقتهُ
كان لا بدَّ من فتكٍ أصيلٍ ، ينقذُنا من سلطةٍ تفتكُ
وكانت شمسٌ صعلوكةٌ تجري في عَدْوِ الرّيحِ
وتفتحُ للسّالكينَ أسرارَ الكلام
……………..
اجتمعنا قبيلة واحدة ، إذا تفرَّق دمٌ منا ، استجمعتهُ الشرايينُ
ولاذتِ الرِّمالُ إلى مضاربنا تتكوّمُ كحصنٍ
ثمَّ كان هناكَ لصٌّ ؛سرقَ منّا وِجْهةَ الحُلُمِ
ورمى بأيامنا في السيوفِ مسلولةً
وقال : اسمعوني تنجون
و من يومها ، لم نسمع غير صرخةِ الجوعِ في دمِ الوليد !
………………
الشعراءُ أبواقُ السُّلطةِ
إعلامهمُ الهجينُ في الزمنِ القديمِ ،
زمنَ أخذنا بالشِّعرِ إلى صحراءٍ
آخينا بينهُ و بين وحشٍ
ونمنا سويَّةً في فضاءِ الجراح
………………
لم نرفع قصيدة تمدحُ الفقراء
ولكن ؛ أطلقنا مكنوننا في صرخةِ ذئبٍ
وفرشنا العُواءَ يضيئُ للعالمينَ ،
فِتنةَ الصَّحراء
……………….
بعيدا عن سُلالةِ الدَّمِ ، بعيدا جدّا عن تناحرِ شعوبٍِ و قبائلَ
بَدَتْ تقوانا في ضُحى شَمسٍ تعرقُ ،
إذ خطونا في رقصِ الرِّحلةِ
كأنها العاشقةُ بإبطها الحليق
بعيدا جدّا عن سقطةِ ثاراتٍ ،
كنّا نرسمُ الأثرَ
ونغوصُ في مفاصلِ الطريق
نلاحقُ صقرا إلى وكرهِ
وننزعُ منهُ عصفورا ، لم يذق بعدُ شهوةَ التحليق
وإذا سألنا أحدٌ عن القبيلةِ
رمينا لهُ بشجرةِ الأنسابِ
و تهنا في جغرافيات الحريق
………………..
كنّا إذا نزلنا بقبيلةٍ تجوعْ
وزَّعنا أنفاسنا على المضاربِ
سلخنا جلودنا
وهيّأنا الثريدَ
في مائدةٍ من الضلوعْ
ومن دمعنا ،
أضأنا لطفلٍ الكتابَ
أشعلنا المُقلَ
سماءً من الشُّموعْ
……………
خارج المتنِ و الحكايةِ سرجنا لأقدامنا مجهولَ الصَّحراءِ ، شددنا المرارةَ إلى بطنٍ تصلَّبت كحجارةِ الطريقِ وأطلقنا الأفراسَ تعدو في لسانٍ ينطقُ بنا ، وقلنا : باطلةٌ هي أيامنا تُشرقُ من شمسٍ غريبةٍ ووهمٌ هو مجرانا بين الخلائقِ وتناقضٌ هو ماضينا يرمينا بالتاريخِ مبسوطا في صفحاتِ الزُّورِ وقاتمةٌ هي أشعارنا في جبهةِ الوقتِ وآسنٌ هوذا الحضور .
نحنُ إذ خرجنا ؛ لم نرفع الصَّوتَ ولُذْنا بمجازٍ يُخاتلُ ، نحنُ الخروجُ في لسانٍ مقطوعٍ و يدٍ مبتورةٍ ونصٍّ يتمنَّعُ عن التَّسميةِ وشرفٌ لا يزول .
نحنُ إذ خرجنا لم يتركوا حتى ملحا نازفا من دمعنا في مخلاةٍ ، لم يتركوا حتى دمنا يتقصَّفُ في صهدِ الصَّحراءِ ، لم يتركوا لنا سقطةَ الأليفِ و مدعاةَ التوحُّشِ و انكسار العبور .
طلاقةٌ هي خطواتنا في قميصِ الرَّعدِ وبرقٌ هوذا العبور ،و آهلٌ هذا البركانُ بحممٍ تخرجُ منّا وجاهزةٌ هذي السُّيول.
لا طللَ لدينا نبكي عليهِ ، وكلُّ الأطلالِ تقيمُ في خرابِ الرُّوحِ منّا وآفلةٌ هي الأمكنةُ تُنازعنا فيها الوحوشُ ، وقد ألفنا الوحشَ حتى صرنا منهُ وصارت بلادُ النّاسِ مُوحشةً تجرحنا بغيرِ مخلبٍ ونسقطُ في احتضارها كوجبةٍ سريعةٍ في إهابِ الفصول.
ننمو كتجاعيدَ في وجه الفيافي و نتركُ للقبيلةِ ملامحها البكرَ مصبوغةً في ريشةِ العالم الجديدِ ، نتركُ لها التقنياتِ الحديثةَ ونصعدُ في نعلٍ بالٍ ، نتركُ لها فرسَ الوحيِ و مركباتِ الفضاءِ ونُجاري الماعزَ في ثُغائها نحو شجرةِ الذهول.
بأجسادنا الهزيلةِ نُعيدُ للعالمِ توازنهُ ، وقد تجسَّدتِ الصخورُ في أقدامنا رماحا ، و سكنتنا لعنةُ تشعَّبتْ كنداءِ الجبلِ في قامتنا ، وارتقتْ إلينا أرواحُ النباتِ و الحيوانِ و الجمادِ لم يمسسها إنسٌ و لا جانٌ ،
وكان الإلهُ صورتنا النّاقصة
ها نحنُ نأخذُ الخليقةَ لما يُشتهى
وكانتْ رؤانا
فاتحةَ الوصول.
منقوول