،،،،
سليم الجزائري و مصحف توماس جيفرسون
في خريف عام 1756 خرج صامويل جيفنز رفقة كلبه إلى إحدى غابات منطقة فرجينيا الأمريكية بحثا عن طريدة ( فرجينيا لم تكن ولاية آنذاك ) ، فوقع نظره على كائن ملقى تحت أوراق الأشجار والأغصان، كان على وشك إطلاق النار لكن الشك راوده فتريث قليلا ثم تقدم للتأكد من صفة هذا المخلوق وإذا به يرى أمامه إنسانا فاقدا للوعي ملقى على الأرض في وضع صحي كارثي، فما كان عليه إلا أن حمله على حصانه عائدا به سريعا إلى بيته لإسعافه.
هرول المزارعون و سكان المدينة إلى بيت صامويل وتدخلت الكنيسة وظن الجميع أن الشخص ينتمي إلى الأعداء الإسبان المتمركزين في أقاليم جورجيا وفلوريدا، لكن ملامحه وخاصة ختانه بثوا الحيرة في أذهانهم.
وبعد بضعة أيام تعافى نزيل صامويل من مرضه وأصبح قادرا على امتطاء الحصان، لكن المشكلة هي أن هذا الشخص لا يعرف اللغة الإنجليزية ولم يكن في استطاعة صامويل و البقية فهمه وفهم قصته.
فقام المسؤول العسكري الكولونيل ديكرسون بدعوة الغريب إلى بيته و بين عائلته وأصر ديكرسون على التكفل به وقام أبناءه بإعطائه دروسا في اللغة وانبهر الجميع بالسرعة التي تعلم بها. وكان الكولونيل يصطحبه معه إلى بعض الأماكن في ستانتون كمقر العدالة وإدارة المقاطعة، وفي أحد الأيام وهو يتصفح بعض الوثائق في مكتبة الكنيسة، وقعت عيناه على مخطوطة بالإغريقية فقام بقراءتها فزاد هذا من حيرة الكاهن ومستضيفه ديكرسون، خاصة أنهم لم يروا طيلة حياتهم شخصا يتقن الإغريقية التي تعتبر لغة مقتصرة على عائلات قليلة من الأثرياء الأرستوقراطيين أو بعض رجال الدين المتخصصين.
شهور مضت حتى بداية سنة 1759، وقد أصبح الغريب يتقن اللغة والتعبير بطلاقة، فحضر الجميع إلى ضيعة الحاكم العسكري لسماع قصته .. فقال :
إسمي سليم و أنا محمدي Mohammetan (وهي التسمية التي أطلقها الكاثوليك ثم البروتستانت على المسلمين آنذاك) وأنا أسكن الجزائر ..
سليم قال لمخاطبيه أنه كان يدرس في إسطنبول وينتمي إلى عائلة ثرية من مدينة الجزائر. وبعد عطلة قضاها عند أهله عاد إلى تركيا للدراسة، لكن وبعد نصف يوم من السفر، هاجم قراصنة إسبان السفينة واختطفوه ، ثم قاموا ببيعه إلى مهاجرين فرنسيين عابرين متوجهين إلى مستعمرتهم آنذاك لويزيانا الأمريكية . والقصد من لويزيانا ليس الولاية الحالية بل كل المنطقة الوسطى للولايات المتحدة قبل أن يبيعها نابليون للرئيس الأمريكي توماس جيفرسون سنة 1805.
وصل سليم إلى مدينة نيو أورلينز ، وبيع في المدينة نفسها و صعد شمالا من منطقة المسيسيبي ثم إلى منطقة أوهايو. وتشاء الأقدار أن يسقط أسيرا لدى قبائل الشاوني ' فرع من الهنود الحمر " التي سافرت به قليلا إلى الشرق إلى منطقة كنتاكي . وفي أحد المرات وجد نفسه بالقرب من امرأة ذات بشرة بيضاء وهي مكبلة كان قد اختطفها الهنود من منطقة فرجينيا الغربية فحاول إفهامها بالإشارة... أنه يريد الفرار... طالبا منها أي اتجاه آمن يأخذه؟ فاستدلت بشروق الشمس لتحديد الوجهة التي يجب أن يسلكها لكي لا يقع في قبضة الإسبان أو الفرنسيين.
نجح سليم في الإفلات من قبضة الشاوني واتجه شرقا وقطع طيلة أسابيع وديانا وجبالا و اجتاز أدغال مونونغاهيلا الشهيرة و دخل مقاطعة أوغستا بفرجينيا أين وجده صامويل على حافة الموت.
في سنة 1760 قام الجميع بمن فيهم جون كراغ الرجل الأول للبروتستانت بجمع كمية من النقود لمساعدة سليم الجزائري للتمكن من العودة إلى وطنه. غادر سليم ستانتون إلى ويليمسبورغ حاملا رسالة من جون إلى روبرت كارتر أحد أثرياء المدينة وعضو مجلس Virginia Commonwealth فاستضافه عنده وقدم له كل المساعدة والتقى مع أصدقاء كارتر، فكان الجميع يحبه ويحترمه.
واستقر سليم بالعاصمة ويليمسبورغ وانبهر بجامعتها Willam & Mary التي بنيت في سنة 1693... وجاء يوم المغادرة . كان 1760 في أوج العداوة بين البريطانيين والفرنسيين ولم يكن هناك إلا ربط بحري موسمي بين ميناء يوركتاون و ميناء بورتسموث جنوب بريطانيا من جهة أخرى، في رحلة شاقة تستمر 22 يوما عبر الأطلسي. تكفل كارتر بجميع الإجراءات وأعطى للجزائري ورقة مرور آمن إلى بورتسموث بانجلترا فميناء جبل طارق فالجزائر .
مرت سنتان أي 1762 وظهر سليم من جديد في فرجينيا فرحب به الجميع واستقبلوه بحفاوة و أصبح يحاضر في جامعة William & Mary فالتقى مع طالب يبلغ من العمر 19 سنة إسمه توماس جفرسون الذي كان متحمسا لمعرفة العالم الإسلامي وخاصة قراءة كتاب محمد كما سمي آنذاك.
في سنة 1765 أهدى سليم إلى تلميذه جيفرسون نسخة مترجمة من القرآن الكريم في جزأين..
في سنة 1801 أصبح جفرسون الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأمريكية إلى غاية 1809.
في 1815 أهدى توماس جيفرسون كتبه بما فيهم المصحف الشريف لمكتبة الكونغرس، و هو المصحف ذو الجزأين الذي استعمله عضو الكونغرس والممثل لولاية مينيسوتا كيث إيلسون يوم 4 يناير 2007 لأداء اليمين في خطوة أدهشت الجميع حيث خالف التقاليد المعمول بها منذ 220 سنة وأصر على أنه لن يقسم إلا على القرآن الكريم، باعتباره مواطنا أمريكيا يدين بالديانة الإسلامية.
قراره أحدث ضجة وصخبا كبيرين تميزا بمعارضة متباينة في أوساط النخب السياسية و الدينية والإعلامية ، التي قامت بالتهكم والتجريح و التهجم عليه والقول بأن بن لادن هو الذي سيرسل إلى إيلسون نسخة من القرآن لأداء القسم عليها. لكنه قام بإبلاغ إدارة مكتبة الكونغرس بقراره استعمال النسخة الوحيدة للقرآن وهما جزأين موجودين بالمكتبة مفضلا إستعمال التراث الوثائقي والتاريخي للولايات المتحدة وبالتالي التأكيد على أن أمريكا لها هي كذلك المصحف الذي ارتبط بتاريخها ومسيرتها. فكانت الصورة التي ظهر فيها إيلسون واضعا يده على الكتاب، هي التي مكنت الأمريكيين من إكتشاف أن القرآن الكريم ليس بغريب عن هذا البلد، و أن هذا المصحف ظل طوال عقود حبيس الخزائن وأعطيت له عدة أسماء: كتاب المسلمين، قرآن محمد أو المصحف القرآني لتوماس جيفرسون.
المصادر :
1-Georges Graham .American Monthly Magazine 1855a
2-United States Library of Congress January 3th 2007
3-Peyton's History of Augusta Chapter VIII
4-Katie Letcher Lyle University of North Carolina- Selim the Algerian
5-Mark St John Erickson Orlando Sentinel Florida April 2013
6-Selim The Prisoner of Spain, France and Shawnee By Andrew Price 1924
7-Ammon Stapleton Christian Life 1906
8-Philip Vickers Fithian . Journal and letters 1665-1774 published in 1900
9-Colonial Williamsburg Journal
10-History of Great Kanawha Valley (West Virginia) Page 157
11-Annals of Bath County Virginia by Oren F Morten
،،،،