كنت أجلس في المطار انتظر انتهاء الاجراءات للانطلاق إلى رحلة العودة إلى بلادي بعد الانتهاء من رحلة الحج العاشرة، وحينما جلست كنت بجوار رجل يبدو عليه الطيبة فبدأت في التعرف إليه فقولت له أنا اعمل مقاول وهذه رحلة الحج العاشرة بالنسبة لي فماذا عنك؟.
قال الرجل أنا ادعى سعيد وهذه رحلتي الأولى لحج بيت الله الحرام، ولرحلة الحج الخاصة هذه قصة تعود لسنوات طويلة فأثار فضولي أن استمع إليه فقلت له ليس هناك أفضل من الاستماع إلى حكايتك اثناء الانتظار، فقال الحج سعيد تبدأ قصة حجي منذ ثلاثين عامًا حيث بدأت رحلة عملي في أحد المستشفيات الخاصة فقد كنت اعمل اخصائي في العلاج الفيزيائي.كنت اعمل في المستشفى وأنا اتمنى أن يمن الله علي بأن استطيع أداء الحج وبالفعل آن الأوان لتحقيق امنيتي فقد جمعت من المال ما يكفي لأداء فريضة الحج فذهبت إلى المستشفى لكي احصل على أموالي، وأثناء خروجي من المستشفى التقيت بسيدة كنت المسئول عن المعالجة الفيزيائية لابنها ولكن كان يبدو عليها الهم والحزن ووجدتها تودعني وتخبرني بأن هذه آخر زيارة لها للمستشفى، فهالني ما سمعت فسألتها ولما يا اختي هل علاجي لم يكن بالشكل المناسب لابنك؟، فردت المرأة كلا يا اخي فقد كنت تبذل اقصى جهدك وقد حققت معه نتيجة جيدة.
استغربت كثيرًا وهو يقص علي تلك الحكاية فسألته ما دامت كانت راضية عن معالجتك لابنها فلما ستمتنع عن الحضور للمستشفى؟، فقال الحج سعيد سألتها عن السبب، فقالت لقد ترك زوجها عمله ولم يعد يملك المال الكافي لتلك الجلسات فحزنت كثيرًا على حال المرأة وغادرت.
لم انتظر طويلا وتوجهت مباشرة إلى مدير المستشفى وأخبرته عن حالة الفتى وطلبت أن تتم معالجته على نفقة المستشفى فرفض الرجل متعللًا بأن المستشفى خاص، فخرجت وأنا مهموم ولكن اثناء ذهابي للخروج من المستشفى تذكرت اموالي التي جمعتها للحج وهنا دار الصراع بين نفسي وضميري.انتهى الصراع بأن غلبت مصلحة هذا الفتى على امنيتي وقررت أن ادفع اموالي مقابل جلسات العلاج للفتى لتستمر الجلسات لمدة ستة اشهر، وأكدت على الموظف أن لا يخبر اهل الفتى عن من دفع تلك الاموال بل طلب منه أن يخبرها بأنها على نفقة المستشفى مما اثار تأثر الرجل كثيرًا، وعدت إلى منزلي وأنا احمل شعوريين متناقضين همًا كبيرًا بسبب عدم قدرتي على تحقيق حلمي بالذهاب للحج، وفرحًا كبيرًا بسبب قدرتي على المساعدة في علاج الفتى.
نمت ليلتي وأنا ابكي على ضياع امنيتي ولكن اثناء نومي رأيتني اطوف وأحج وهناك من يهنيني بالحج ويخبرني لقد حججت في السماء قبل الأرض فاستيقظت وأنا منشرح الصدر، وجاءني اتصال من مدير المستشفى يطلب مني المساعدة فصاحب المستشفى يستعد لرحلة الحج ولابد ان يرافقه المعالج الفيزيائي الخاص به ولكن معالجه لا يستطيع السفر فزوجته على وشك الولادة، فقبلت مرافقة الرجل وأنا احمد الله حمدًا كثيرًا، ولم تتوقف نعمة الله على ذلك فقد قدم لي الرجل مكافأة كبيرة بسبب رضاه عن عملي.واثناء وجودي مع صاحب المستشفى اخبرته بما كان مع المرأة ام الفتى فقرر الرجل أن تتم معالجة الفتى على نفقة المستشفى وترد لي اموالي كما قرر تعيين زوج المرأة في وظيفة في شركاته وكذلك قرر أن يكون هناك صندوق في المستشفى لعلاج الحالات الفقيرة.
بعد انتهاء الحج سعيد من رواية قصة حجه خجلت كثيرًا من نفسي فشددت على يد الحج سعيد وأنا اخبره إن حجتك بألف حجة من حجي وحج امثالي فانا ذهبت لزيارة بيت الله بينما انت فقد دعاك الله لزيارته.