أحوال أنبياء الله ورسله مع أقوامهم
من أحوال أنبياء الله ورسله مع أقوامهم:
1. قوم نوح وتكذيبهم رسولهم عليه السلام:
فالأمة التي أرسل الله عز وجل فيها نوحاً عليه السلام كما يقص لنا القرآن الكريم لم ترعوي لدعوته، بل تصدت له ونسبت إليه السفه والكذب، قال تعالى مخبراً عنهم: ﴿ قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدْنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾[1]، وقابلوه وقومه بشتى أنواع الاستهزاء والسخرية، قال الله تعالى مبيناً مستوى طغيانهم: ﴿ إِنِّي كُلَّمَا دَعَوتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ واسْتَغْشَوا ثِيَابَهُمْ وَأصرُوا وَاسْتَكْبَرُوا إِسْتِكْبَاراً ﴾[2].
قال ابن كثير: (يخبر تعالى عن عبده ورسوله نوح عليه السلام أنه اشتكى إلى ربه عز وجل ما لقي من قومه وما صبر عليهم في تلك المدة الطويلة التي هي ألف سنة إلاَّ خمسين عاماً وما بيَّن لقومه ووضح لهم ودعاهم إلى الرشد والسبيل الأقوم، فقال (رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراَ) أي لم أترك دعاءهم في ليل ولا نهار امتثالاً لأمرك وابتغاءً لطاعتك (فلم يزدهم دعائي إلاَّ فِرَاراً) أي كلما دعوتهم ليقتربوا من الحق فرّوا منه وحادوا عنه (وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم) أي سدوا آذانهم لئلا يسمعوا ما أدعوهم إليه..)[3].
فكان عاقبتهم أن الله عز وجل أغرقهم بسبب كثرة ذنوبهم وعتوهم وإصرارهم على كفرهم ومخالفتهم رسولهم، وعدم إحترامهم له وكان معروفاً بينهم بالعلم والخلق الرفيع والمعاملة الحسنة، فلم يكن لهم من معين ولا مغيث يدفع عنهم نقمة الله عليهم، فكان الخراب والدمار.
2. قوم إبراهيم وتكذيبهم رسولهم عليه السلام:
فرسول الله إبراهيم عليه السلام هو الآخر لم ينزله قومه حق منزلته بل كذبوه وحاربوه ووقفوا أمام دعوته، فكان عاقبتهم أن دمرهم الله عز وجل وخرب ديارهم، فكانوا عبرة لغيرهم، وقد قص القرآن علينا في أكثر من موضع تفاصيل حالهم مع نبي الله إبراهيم، ولاسيما سورة العنكبوت فقد فصلت في حاله مع قومه، نذكر منها:
قال الله تعالى: ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 16] ﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 24، 25]. فهذه الآيات تكفي كدلالة إلى ما حل بهم من دمار وخراب بسبب طغيانهم وعدم اعترافهم به عليه السلام.
3. قوم لوط وتكذيبهم نبيهم عليه السلام:
وأما نبي الله لوط عليه السلام فقد واجه من قومه كل أنواع السخرية والاستهزاء، لأنه نصحهم بترك المنكر الذي كانوا عليه من اتيان الذكران من العالمين، ولم يكن هذا الفعل له سابقة في الأمم السالفة، وكذلك نهاهم عن قطع الطريق، وفعل المنكر في ناديهم جهاراً نهاراً، قال الله تعالى مبيناً ما كانوا يفعلون: ﴿ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَومِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَرَ فَمَا جَوَابَ قَومِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِين ﴾ [العنكبوت: 28، 29]، فلم يكن بمقدور هذا النبي الكريم من قوة إلاَّ أن يتوجه إلى الله عز وجل بالدعاء وطلب النصرة في القضاء عليهم بعد أن استنفد كل ما لديه من وسائل الدعاية والتوجيه والنصح والإرشاد ﴿ قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ ﴾[4]، فاستجاب الله دعاءه فقطع شأفتهم، لأنهم لم ينزلوا هذا النبي منزلته قال تعالى: ﴿ إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانوا يَفْسِقُونَ ﴾[5]، ونوع العذاب الذي سلطه الله عليهم أن جعل أعلى قريتهم أسفلها وأمطر عليهم حجارة من سجيل منصود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد، أي وما هي من الذين يعملون نفس العمل ببعيد.
4. قوم شعيب وهود وصالح عليهم السلام وتكذيبهم قومهم لهم:
يكفينا في هذا المقام ما ذكره الله عز وجل في المعاناة التي واجهها أنبياء الله شعيب وهود وصالح (عليهم السلام) من قومهم مع ذكر العذاب الذي سلطه الله عليهم، قال تعالى: ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَومَ الآخِرَ وَلا تَعْثَوا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَقَدْ تَّبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾[6].
فتلك الأقوام وقفت أمام دعوة هؤلاء الأنبياء موقف العداوة والأنداد، وواجهوهم بشتى أنواع الاستهزاء والسخرية والتصدي، فما كان من الله عز وجل إلاَّ أن سلط عليهم غضبه وبأسه فأذاقهم العذاب الأليم فكان ما كان من الخراب والدمار، لماذا هذا كله، لأنهم لم ينزلوهم منازلهم التي أرادها الله سبحانه لهم.
5. قوم موسى عليه السلام وتكذيب قومه له:
إن من المعلوم لدى القاصي والداني أن موسى عليه السلام كانت له قصة طويلة مع فرعون وجنوده، والتي بدأت معه منذ الطفولة حتى هلاك فرعون في اليمِّ، وقد ذكر القرآن هذه القصة في أكثر من موضع في كتابه العزيز، ومن أراد تتبع القصة فعليه أن يتعرض لكتب التفسير، ففيها القول الفصل لهذه القصة الطويلة، ويكفينا أن نذكر قوله تعالى من سورة يونس: ﴿ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرعَونَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾[7].
فكان مصيره هو وقومه بعد هذا الدعاء الغرق، قال تعالى: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَونُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * ءَآلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَومَ نُنَجِيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾[8].
فكان عاقبة تلك الأمم التي كذبت الرسل الهلاك والدمار، لأنها لم تستجب لدعوة أنبيائهم ورسلهم بعبادة الله الواحد الأحد، وترك الظلم والذنوب والمعاصي التي كانوا يفعلونها، فكانت العقوبات التي عاقبهم الله عز وجل بها على أشكال مختلفة وكل حسب ذنبه، قال تعالى: ﴿ فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبَهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾[9].
إذن هذا هو مصير وعاقبة من لم ينزل الناس منازلهم، وما هي من الظالمين ببعيد، ونحن إذ نأمل من هذه أمتنا في الوقت الحاضر والتي هي امتداد لأمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم التي قال عنها رب العزة والجلال: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَونَ عَنْ الْمُنْكَرِ ﴾ أن تحذو حذو أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إعطاء كل ذي حق حقه، وأن لا تحذوا حذو الأمم السابقة في تكذيبهم الأنبياء والرسل (عليهم السلام) وعدم إنزالهم منازلهم، حتى لا يصيبهم ما أصابها، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴾ [10]،