اقترن اسم الزعيم النازي (أدولف هتلر) بفاتنته الشهيرة (إيفا براون) التي عاشت معه إلى آخر لحظة في حياتهما التي قررا فيها الانتحار عند انهزامه في الحرب العالمية الثانية، وقد كان آخر أمر أصدره لأتباعه أن يُحرقوا جثمانيهما لكي لا يَقعا في قبضة أعدائهما، هذا الأمر مشهور يكاد يعرفه الخاص والعام، ولكن حبه الأول لا يعرفه أكثر الناس، ذلك أنّ هتلر هام حبا بعشيقته الأولى، قبل الحرب الأولى (كلارا هوفمان)، التي أصبحت خطيبته، وأوشك أن يتزوجها... فقد تعرف عليها سنة 1912 وكانت في الثامنة عشرة من عمرها، تُعْنَى ببيع الزهور في حانوت والدها الكائن في إحدى مدن «النمسا» الشهيرة: «فيينّا» التي تغنتْ أسمهان بها في أغنيتها الحالمة:
ليالي الأنس في فيينّا ٭ نَسيمها من هوا الجنّه
ففي أحد شوارع تلك المدينة كان يوجد محل لبيع «الزهور» وبينما كان الشارونَ يقْبِلون على الحانوت فيشترون الأزهار، ويحاول بعضهم مغازلة الفتاة، فتصدِف عنهم، لأنها كانت طالبة زواج، غير راغبة في مغازلات لا طائل منها.
وذات يوم من أيام الصيف وقد اشتد الحر وعبَقَ أريجُ القرنفل المتعددِ الألوان يُعَطِّر الجوَّ أقبل عليها رجل هزيل، مرتبك أسمرُ اللون، فما أن اقترب من الحانوت حتى عرفتْه، عرفتْ فيه ذلك الشاب الذي سبق أنْ مَرَّ منذ أسبوعين فحَدَجَها بنظرة حادة، ثم أكمل طريقه دون أن يخاطبها أما في ذلك اليوم، فقد تقدم من القرنفلات الجميلة واختار منها ثلاثا ودفع ثمنها، وقدّمها إليها قائلا: «إنها لكِ». فما كادت ترفض هديته وتتبرّمُ بها حتى سمِعَته يصيح بأعلى صوته: «إني أحبكِ، أحبكِ! أتريدين أن تكوني زوجتي؟
وكان نمساويا مثلها، وكان اسمه (أدولف هتلر)، ويتعاطَى طِلاء المنازل (أي بيّاض في العُرْف التونسي القديم، ودهّان في العُرْف التونسي الحديث.) وقد أثار حقًّا إعجابها. وذات يوم قالت له: «ولكنْ ثمة شيء يضايقني، فأنت (برتستنتي) وأنا (عِبرانية) فأجابها: لا قيمة لهذه الاعتبارات، فالحب لا يعرف حدودا ولا دياناتٍ. ولْنتزوَّجْ حالا، فأنا لا أقوى على الانتظار!.
ولكن والدها لم يكن ينظر إلى هذا الزواج بعين الرضا. وكان فقْرُ (هتلر) يُقلق باله. أما الفتاة فكانت تجيبه: «لا! الفقر لا قيمة له... الحب وحده كلُّ شيء في الحياة.» فيعود إلى القول: «أجلْ، الحب كما تقولين، على أن يرافقه المال... ثم إن هذا الفتى يبدو لي عصبيَّ المِزاج، مجنونا في بعض الأحيان. صدِّقيني يا بنيتي، لن ينجح هذا الفتَى في الحياة. ولن يكون له مستقبل!».
وظل يتردد إليها طوال سنتين. وقبل وقوع الحرب العالمية الأولى ببضعة أيام جاءها يقول: «أريد أن أنتقل من فيينّا ولا بد لك من اتخاذ قرار نهائي في أمر زواجنا.» وكانت عيناه ترسلان لهيبا، وصوته يعجُّ عجيجا... فذُعِرتْ وقالت: «لا سبيل الآن إلى اتخاذ قرار نهائي، فالحرب مقبلة. فلننتظرْ! فقال: «قرّري فورا ... نعمْ أمْ لا؟! فأجابت وكأنّ دافعا خفِيًّا يدفعها : «لا!» فامتقع لونه، وتشنّجت أعصابه، وضرب الطاولة بيده ضربة عنيفة أطارت عنها إناءً من الزجاج، فسقط أرضا محطّما. ثم نظر إليها، وقد هدأت ثورتُه، وقال لها بلهجة بطيئةٍ: «ولا تنسيْ ما سأقوله لكِ الآن: لا بد من الانتقام منك يوما... لا أدري متى أستطيع ذلك. بعد عشر سنوات... بعد عشرين سنة... أو ثلاثين... لا أدري، ولكني سأنتقم منك!».
ومضى هتلر ولم تره مذ ذاك... وتزوجت «كلارا هوفمان» سنة 1920 وواصلت مع زوجها وأختها، بعد وفاة والدها، الاهتمام بحانوت بيع الأزهار، إلى أن احتل النازيون النمسا، وبدؤوا يضطهدون اليهود. فهربت مع زوجها وأختها إلى بلجيكا...
ورُبُّ متسائل: «هل اضطهد هتلرُ اليهودَ لينتقم لغرامه الأول المُضَيَّعِ؟ وهل أراد - باضطهاده اليهود- أن ينتقم من كلارا؟...» إن كلارا نفسها لا تدري!...)
جاء هذا الكلام في كتاب: (روائع قصص الحب في التاريخ) لسمير شيخاني ص 258/260 الذي نشرته دار لحيل الجديد 2010.