أثار فيلم parasite ضجة كبيرة على المستوى العالمي بإعتباره أول فيلم غير ناطق بالإنجليزية يفوز بجائزة أوسكار أفضل فيلم مُحققًا بذلك إنجازًا غير مسبوق في تاريخ السينما.
وعليه، فكان لا بد من مشاهدة ذلك الفيلم المثير للجدل بداية من الملصق الترويجي الغريب الخاص به انتهاءً بالنهاية غير المتوقعة، لننقل لكم تجربتنا الخاصة تاركين لكم الحكم النهائي.
فيلم Parasite الذي فاز بأوسكار أفضل فيلم 2019
- معلومات عن فيلم Parasite
الاسم: الطُفيلي / Parasite
الدولة: كوريا الجنوبية
تاريخ العرض: May 30, 2019
التصنيف العمري: +15
قصة فيلم Parasite
Kim Gi Woo شاب عشريني عاطل يعيش مع أسرته الفقيرة المكونة من الأب والأم وأخت صغرى، في شقة صغيرة. في أحد الأيام، يأتي Min Hyuk صديق Kim Gi Woo في زيارة للعائلة عارضًا على صديقه أن يحل محله في التدريس لإبنة عائلة ثرية لسفره للخارج للدراسة.
يلتقي Kim Gi Woo بسيدة العائلة التي يكتشف فيما بعد مدى سذاجتها وبساطة تفكيرها، ليستغل ذلك محاولًا إلحاق باقي أفراد عائلته للعمل لدى العائلة الثرية.
يقدم الفيلم فكرة إنسانية قابلة للتطبيق والإسقاط لكافة المجتمعات. حيث يركز على الفئة التي تقبع في قاع الهرم المجتمعي، الطبقة المنعدمة تحت خط الفقر، تلك الفئة التى طُحنت بين راحايا الطبقات الأعلى والأقوى.
يتحدث مخرج الفيلم “Bong Joon Ho” عن فكرة الفيلم التي بدأت من تدرسيه لمجموعة من الأغنياء في فيلا فخمة حيث بدأت تراوده أفكار مثل: “كم سيكون رائعًا لو تمكنت من جلب أصدقائي واستمتعنا برفاهية العيش هنا” ومن هنا تنبع فكرة الفيلم.
وتتجلى لنا عبقرية البساطة في تلك الزاوية التي جاءت في مستوى رؤية العين ليتضح للمشاهد مدى فقر العائلة ليعيشوا بمسكن تحت الأرض. لينجح المخرج في تكوين فكرة كافية لدى المشاهد عن المحيط المتناول في الفيلم ببساطة شديدة بدون الإتيان بعنصر بشري لنستنتج من هيئته مستوى الطبقة التي سيسلط عليها الضوء في الفيلم مثلًا، بل اكتفى بلقطة ثابتة استمرت لعده ثوان كافية لتتجول بعينك في أرجاء المشهد وتلاحظ كافة تفاصيله.
وقبل أن ننتقل لأبطال فيلمنا لنتوقف قليلًا عند اسم الفيلم، parasite وتعني بالعربية الطُفيلي وهو كائن دقيق لا يُرى بالعين المُجردة، ويعيش بجسم كائن آخر (العائل) وينتشر به مُتغذيًا على ما يتغذى عليه الكائن الآخر، وينشأ الطُفيلي من الطعام الفاسد أو الماء الملوث أي أنه وليد بيئة فاسدة، ويعيش حياته بالتطفل على الآخرين. وهنا يأتي الفيلم ليجسد لنا تلك العلاقة بين العائل والطُفيلي في صورة بشرية لأناس لا يراهم المجتمع لكونهم على الهامش. فتلك المجتمعات الفقيرة تمثل الطُفيليات والتي نشأت من الفساد والفقر المُدقع.
ويتجسد لنا معنى التطفل منذ المشهد الأول لابن الأسرة الذي يحاول الدخول على شبكة الإنترنت الخاصة بالجارة لاحتياج الأسرة للإنترنت لإنجاز بعض الأعمال.
فتحاول الأم إيقاظ الأب للإتيان بالحل لينصحهم بدوره بمحاولة التحرك في أرجاء المنزل حتى يجدوا البقعة المناسبة لأفضل التقاط للشبكة. حل تطفلي رائع نفهم منه اعتماد الأسرة على التطفل كأنه أمر بديهي!
وينتهي بهم الحال في الحمام الضيق في لقطة تضج بالمعاناة التي يمرون بها للتعايش ككائنات طُفيلية.
وقد ذكرنا سابقًا مفهوم الكائن الطُفيلي الذى لا يعيش إلا بالتطفل على غيره، فماذا يمكن أن يحدث اذا تسلل طُفيلي فقير إلى مجتمع الطبقة الثرية؟ هو فقط سيتعايش ويتأقلم في بيئته الجديدة وهذا ما سنراه تمامًا في سيناريو الفيلم. تجسيد كامل لنظرية التطفل.
يبدو التطفل أمرًا مُزعجًا وغير مقبول إذا ما وضعت نفسك بمحل العائل، ولكن اذا نظرت للصورة الكاملة فستكن قدرًا من التعاطف لتلك العائلة الفقيرة التي تعاني للعيش فقط لأنها وسمت بالفقر، ولأولئك الأغنياء السُذج كذلك لأنهم يُستغلون بسبب أموالهم دون أن يدركوا الأمر. فنحن لسنا ملائكة أو شيطان بالكامل، لكل منا جانبه المُظلم السيئ والذي وُزع بنجاح على شخصيات الفيلم دون الانحياز لطبقة على حساب الأخرى، فالطبقية هي من جعلت البشر هكذا، الطبقة الفقيرة كانت السبب في نشأة الكائن الطُفيلي الذي لن يلبث أن يستغل فرصة وجود عائل غني ليتغذى عليه ولن تقدر أن تكرهه لتصرفه ذاك لأن هذا مورد غذائه الوحيد. أما بالنسبة للطبقة الثرية، فهم أناس مسالمون ولكنهم ببقائهم طويلًا في الأعلى يرفضون أن يقترب منهم أحد من الأسفل بسهولة فهم طبقة دونية دون المستوى وعليهم أن “يلتزموا حدودهم”. فقد تكررت تلك الجملة على لسان رب الأسرة الثرية في عدة مشاهد.
ولا تخلو المشاهد من الأشارة إلى الطبقية بدورها هى الأخرى.
فهنا نرى مشهد لمنزل الأسرة الفقيرة بدرج يقود إلى “الأسفل”
بينما مشهد ذهاب الابن لمنزل الأسرة الثرية فيه “صعود”. فالأمر هنا ليس مٌجرد انتقال من مكان لآخر، بل صعود من طبقة لأخرى.
وفي أحد المشاهد يغادر أفراد الأسرة الثرية للتخييم في الخارج بضعة أيام، فتستغل الأسرة الفقيرة فرصة خلو المنزل ليجربوا معيشة الاثرياء، ولسوء الحظ تنقلب أحوال الطقس فتضطر الأسرة لإلغاء رحلة التخييم والعودة أدراجها فجأة، فيهلع الطفيليون ويشرعون فزعين بتنظيف المكان وإخفاء آثارهم ثم يختبئون “أسفل” منضدة كبيرة كالصراصير وبالكاد يتنفسون من ضيق المكان. إشارة لعودة الأمور لنصابها برجوع كل فرد لطبقته الأصلية.
الرائحة، كانت أحدى العناصر الهامة والواضحة للإشارة إلى الطبقية بطريقة مُختلفة، ففي أحدى المشاهد يشير ابن الأسرة الثرية إلى أن جميع العاملين لديهم يمتلكون نفس الرائحة، فيفكرون باستخدام صابون استحمام مختلف لكل واحد فيهم أو باستخدام مسحوق غسيل مختلف، لتشير ابنة الأسرة إلى أن المشكلة تمكن بمكان معيشتهم واضعة بذلك أصبعها على لُب نظرية الطبقية وفكرة الفيلم، فالمكان تعمه رائحة الفقر التي تترك آثارها عليهم وتتجاوز الرائحة لتشمل تصرفاتهم ونمط معيشتهم بل وطريقة حديثهم.
ويدرك الطُفيليون مدي عمق الفجوة بين طبقتهم وطبقة الأثرياء، عندما يصنف رب الأسرة الثرية الفقراء برائحتهم وردة فعل رب الأسرة الفقيرة العبقرية على حديثه، فهو لم ينبس ببنت شفة بل كانت تعابير وجهه ونظرته كافيه لتعكس لك مرارة الأمر وقسوة الواقع الذي ارتد عليه كصفعة قوية كادت أن تكسر رقبته ليتعافى من وهم اللحظات القليلة التى عاش فيها رفاهية الأثرياء، فلو عاشها 100 عام سيتم رصده كطفيلي بنهاية المطاف.
في عالم الحيوان، إذا ما غزت مجموعة ما أرضًا أو مكان غذاء مجموعة أخرى من نفس الفصيلة، ينشأ صراع بين المجموعتين لينتهي بمحافظة المجموعة الأصلية على مكانها أو استيلاء المجموعة الجديدة على المكان، ولا يختلف الأمر كثيرًا في فئة الطفيليات. فعندما يحل على الأسرة الفقيرة كائنات طُفيلية أخرى يدور صراع بين المجموعتين اللتين تنتميان لنفس الفئة مع فرق أن المجموعة الدخيلة قانعون بموقعهم لا يتطلعون للمزيد أما المجموعة الأصلية، فقد كانوا رافضيين لحالهم وأعمتهم الحياة الفارهة ونسوا مكانهم الأصلي. وعليه، فقد أظهر أبطال فيلمنا عدائية وشراسة شديدة للدفاع عن سرهم ألا ينكشف وحماية أرضهم، أما المجموعة الدخيلة فقد كانوا كالعبيد تمامًا، فلم يمانع رب الأسرة بقضاء حياته بأكملها في قبو مع تقديس شديد لصاحب المنزل الفاره وإحساسه بالفضل الكبير عليه برغم أنه لم يكن يعلم بوجوده أصلًا!
وهنا نصل لمشهد النهاية العبقري غير المتوقع على الإطلاق، وعودة إلى الرائحة التي تمثل معنى الفقر، يبدأ المشهد برجل يحمل سكينًا يقتل الناس في الحفل بهستيرية، وعلى الأرض ترقد ابنة الأسرة الفقيرة مضرجة بدمائها بين الحياة والموت والابن كذلك يصارع الموت بإصابة في الرأس والأب يشاهد فيلم الرعب ذاك مصدومًا ولم يحركه سوى رب الأسرة الثرية الذي يضع يده على أنفه تأففًا من رائحة الأب لتكون بذلك القشة التي قسمت ظهر البعير فلا يتمالك نفسه ويهرع لرب الأسرة لقتله رغم أنه لم يفعل شيئًا ولكن رب الأسرة هنا لم يكن سوى تجسيدًا للطبقية العفنة التي وضعت حاجزًا بين البشر ولا بد من اجتتذاذها من جذورها.
ويختتم الفيلم بنفس مشهد البداية، نفس الزاوية، نفس المستوى الأقل من الشارع والطفيليون ما زالوا كما هما طفيليون.
وختامًا، فقد تناول الفيلم فكرة الطبقية بموضوعية كفكرة مجردة بالتركيز على معدنها القبيح دون إظهار تفضيل لطبقة على أخرى ليكون بذلك أحد أروع الأفلام التى تناولت مشكلة مجتمعية كانت وليدة معرفة البشرية بفكرة الحضارة.
آية محمد إبراهيم - اراجيك