،،،،
《 الأمن البيئي 》
بعد عقودٍ من الحروب التي استخدم فيها البشر مُختلف أنواع الأسلحة ذات التأثير الخطير على البشر والطبيعة على حدٍ سواء، ظهرت أصواتٌ تنادي بضرورة مراعاة البيئة التي نعيش فيها والحفاظ عليها من مختلف أشكال التلوث، بدءًا من الأسلحة وصولًا إلى ما يشهده العالم حاليًّا من ثوراتٍ صناعيةٍ تُعدُّ البيئة الخاسر الأكبر فيها. هنا ظهرت بوادر حروبٍ ونزاعاتٍ قد يكون سببها تغيّر الظروف البيئية كالجفاف وقلة مصادر الغذاء والتلوث، إضافةً لقلة الثروات الطبيعية. ما دفع العديد من الدول إلى اعتماد سياساتٍ تُراعي من خلالها ما نُطلق عليه الآن مصطلح الأمن البيئي (Environmental Security).
■مفهوم الأمن البيئي
هو مصطلحٌ ظهر للدلالة على وجود علاقةٍ بين أمن البشر والبيئة التي بقيت موضع نقاشٍ ومثار جدلٍ خلال العقود الأخيرة، حتى ظهر مفهوم الأمن البيئي بالتوازي مع تحديد معنى استراتيجية الدفاع والمجتمع البيئي، وإيجاد نوعٍ من التفاهم والارتباط بين الفكر التقليدي للأمن الوطني والحماية البيئية وتطوير السياسة.
يمكن القول إن الأمن البيئي هو أحد مجالات الأمن الوطني والإقليمي الذي يقلل ويمنع من حصول التهديدات المتعلقة بمصادر الطاقة وطرق إمدادها والمخاطر البيئية والضغوطات المسببة لزعزعة الاستقرار السياسي والاقتصادي وحدوث النزاعات والصراعات بين البلدان.
■مجالات اهتمام الأمن البيئي
يمكن القول أن الأمن البيئي يهتم بالأمور البيئية وتأثيرها على الأفراد والمجتمعات والأمم، كما قد يهتم بصراعات البشر ونزاعاتهم والعلاقات الدولية وتأثيرها المحتمل على البيئة، ويقتصر عمل الأمن البيئي على ثلاثة أمورٍ:
- العمل على حماية البيئة وتجنب إلحاق الضرر بها جراء العمليات العسكرية ومعالجته إن حدث.
- نزع فتيل الصراعات الناتجة عن أمورٍ تتعلق بالبيئة وعدم الانخراط بها.
- السعي بجدٍ لحماية البيئة وزرع هذا الأمر في النفوس كقيمةٍ أخلاقيةٍ متوارثةٍ بين الناس.3
■أهمية الأمن البيئي
انطلاقًا من مفهوم الأمن القومي، يمكن توضيح أهمية هذا المجال في الحفاظ على الأمن والاستقرار في العالم الأمر الذي لا يزال يجهله الكثيرون بل ولا يقتنعون بصوابيته حتى.
ترتفع أصواتٌ منذ سنواتٍ عديدةٍ تُنبه إلى المخاطر المحتملة للضرر الذي يُلحقه البشر ونشاطاتهم الصناعية على البيئة ككل؛ فمع ازدياد تجاهل الأنظمة البيئية الحيوية والضرورية لاستمرار بقاء الإنسان على قيد الحياة والمسؤولة عن إيجاد الماء والغذاء والدواء وتنظيف الهواء وتنقيته، سيواجه البشر في المستقبل مشاكل وتحدياتٍ بيئيةً جسيمةً جراء التغييرات التي ستحدث في الأنظمة البيئية.
سينعكس كل ذلك على مفاهيمَ ومجالاتٍ أخرى تربط تلك التحديات بالسياسات الوطنية والإقليمية، ما قد يُفضي إلى حدوث نزاعاتٍ بين الدول أو بين جماعاتٍ ضمن الدولة الواحدة، لذلك اعتُبر الأمن البيئي ذا أهميةٍ كبيرةٍ بالنسبة لمختلف جوانب حياة البشر.
■مفاهيم متعلقة بالأمن البيئي
مع محاولاتٍ عديدةٍ لإيجاد مفهومٍ واضحٍ ومحددٍ للأمن البيئي، برزت عدة أفكارٍ ومفاهيمَ تدور في فلك هذا المصطلح.
- تعتبر البيئة واحدةً من أهم وأكثر القضايا التي تتجاوز الحدود الوطنية للدول، ويُعتبر الأمن المتعلق بها إحدى ركائز إحلال السلام والأمن الوطني وضمان حقوق الإنسان، وهي من أكثر المفاهيم دراسةً في محاولةٍ لتوضيحها بالشكل الأمثل.
- من المتوقع أن يتغير حوالي ثلث معالم الأرض الحالية خلال المئة عام القادمة، خاصةً مع التحديات والصعوبات المتزايدة التي يواجهها البشر في مختلف أنحاء الكرة الأرضية والمتمثلة بالاستهلاك والنظم البيئية والتجديد أو التعويض والإدارة والمحافظة.
- يُنظر للأمن البيئي كقضيةٍ جوهريّةٍ بالنسبة للأمن الوطني؛ حيث يتضمن الحركة والعلاقات التي تربط المصادر الطبيعية والتركيبة الاجتماعية والعجلة الاقتصادية من أجل الإبقاء على جوِّ الاستقرار سائدًا على الصعيد المحلي والإقليمي بين الدول.
- لا يزال موضوع تأثير البيئة وعلاقتها بمتغيرات الصراعات والأمن مثار جدلٍ ونقاشٍ، خاصةً وأن دورها في إحلال السلام ونشوب الصراعات وزعزعة الاستقرار وتهديد أمن البشر يتغير من حالةٍ لأخرى، حيث وُجدت مؤشراتٌ ودلالاتٌ متزايدةٌ تؤكد أن البيئة هي سببٌ غير مباشرٍ لحدوث النزاعات والصدامات على هذا الكوكب.
■الصراعات الدولية البيئية
تشمل العلاقة بين الأمن والبيئة عدة نواحٍ يتمثل أحدها في تأثير النزاعات والصراعات على البيئة، حيث ينتج عنها أحداث عنفٍ واستخدام الأسلحة المختلفة وموجات النزوح الأمر الذي ينعكس على الأمن البيئي في تلك المناطق، وبالتالي تزايد حالات الفقر وقلّة مستلزمات الحياة ما سيؤدي لمزيدٍ من العنف.
_أما الجانب الآخر من تلك العلاقة فنجده من خلال استخدام الموارد الطبيعية بشكلٍ مُستدامٍ وبذل جهودٍ كبيرةٍ لحماية البيئة بين مختلف الدول، والتعاون بينها لتحقيقه، وبالتالي سيمنع حدوث النزاعات ويحل السلام؛ وأكبر مثالٍ واضحٍ على ذلك ما يتعلق بالماء؛ فقد أثبتت تجارب التعاون بين الدول في إدارة الموارد المائية وتوزيعها بشكلٍ عادلٍ بطلان الفرضية التي تزعم أن الحروب في المستقبل ستكون على مصادر المياه.
،،،،